إسرائيل بعد “ميرسر ستريت”.. بين كذبة “المعركة بين الحربين” ووهم الدعم العالمي

في كانون الثاني 2010 أوقف أشخاص مجهولون دراجة مفخخة قرب سيارة عالم الذرة الإيراني مسعود علي محمد. انفجرت الدراجة وقتل العالِم. كانت التصفية الأولى المعروفة التي استهلت سلسلة تصفيات شخصية نسبت للموساد. بعد ذلك، حدث انفجار في قاعدة حرس الثورة الإيراني في خرم أباد في تشرين الأول 2010، قتل فيه 18 جندياً إيرانياً. وفي تشرين الثاني، تم وضع عبوة ناسفة في سيارة علماء الذرة الإيرانيين، فقتل أحدهما وأصيب الآخر إصابة بالغة.

منذ ذلك الحين، سجلت مئات عمليات الاغتيال والانفجارات والتخريب في منشآت نووية وهجمات سايبر على محطات الكهرباء والقطارات، وبالطبع قصف جوي لقواعد ومنشآت إيرانية في سوريا، التي نسبت جميعها لإسرائيل. وباستثناء ردود منعزلة، أدارت إيران الحرب ضد إسرائيل بواسطة مبعوثيها، أهمهم “حزب الله. الهجوم الذي نفذته إيران ضد سفينة بملكية إسرائيل في نيسان، والهجوم الذي حدث مطلع تموز، والهجوم على سفينة “ميرسر ستريت” في خليج عُمان، جميعها تشير إلى تغيير استراتيجي جوهري- حرب مباشرة ضد أهداف إسرائيلية.

لا يعتبر هذا تغييراً مفاجئاً، بل يأتي بعد سلسلة طويلة من الهجمات التي نسبت لإسرائيل والتي نفذت منذ نيسان الماضي، منها المس بسفينة استخبارية إيرانية في البحر الأحمر، والتخريب الذي حدث في منشأة نطنز، الذي تم إطلاق الصواريخ في أعقابه على سفينة بملكية إسرائيل قرب إمارة الفجيرة، وكذا الانفجار الذي حدث في مصنع البتروكيماويات جنوبي إيران، والتخريب في محطة الطاقة للمفاعل النووي في بوشهر، والإضرار الشديد بالمنشأة التابعة للهيئة الإيرانية للطاقة الذرية، والحريق الكبير في منشأة قرب مدينة كراج، التي يتم فيها إنتاج أجهزة الطرد المركزي، حسب الادعاء.

يهدد وزير الدفاع بني غانتس، الآن، بأن إسرائيل ستحاسب من يمس بها، وكأن الحساب العنيف يبدأ مع الضربة الأخيرة، بغض النظر عن اللكمات التي ألحقتها إسرائيل بإيران.

إسرائيل تنظر إلى إيران بنفس الطريقة التي تنظر فيها إلى سوريا ولبنان أو الضفة الغربية وغزة. في نظرها هذه مناطق سائبة، حيث يسمح لها بالتصرف فيها كما تشاء، ويجب على الطرف الآخر أن يمتص الضربات ويصمت.

الكذبة هي أن الحوار العنيف الذي تخوضه إسرائيل مع إيران هو معركة بين حربين، “أنت فيها في الواقع تحاول تأجيل الحرب بقدر الإمكان”، كما وصف ذلك القائد السابق لقسم العمليات الخاصة. ولكن ماذا لو كانت هذه المعركة بين حربين هي بحد ذاتها حرب، أو يمكنها أن تجر إسرائيل إلى حرب؟ ماذا لو أدت إلى تآكل أو حتى تقويض علاقات إسرائيل مع الدول الصديقة الأخرى؟

عندما تنتقل إيران إلى هجمات مباشرة ضد اهداف إسرائيلية ردا على عمليات قتالية إسرائيلية فإن هذا لا يعتبر معركة أخرى بين حربين، بل هذه بداية حرب. لأن الطريقة التي تدير فيها إسرائيل الصراع أمام إيران، سواء في الساحة النووية أو ضد مبعوثيها في لبنان وفي سوريا، تشعل الامكانية الكامنة للحرب وتزيد استعداد إيران للرد وتخلق تهديد على إسرائيل بدلا من تبديده، هذا في الوقت الذي لا يوجد فيه أي تأكيد على أن الجيش الإسرائيلي والجمهور في إسرائيل مستعدون لمواجهة حرب كهذه.

نفس هذه المعركة بين حربين، التي تبهر العيون وكأنها قصة نجاح، لم تنجح حتى الآن في إحباط التهديد النووي الإيراني. فهي لم تدمر ولن تستطيع أن تدمر المعارف الواسعة التي راكمتها إيران أو اليورانيوم المخصب أو الدافعية لتطوير السلاح النووي. الاحتمالية الوحيدة الموجودة في هذه الأثناء لمنع تهديد إيران هي استئناف الاتفاق النووي الأصلي، الذي تسعى إليه الولايات المتحدة والدول التي وقعت عليه.

علينا ألا ننخدع بالدعم والتفهم الذي حصلت عليه إسرائيل من الولايات المتحدة وبريطانيا بعد مهاجمة “ميرسر ستريت”، ولم تحصل إسرائيل منها على رخصة لمواصلة حربها هذه؛ لأن نفس الزعماء الذين يدينون إيران الآن لن يقفوا بالضرورة إلى جانب إسرائيل إذا قوضت فرص الاتفاق النووي بردها.

هآرتس