غارات إسرائيلية على مدينة البوكمال وعلى الأرض إيران تسيطر والحشد الشعبي يروع السكان

نشرت صحيفة “أوبزيرفر” تقريرا أعده مراسلها في الشرق الأوسط مارتن شولوف، قال فيه إن مدينة البوكمال ونواحيها باتت مركز صراع لعدد من اللاعبين، حزب الله في لبنان والعراق، ميليشيات شيعية إيرانية، قبائل سنية، مرتزقة روس، وقوات النظام السوري بالإضافة للمقاتلين الأكراد الذين دعمتهم الولايات المتحدة.

وقال إن سلسلة تلال معروفة بجبل باغوز، أصبحت أكثر منطقة متنازع عليها في الشرق الأوسط، وتشبه الواحة، وبقعة خضراء تبدو في أفق الصحراء تمتد على ضفتي الفرات إلى منطقة واسعة يسكن فيها جيران جدد وخارجون عن السيطرة. ولا شيء يتحرك في حر النهار، ويعود النهر الذي عاش عليه سكان العراق وسوريا لقرون إلى الحياة وكذلك الحركة إلى مدينة البوكمال حيث تبدأ جماعات التهريب وعناصر الميليشيات والجماعات الوكيلة والمرتزقة وجيوش ثلاث دول أخذت حصة في المنطقة بعد وقف تنظيم الدولة وهزيمته قبل 3 أعوام.

وخلفت سنوات الاضطراب محافظة دير الزور بمشاكل وخلافات عصية على الحل. فلا يزال الكثير من السكان مفقودين، مشردين وتتواصل الحرب ضد الإرهابيين بلا هوادة. وعلى الطريق السريع تفتح التراكتورات والناقلات المجال لقوافل عسكرية أمريكية وروسية وتحلق في الجو مروحيات فرنسية وأمريكية، ولا تزال قوات التحالف الدولي لهزيمة تنظيم الدولة تحتفظ بقواعد عسكرية لها.

وفي مدينة البوكمال هناك لاعبون يتنافسون على التأثير، ميليشيات إيرانية وعراقية ومن لبنان، ومرتزقة روس وقبائل سنية والجيش السوري والمقاتلين الأكراد الذين يراقبون من الضفة الأخرى للنهر. وتحولت هذه المدينة الحدودية للجيب الإستراتيجي الأهم في المنطقة، ومن يؤمن له ممرا فلديه رأي في الأحداث الجارية على جانبي الفرات.

ويقول مقاتل كردي “لهذا السبب نحن هنا نراقب المشهد. سيتم القتال على كل الأرض التي تشاهدها أمامنا في السنوات المقبلة”. وأشار المقاتل إلى الغارات التي شنتها المقاتلات الإسرائيلية في نهاية شهر آب/ أغسطس. قائلا: “غاراتهم تختلف عن الغارات الأمريكية”. وضربت الغارات الجوية في السنوات الثلاث الماضية مدينة البوكمال ونواحيها وكذا مدينة القائم على الجانب العراقي من الحدود وبشكل منتظم. وكانت الأهداف هي مواقع مرتبطة بميليشيات مرتبطة بإيران والتي تستخدم البلدة لنقل المال والسلاح من العراق إلى سوريا.

وتحولت البوكمال إلى الممر الرئيسي لمشروع إيران الذي تعمل عليه منذ عقود وتأمين قوس تأثير من العراق إلى سوريا والبحر المتوسط.

وكان الهدف من بناء هذا المنفذ هو إنشاء جسر في سوريا إلى لبنان، وهو الهدف الرئيسي للجنرال قاسم سليماني وحليفه أبو مهدي المهندس الذي قتل معه في غارة أمريكية ببغداد بداية عام 2020. وكانت صحيفة “أوبزيرفر” أول من تحدث عن خطط إيران لإنشاء ممر عبر العراق وسوريا إلى لبنان في تشرين الأول/أكتوبر 2016، وزادت الجهود منذ ذلك الوقت، وبعد مقتل سليماني تحديدا.

وقال المقاتل الكردي إن الغارات صارت منتظمة وسريعة ولكنها مدمرة. وجرح خمسة أشخاص في غارة يعتقد أنها من تنفيذ مسيرة إسرائيلية في 8 تشرين الأول/أكتوبر. وحدثت غارة أهم في 21 أيلول/سبتمبر وقتل فيها خمسة أشخاص. وفي كانون الثاني/يناير قتلت غارة أوسع أعدادا من الأشخاص. وقال المقاتل الكردي: “لا تزعجنا ولا أعتقد أنها تزعج الإيرانيين، فالبوكمال مشغولة جدا وهناك الكثير من التهريب عبر القائم ويتم بالقوارب عبر النهر”. ويقول سكان البوكمال إن مدينتهم تغيرت كثيرا منذ خروج تنظيم الدولة “عندما دخل الشيعة هناك الكثير من الخوف” كما يقول العامل خالد السهيل، “لدى الإيرانيين المال الكثير لإنفاقه ولديهم تأثير على القبائل ولكنهم ليسوا الأسوأ بل الحشد الشعبي الذين يخيفون الجميع، وهم شيعة وطائفيون”.

وأكد ثلاثة مواطنين في المدينة اعتقاد المسؤولين الأوروبيين أن ضابطا إيرانيا لقبه حاجي عسكر هو الأكثر تأثيرا. ويقود كتيبة 47 من كتائب حزب الله، وهي جماعة موالية لإيران وتسيطر على معظم المدينة ولكنه نفّر السكان وشيوخ القبائل. ومعظم الذين تم اجتذابهم لكتيبة 47 هم من أبناء قبيلة المشاهدة والجغيفات. وقال أحد السكان: “كانوا هم الذين باعوا المدينة لإيران. باعوها بشكل زهيد، ويساعدون على التهريب ولن ينتهي هذا بشكل جيد”. وقال مواطن آخر: “إنهم يجلبون أساليبهم إلى المنطقة. هناك بعض الناس يصلون كالشيعة، وما يحدث هنا لا يؤثر على المنطقة بل يغير المدينة، وهناك مدارس تدرس التاريخ الفارسي ولدى قادة الشيعة الدينيين تأثير على المجتمعات، وهم أقوى من جيش بشار، الذي يقف متفرجا ويفسح المجال أمام إيران وأصدقائها لتنفيذ خططهم”.

وفي بلدة باغوز حيث خاض مقاتلو تنظيم الدولة معركتهم الأخيرة، يراقب مقاتل كردي من قوات سوريا الديمقراطية التي دعمتها الولايات المتحدة الجانب الآخر من جسر كان يربط الطرفين. وقال إن مقاتلي التنظيم فجروه حتى يمنعوا ملاحقتهم، وحاولوا بناء جسر خاص بهم. وتمثل باغوز اليوم شاهدا صامتا على معركة التأثير الجارية قريبا منها. وعاد المزارعون إلى حقولهم وتتلألأ محاصيل عباد الشمس في نسيم الهواء وعلى جانبي النهر صفوف من أشجار الرمان. وقال مقاتل إن حوالي 5.000 مقاتل من تنظيم الدولة قتلوا في المعركة الأخيرة.

صحيفة “أوبزيرفر”