لماذا فشل “السلام الأمريكي” في أفغانستان؟
سيطرت طالبان على أفغانستان في وقت قريب من الذكرى السنوية العشرين لأحداث 11 أيلول. فقد كانت أفغانستان هو المكان الذي خططت فيه العمليات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 2001، والمحطة الأولى في طريقها لإعادة تصميم الشرق الأوسط في أعقاب ذلك.
إن عودة أفغانستان إلى النقطة إياها التي كانت فيها الدولة قبل عقدين، تدل بقدر كبير على فشل استراتيجي لعقيدة “السلام الأمريكي” والتي جرت في إطارها محاولة لإقامة دولة قومية مستقرة ومجتمعات حديثة وديمقراطية، وذلك حسب نموذج إعادة بناء ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
إن الخطوة التي بدأتها الولايات المتحدة فتحت عملياً عدداً لا يحصى من صناديق المفاسد للكراهية بين الطوائف والأديان في المنطقة، أثارت حروباً مضرجة بالدماء وكانت محفزاً لـ”الربيع العربي” الذي نشب بعد بضع سنوات من مشاهدة جموع هذه المنطقة إعدام صدام حسين، الأمر الذي شقق الخوف العميق من الحكام الطغاة في العالم العربي.
يشكل الفشل الأمريكي دليلاً على المصاعب لدى أصحاب القرارات ومصمميها في واشنطن بفهم الثقافات المختلفة، ولا سيما في العالم الإسلامي. فقد أخطأ الأمريكيون غير مرة في سحب منطقهم على “الآخَر”، وفي محاولة فرض قيم وأنواع من النظام تطورت على الخلفية الاجتماعية والثقافية والسياسية الخاصة بالغرب. هذا تراث يعود لعشرات السنين يتضمن محطات، مثل: تجربة روبرت مكنمارا وزير الدفاع الأمريكي في حرب فيتنام، وفي إدارة المعركة وفقاً لعقيدة هندسة الصناعة والإدارة؛ ومساهمة كارتر في انهيار نظام الشاه في إيران من خلال الضغط لمنع قمع الاحتجاج ضد حكمه؛ وخطاب القاهرة في 2009 حيث انتقد أوباما غياب الديمقراطية في الشرق الأوسط؛ ومؤخراً “صفقة القرن” لترامب التي سعت لحل مواجهة عاطفية قديمة ومعقدة بأدوات “تجارية”.
يشكل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أنباء سيئة لإسرائيل والعالم العربي السُني. صحيح أنها تحافظ على نفوذها في المنطقة، ولكنها تبدي دافعاً متدنياً لتصميمه، وتفضل الخطاب الدبلوماسي وتركز على الحفاظ على المصالح الصرفة. يعكس الانسحاب صحوة يائسة للأمريكيين من المعركة على “العقول والقلوب” لأبناء الشرق الأوسط. من شأن سياسة واشنطن أن تقوض صورتها في نظر لاعبين مثل روسيا الصين وإيران، وتعزز جرأتهم على تحقيق خطوات استفزازية، وتشجيع محافل متطرفة مثل “القاعدة” لترفع رأسها من جديد، وبالمقابل تعميق خوف حلفائها القدامى في العالم العربي من فقدان سندها الاستراتيجي. كل هذا يحصل بعد عقد من “الربيع العربي”، حين تكون المنطقة أكثر تضعضعاً من أي وقت مضى، وكل شرارة داخلية قد تتسبب بتقويض النظام في بؤر مختلفة فيها.
إن التغيير في الوعي لن يكون قابلاً للتحقق. فتحولات دراماتيكية كهذه تتحقق ليس من خلال إنفاذ القانون، وعلى ما يبدو أيضاً ليس من خلال تغييرات اقتصادية – اجتماعية، بل في أعقاب تغيير في عموم المراكز التي يتصمم فيها الوعي في الشرق الأوسط – المؤسسة الدينية، وسائل الإعلام وجهاز التعليم – والتي يعد التغيير فيها في معظم المنطقة محدوداً وبطيئاً للغاية في هذه اللحظة على الأقل.
يديعوت
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews