الرئيس تبون.. مخاطر الخارج لا تحجب تهديدات الداخل
منذ انتخابه رئيسا للجمهورية في ديسمبر 2019 أبدى الرئيس عبدالمجيد تبون تذبذبا في التعاطي مع القضايا الخارجية والداخلية، ورغم مرور نحو عام ونصف العام على اعتلائه قصر المرادية لم يقدم محيطه أيّ حصيلة لبرنامجه الانتخابي وما عرف بـ“الالتزامات الـ 54”، التي تعهد بها أمام أنصاره والمتعاطفين معه خلال حملته الانتخابية.
وإذ وجد تبون في الجائحة الصحية العالمية مشجبا لتعليق تعثرات بداية المشوار الرئاسي، فإن الاضطراب والتفاوت في الاهتمام بالأولويات المطروحة في الساحة يظهر جليا إلى حد الآن.
وإن جرى التركيز منذ تنصيبه على وأد الحراك الشعبي وإنهاء الاحتجاجات السياسية المناهضة للسلطة، فإن الاهتمام في الغالب انصب على المحيط الإقليمي والتوترات الأمنية الإقليمية، بينما تبقى الجبهة الداخلية في حالة غليان مستمر.
وحاول طاقم الرئاسة والأذرع الإعلامية الموالية للسلطة، وحتى خلايا شبكات التواصل الاجتماعي، الاستثمار في أدنى فرص الجهود المبذولة في سبيل التكفل بالانشغالات اليومية الداخلية، وإيجاد مبرر للسقطات والأخطاء المسجلة من طرف السلطة الجديدة، غير أن الواقع المأزوم والتداعيات الثقيلة للأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا، غطت على كل شيء يمكن أن يحسب لصالح السلطة.
ويبقى الرئيس تبون، الرئيس الأسوأ حظا مقارنة بأسلافه، فقد تزامن قدومه مع أزمة اقتصادية خانقة، ومع وباء صحي غير مسبوق، فتقلص نشاطه الدبلوماسي، فمنذ تنصيبه لم يغادر البلاد إلا للمشاركة في مؤتمر برلين الأول حول الأزمة الليبية، وإلى أحد مشافي مدينة كولن الألمانية للعلاج من وعكة صحية اضطرّته للمكوث هناك أكثر من شهرين، وسط لغط كبير حول مصيره ومصير السلطة في البلاد.
وباستثناء بعض النشاط الدبلوماسي المحتشم واستقبال وحيد لنظيره التونسي قيس سعيد، فإن الرئيس الجزائري يبقى في بطالة قسرية، رغم مساعي طاقم قصر المرادية لملء الفراغ بخرجات للرئيس على مختلف وسائل الإعلام المحلية والأجنبية بشكل يعبّر عن مواقف الرجل وتصوراته، لكنّ معارضيه يرون بأنه أخفق في ردم الهوة بينه وبين الشارع ولو نسبيا، باتخاذ أيّ من القرارات والتدابير المطمئنة سواء كانت في الشأن السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
وفيما يجري تركيز الاهتمام السياسي والإعلامي لدى دوائر السلطة وعلى رأسهم تبون، على المخاطر الأمنية الإقليمية المهددة لاستقرار البلاد وسلامتها، خاصة في الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية، فإن الرجل يبقى منغمسا في خطاب “المؤامرة” منذ تعليق احتجاجات الصيف الماضي على جيوب النظام السابق، إلى غاية تصنيف حركتي رشاد واستقلال القبائل، كمنظمتين إرهابيتين يخضع أنصارهما والمتعاملون معهما والمروجون لهما لقانون مكافحة الإرهاب.
وقبل ذلك كانت السلطة التي يقودها قد أخفقت في تمرير قانون مثير للجدل، كان يستهدف تجريد جزائريين مهاجرين معارضين من جنسيتهم الجزائرية، لكنها كثفت من إصدار مذكرات التوقيف الدولية في حق عدد منهم، بغية تجفيف المنابع المغذية للحراك الشعبي المناوئ لها.
وإذ تحاول الدعاية الرئاسية الاستفادة مما تصفه بـ“مكاسب” السلطة الجديدة بقيادة الرئيس تبون، إلا أنها لا زالت في حرج كبير أمام منتقديها ومعارضيها، بسبب استمرار سلسلة الإخفاقات الداخلية، فالتعهدات التي التزم بها الرجل لا زالت متعثرة إلى حد الآن.
وحتى وعده منذ عام للإعلام المحلي بأنه لن تقطع شبكة الإنترنت مستقبلا حتى خلال امتحان البكالوريا، وتوظيف الحكومة لتكنولوجيات جديدة للحيلولة دون وقع أيّ غش وبقاء تدفق الشبكة، غير أن ما حدث مؤخرا كذّب الرئيس، وعاش الجزائريون أسبوعا دون إنترنت بعد قطعها من طرف الوصاية بسبب الامتحان المذكور، وتكبدت العديد من المؤسسات خسائر كبيرة.
ويقضي الجزائريون منذ 2019، على وقع أزمة مركبة ومتاعب حياتية منهكة، وبات الجزائري منهمكا في البحث عن كيس الحليب ثم الدقيق وبعده فقدان السيولة المالية والزيت الغذائي، ثم الكهرباء والآن الماء، وكل شيء في جزائر تبون، يوحي بأن الصيف سيكون ساخنا أكثر من اللزوم.
فالرجل الذي لا زال يحسب على العسكر، تسير الكثير من الأشياء ضده، بما فيها سلطة القرار والتصرف، وحتى الحكومة التي فرضت عليه في الغالب، لم تكن في مستوى تطلعات أنصار خطاب الجزائر الجديدة، فوزير التجارة الذي توعد بالقضاء على أزمة الحليب في مهلة أسبوع، لم يستطيع فعل شيء إلى لغاية الآن وهو يهم بمغادرة الوزارة بعد عام ونصف العام من الخدمة، وملف السيارات والمركبات المعطل منذ ما قبل 2019، يبقى على حاله رغم أن الوزارة الوصية قد مرّ عليها وزيران.
تبون تحمّل الكثير من وزر حكومتين متتاليتين وها هو بصدد تشكيل حكومة ثالثة، ورغم أنه يتحمل مسؤوليته السياسية والأخلاقية لأدائها، غير أنه اكتفى فقط في أحد تصريحاته بوصف حكومة عبدالعزيز جراد، بحكومة “فيها وعليها”، أي لها ما لها وعليها ما عليها، ولم يحدث أن وجه انتقادا أو انزعاجا يمتص به الغضب المتفاقم ليوظفه أنصار له في إطار “تبييض” صورة السلطة.
وإذ مر ثلث الولاية الرئاسية دون تحقيق أثر ملموس يجسد الخطاب المروّج له، فإن تبون يبقى رهين عزلة سياسية فرضتها عليه مقاطعة شعبية لثلاث استحقاقات انتخابية (الرئاسيات، تعديل الدستور والانتخابات التشريعية)، يحاول تجاهلها بمبدأ “المنصب الحلال”، وهو المصطلح الذي اخترعه رئيس سلطة تنظيم الانتخابات محمد شرفي، عندما سئل عن نسبة المشاركة في الانتخابات.
لكن ضبط عقارب معسكر السلطة، على أكبر حدث لشراء السلم الاجتماعي، يوحي بأن السلطة تراهن على كسر حاجز القطيعة بينها وبين قطاع مهم من الجزائريين، ويتعلق الأمر بتوزيع 100 ألف مسكن بمناسبة الذكرى التاسعة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني المصادف للخامس من يوليو.
لكن تراكم الأزمة وتعقيداتها وتداخل الأولويات بين السياسي والاقتصادي، يجعل رهان الرئيس تبون، لفرض “الكاريزما” الرئاسية على المحك، وتحييد البلاد عن انفجار اجتماعي في الأفق سيكون أكبر امتحان له وللحكومة التي يعكف على تشكيلها، كما يبقى الاشتغال على حلحلة الأزمة السياسية ذو أولوية، لأن القبضة الأمنية لا يمكن أن تكون أزلية.
العرب اللندنية
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews