الصين تدرس بحذر الفرص المتوفرة في أفغانستان تحت حكم طالبان
أرسلت حركة طالبان بصورة متكررة إشارات حسن نية إلى الصين منذ أن فرضت سيطرتها على مدينة كابول، ووعدت الحركة بعدم إيواء الإرهابيين الذين قد يستهدفون جيرانها، وأعربت عن دعمها لمبادرة الحزام والطريق الصينية وقالت إنها تأمل في المشاركة في الممر الاقتصادي الذي سيربط الصين بباكستان. وفي حين أن الصين سعيدة بهذه البادرة، وقدمت بدورها آراء إيجابية حول الحركة، إلا أنه من غير المرجح إطلاق أي مشاريع ضخمة في المستقبل القريب. لكن، إذا تحسن الوضع من وجهة نظر الصين، فإن الكثيرين في الصين تواقون لاستغلال الفرص التي يمكن لأفغانستان تقديمها.
ولدى الصين ثلاثة معايير تُحدد في ضوئها علاقاتها مع طالبان، المعيار الأول: هو انتصار مسلح سريع وواضح وبلا منازع، وقد تم تلبية ذلك من خلال استيلاء الحركة على بنجشير، والمعيار الثاني: هو السياسة الداخلية لطالبان وعلاقاتها مع الجماعات الإسلامية المتطرفة وخاصة الأويغور الموجودين في أفغانستان، ويبدو أن طالبان إلى الآن تلتزم بسياسات داخلية أكثر اعتدالا مقارنة بالنهج الوحشي والقمعي الذي اتبعته عندما حكمت البلاد في الماضي. كما قالت الحركة إن المتشددين لا يمكنهم استخدام الأراضي الأفغانية لاستهداف دول أجنبية، والمعيار الثالث: هو كيفية تعامل الدول الأخرى مع حكومة طالبان، فلا ترغب الصين في أن تكون الدولة الوحيدة التي تمد جسور التواصل مع الحركة، لذا فإن رؤية تركيا وروسيا وإيران وقطر وهي تتواصل مع الحركة، سيشجع الصين على المضي قدما.
وأظهرت الصين رد فعل إيجابي في ما يتعلق بانتصار حركة طالبان، وهو تناقض صارخ مع موقفها تجاهها في السابق، حيث تجاهلت الصين الحركة عندما استولت على البلاد في عام 1996. وتعتقد وزارة الخارجية الصينية أن “الوضع في أفغانستان قد تغير بشكل جذري”، مما يعني أن الصين ترى انتصار حركة طالبان انتصارا كاسحا ونهائيا. وقالت الوزارة أيضا “إن مستقبل ومصير أفغانستان عاد إلى أيدي الشعب الأفغاني” والرسالة الأساسية هنا هي أن حركة طالبان، في نظر الصين، هي من يمثل الشعب الأفغاني. وتشير التقديرات إلى موافقة بكين على شرعية طالبان والاعتراف بانتصارها، وعلى الرغم من أن الصين قد لا تكون أول من يعترف رسميا بنظام طالبان، إلا أنها لن تكون الأخيرة.
وأحد الأسباب الرئيسية لرد فعل الصين الإيجابي تجاه طالبان هو أن ما حصل يعد هزيمة كبرى للولايات المتحدة، والذي تزامن مع تصاعد التوتر العالمي بين القوتين العظميين، وبالنسبة للصين، فإن انتصار طالبان يعني فشل كل من التدخل العسكري الأميركي والتجربة الديمقراطية الغربية. وصورت الصين طالبان على أنها تمثل الشعب الأفغاني، للتجريح في العملية العسكرية التي استمرت عشرين عاما، كما صورت الشعب الأفغاني وكأنه رفض أن يكون “دمية في يد الولايات المتحدة”، فهو الآن البناة المنتصرون لدولة قومية. وهو تحول صارخ عن الأيام التي كانت تنظر فيها بكين إلى حركة طالبان على أنها تدعم الإرهابيين وتفرض حكما داخليا شديد القسوة، والنظرة الجديدة القائلة بأن سيطرة طالبان على كابول كانت حركة شعبية، تتطابق بشكل لافت مع اعتماد الصين على المؤهلات الثورية لأخذ شرعيتها.
والآن وبعد أن تم الإعلان عن تشكيل الحكومة، فمن المتوقع أن تبدأ الصين وطالبان علاقة إيجابية إلى حد ما، وتعهدت بكين بتقديم 31 مليون دولار من المساعدات، ويشمل ذلك لقاحات كوفيد – 19 التي يحتاجها الشعب الأفغاني، ويعطي الوضع السياسي الأفغاني الصين موقفا قويا.
ولبكين تأثير كبير على باكستان، والتي تعتبر أكبر راع لطالبان، ومن ضمن جيران أفغانستان، وعملت الصين على توحيد مواقفها تجاه روسيا وإيران وطاجيكستان وأوزبكستان. وفي المقابل، بدأ التأثير الغربي في الاضمحلال بسبب الانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية وقوات الناتو، وسقوط الرئيس أشرف غني وإغلاق السفارات الغربية.
ويتعاظم اهتمام الصين بالفرص الاقتصادية المتاحة على الأراضي الأفغانية، حيث كان للصين بالفعل بعض المشاركة في الموارد المعدنية الهائلة لأفغانستان، بما في ذلك منجم مس عينك للنحاس بالقرب من كابول وإنتاج النفط في حوض آمو داريا في الشمال. ولكن الأهم من ذلك هو موقع أفغانستان، الواقع مباشرة في مسار مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهو مشروع بنية تحتية عالمي ضخم يربط شرق آسيا بأوروبا.
وقد ناقشت الصين مع باكستان خطط تحويل أفغانستان إلى مسار آخر للممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، وفي حالة نجاحها في ذلك، فستعزز الخطة الترابط التجاري الإقليمي وتساعد على استقرار البلاد من خلال التنمية الاقتصادية. ولن يأتي أي من تلك النجاحات على جناح السرعة، والأمر متوقف على قيام طالبان بتأمين البلاد على الصعيد الداخلي. وحتى إذا تم ذلك، فستظل أفغانستان وجهة استثمارية عالية المخاطر، فقد أظهرت أربع هجمات ضد مواقع صينية ومواطنين صينيين في باكستان في الأشهر الخمسة الماضية كلفة ربط علاقات مع دولة منقسمة وغير مستقرة.
وتواصل الصين تحميل الولايات المتحدة المسؤولية عن مستقبل أفغانستان، ولا يعكس ذلك مسؤولية قيادية من جانب الصين بقدر ما يعكس تعذيب ضمير للجانب الأميركي، وقد طالبت الصين الولايات المتحدة بإشراك طالبان وقيادتها صوب اتجاه إيجابي، كما أرادت من الولايات المتحدة تقديم العون والمساعدة للحفاظ على عمل الحكومة واستقرار البلاد.
وتنظر الصين إلى التنمية في أفغانستان من خلال عدسة المنافسة بين القوى العظمى، وترى انسحاب الولايات المتحدة على أنه استراتيجية مزدوجة وخبيثة ومناهضة للصين، فمن جانب، زعم محللو الحكومة الصينية أن الانسحاب السريع لواشنطن كان يهدف إلى خلق فراغ أمني وإحداث فوضى في المناطق المحاذية للصين، كما زعموا أن تعكير أمن الحدود الغربية للصين هو محاولة أخرى لكبح جماح النجاح الصيني. ومن ناحية أخرى، فإن الانسحاب من أفغانستان سيحرر الإمكانيات الأميركية لإعادة تخصيصها وتركيزها في شرق آسيا، والذي يعد المسرح الأساسي للمنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين.
وعليه، فإن الصراع على النفوذ في أفغانستان لم ينته بعد، ويمكن أن نشهد بداية التنافس بين الولايات المتحدة والصين في قلب أوراسيا.
العرب اللندنية
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews