في ظل محادثات “فيينا”.. ما دلالة تقاطع التقارير الصادرة من واشنطن وتل أبيب حول إيران؟

بعد مرور نصف سنة على انتهاء ولاية غريبة لدونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة، هناك الآن سيل من الكتب التي تصف أشهره الأخيرة في البيت الأبيض. والمصدر الرئيس لتلك الكتب الجديدة هو رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي، الجنرال مارك ميلي، الذي يظهر فيها كشخصية منعت جزءاً كبيراً من جهود ترامب لإفشال تحقيق رغبة الناخبين.

ظهر التقرير المفصل قبل بضعة أيام في مجلة “نيو يوركر”، جزء من كتاب ألفه الصحافيان (الزوجان) سوزان غلزر وبيتر بايكر. وقبل نشرهما، كان الجنرال ميلي قلقاً جداً من احتمالية قيام ترامب بشن حرب على إيران بذريعة أن إيران تخرق الاتفاق النووي (الذي انسحبت منه الولايات المتحدة حسب قرار ترامب في أيار 2018). طرح أحد مستشاري الرئيس فكرة حرب وقائية ضد النووي الإيراني في بداية العام 2020. ما هو التوقيت المخطط له؟ في نهاية السنة إذا خسر ترامب في الانتخابات.

وطُرحت الفكرة أيضاً في لقاء آخر جرى بين القيادات العليا في النظام بدون الرئيس. وعندما سأل رئيس الأركان الأمريكي المشاركين عن سبب تصميمهم على مهاجمة إيران، أجاب نائب الرئيس، مايك بينس، بمفاهيم دينية: “لأن الإيرانيين أشرار”. وعندما خسر الرئيس الانتخابات في تشرين الثاني الماضي، استؤنفت النقاشات حول الهجوم. وحسب الكتاب، لا يعتقد ميلي أن ترامب أراد حرباً إقليمية شاملة، بل قدر أنه يريد شن هجوم بالصواريخ ضد إيران رداً على مسها بالمصالح الأمريكية.

وكان في الصورة لاعب آخر، هو رئيس الحكومة في حينه بنيامين نتنياهو. وكتب غلزر وبايكر أن نتنياهو توسل للإدارة الأمريكية من أجل مهاجمة إيران، منذ اللحظة التي كان واضحاً فيها أن الانتخابات حسمت في غير صالح ترامب. اقتبس ميلي وكأنه يحذر: إذا فعلتم ذلك فستندلع حرب مسلحة.

جرى النقاش الحاسم حول هذه القضية في 3 كانون الثاني الماضي، قبل ثلاثة أيام على اقتحام مؤيدي ترامب لتلة الكابتول. سأل ترامب مستشاره عن تقارير الوكالة الدولية للطاقة النووية حول خروقات إيران للاتفاق النووي. وأجابت الوكالة بأن الوقت أصبح متأخراً جداً لعملية عسكرية، في وقت قريب جداً من انتهاء ولاية الرئيس، بعد أسبوعين ونصف. تراجع ترامب، وبذلك انتهى الموضوع. عند الخروج، توسل الرئيس لرئيس الأركان بأنه يتوقع إجراء اعتصام لمؤيديه خلال الأسبوع. “هل أنتم مستعدون؟”، سأل.

ميلي، كما يظهر في الكتاب، أوقف ترامب أيضاً عندما طلب الأخير إرسال الجيش للتصادم مع المتظاهرين اليساريين والنشطاء السود كذريعة تمكن من إعلان حالة الطوارئ في أيار الماضي (حول المظاهرات بعد موت جورج فلويد)، وفعل ذلك في تشرين الثاني بهدف إفشال نقل السلطة. ولكن الأهم بالنسبة للإسرائيليين هو بالطبع دور نتنياهو في محاولة دفع ترامب للقيام بعملية أمريكية واسعة ضد المشروع النووي.

هذا النشر شرح بأثر رجعي القلق الذي ثار في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على الفور بعد الانتخابات الأمريكية، حول زيارات استثنائية للرئيس ترامب، الأولى زيارة إليوت أبرامز، الذي كان يتولى ملف إيران في الإدارة الأمريكية، وبعده زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو. ووصلت الأصداء الضئيلة لهذه الصحيفة أيضاً.

ما لم تتم الكتابة عنه في ذلك الحين هو الروح المسيحانية التي أحاطت بنتنياهو في ذلك الوقت، عندما أشرك بعض من تحدث معهم عن أمل قيام ترامب بالتهام الأوراق الإقليمية، في الواقع الدولي، إذا ما هاجم إيران.

أصبح عهد ترامب من الماضي، وربما عهد نتنياهو أيضاً. ولكن ما يتم الكشف عنه حول فترة الرئيس الأمريكي السابق يكشف عمق تأثير رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، نتنياهو، عليه. أخذ نتنياهو هذه الصداقة إلى أماكن خطيرة؛ ففي كانون الثاني 2020، تملكته نيته ضم المستوطنات في الضفة الغربية كجزء من “صفقة القرن” الفاشلة. وبعد ذلك، محاولة جعل الأمريكيين يهاجمون إيران، التي كانت ستنتهي على الأرجح بفوضى صاخبة لا تقل عن حرب العراق في 2003، وكانت آثارها الارتدادية ستصل إلى إسرائيل.

استراتيجية إيران، وأمريكا وإسرائيل

تقاطعت التقارير الصادرة من واشنطن مؤخراً مع عدة تقارير هنا في البلاد، الأمر الذي أثار احتمالية هجوم إسرائيلي على إيران. فوفق منشورات عبر وسائل الإعلام المحلية، ذُكرت توجيهات جديدة أعطيت للجيش الإسرائيلي لتحديث استعداده للهجوم وتحسين استعداده في الجبهة الداخلية، إلى جانب ثمن غير معقول بصورة واضحة – إضافة تقدر بـ 25 مليار شيكل. وحتى الآن يمكن التقدير بحذر أن الأهداف المذكورة في هذه التقارير، مثل زيادة الميزانية الضخمة والهجوم نفسه، لم تخرج إلى حيز التنفيذ.

في خلفية التقارير، ثمة مفاوضات تجري في فيينا بين إيران والدول العظمى حول عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. وبعد ست جولات من المحادثات، لم يتم التوصل بعد إلى أي تفاهم. تؤخّر إيران الإجابة، على الأقل حتى أداء الرئيس الجديد في إيران، إبراهيم رئيسي، لليمين بعد ثلاثة أسابيع. ولكن لا شك بأن إدارة بايدن تريد اتفاقاً جديداً. وفي المقابل، استغلت إيران انسحاب ترامب من الاتفاق النووي من أجل زيادة تخصيب اليورانيوم الذي يجعلها قريبة من الهدف النهائي، وهو إنتاج القنبلة.

إن توجيهات جهاز الأمن موجهة في الوقت نفسه إلى أربع أو خمس جهات مستهدفة: نتنياهو، ووريثه نفتالي بينيت، ووزارة المالية، والأمريكيين والإيرانيين. في الأسبوع الماضي هاجم نتنياهو رئيس الحكومة بذريعة أنه تنازل عن أمن إسرائيل لأنه لا يزعج الأمريكيين في التوقيع على اتفاق جديد. ورد بينيت على ذلك بعدة إشارات عن الإهمال الذي خلفه نتنياهو في مجالات حاسمة. والتسريبات استهدفت القول: ها نحن نقوم بإصلاح ما أفسدته الحكومة السابقة.

في الوقت نفسه ثمة رسالة لبينيت ولوزير المالية أفيغدور ليبرمان. فمنذ سنتين ونصف، يحاول رئيس الأركان افيف كوخافي، تحريك خطته الطموحة متعددة السنوات للجيش الإسرائيلي، خطة “تنوفاه”. والاستجابة المالية حتى الآن متدنية بسبب الحملات الانتخابية الكثيرة وأضرار كورونا. اضطر كوخافي إلى الاكتفاء بخطوات جزئية استندت أيضاً إلى تحويل موارد داخلية. الآن جاءت فرصة. إذا كان السياسيون يريدون التفاخر باحتمالية مهاجمة إيران فسنبيعهم رداً، سيوفر على الطريق أيضاً احتياجات عملياتية ملحة أخرى للجيش.

كما قلنا، هناك لاعبون أجانب. وتهديد نتنياهو بمهاجمة إيران في الأعوام 2009 – 2013 أقنع إدارة أوباما بفرض عقوبات اقتصادية على طهران، التي أدت إلى مرونة إيرانية والتوقيع على الاتفاق المؤقت في العام 2013 والتوقيع على الاتفاق النووي الكامل بعد سنتين تقريباً. إذا كانت إسرائيل الآن تهدد بتحسين قدرة سلاح الجو الهجومية، فإن هذه الرسالة موجهة أيضاً لأذن مصغية في طهران وواشنطن.

منذ أن تولى منصبه، قام بينيت بنوع من “السيمنار” الكثيف، الذي هدفه فحص دقيق لقضية إيران وبلورة سياسة إسرائيلية جديدة. يمكن الافتراض أن عدداً من الدروس سيتضمن تشديد الاستعداد في الجيش الإسرائيلي استعداداً لقيام إيران بمفاجأة العالم فتقرر الانطلاق نحو إنتاج القنبلة. الأشهر القريبة القادمة ستضع أمامه تحدياً استراتيجياً مهماً، وهو اتفاق جديد سيبقي إيران على بعد مسافة قصيرة نسبياً من إنتاج القنبلة. بالتأكيد، بينيت يقلق من مسألة ما كان سيفعله نتنياهو لو أنه كان مكانه، وكيف ينوي رئيس المعارضة إزعاجه عقب أي قرار سيتخذه.

هآرتس