على أراضي 3 قرى فلسطينية بنابلس.. هكذا تقيم إسرائيل مستوطنة في غضون شهر

في قلب منطقة تضم قرى فلسطينية جنوبي نابلس بنيت في الشهر الماضي بؤرة استيطانية جديدة – قديمة، وتوسعت بسرعة، تحت اسم “أفيطار”. ورغم الوقت القصير ضم المكان أكثر من أربعين مبنى، وذلك علناً بمبادرة حركة الاستيطان “نحالاه”، وتمويل ومساعدة لوجستية وبدعم من المجلس الإقليمي “شومرون”. بنيت البؤرة الاستيطانية على أراضي قرى فلسطينية هي: بيتا، وقبلان، ويتما، أي قريباً جداً من بساتين الأشجار والسلاسل الحجرية، كان على التلة في سنيّ الثمانينيات معسكر للجيش. في مظاهرات الاحتجاج التي نظمها سكان هذه القرى ضد البؤرة الاستيطانية، قتل في الشهر الماضي شابان من قرية بيتا بنار الجيش الإسرائيلي، وأصيب نحو 25 شخصاً.

دانييلا فايس، مديرة “نحالاه” التي وجه مستوطنو البؤرة الاستيطانية “هآرتس” إليها كمتحدثة باسمهم، قالت أمس إن مساحة البؤرة بضع عشرات من الدونمات حتى الآن، لكن لها إمكانية توسع تصل إلى 600 دونم. حسب قولها، يعيش في المكان حتى الآن 42 عائلة، وفي قائمة المعنيين بالانضمام للبؤرة هناك 75 عائلة أخرى. بنيت البؤرة الاستيطانية هذه على بعد 1.6 كم شرقي مفترق طرق زعترة. وفي صفحة الفيسبوك التي أنشأتها البؤرة كتب بأنها “تمنع خلق تواصل بين قرى قبلان ويتما وبيتا”. في المقابل، تخلق تواصلاً أرضياً بين مستوطنة “تفوح” غرب مفترق زعترة ومستوطنة “مغدليم” الموجودة على بعد 9 كم جنوب شرقي المفترق.

من الإدارة المدنية قيل للصحيفة بأن مباني “أفيطار” وضعت “بصورة غير قانونية بدون التراخيص اللازمة”، أي بدون قرار من مجلس التخطيط الأعلى في الإدارة المدنية وبدون مخطط هيكلي منظم. من هنا، لم يتم إعطاء فرصة للجمهور لتقديم اعتراضات. وجاء عن الإدارة المدنية أيضاً بأن “إنفاذ القانون سيتم في المكان طبقاً للصلاحيات والإجراءات، وكذلك طبقاً للاعتبارات العملياتية”.

حسب فحص أجرته “هآرتس”، فإن صيغة الرد هذه تعطى عندما تتدخل شخصيات عسكرية وسياسية بهدف منع الإخلاء، مثلما يدل على ذلك بؤر استيطانية زراعية غير قانونية وغير مرخصة في شمال غور الأردن، والتي تتوسع في السنوات الثلاث – الأربع الأخيرة رغم أوامر الهدم ضدها.

دانييلا فايس أكدت أنه تم تسليم أوامر هدم في البؤرة الاستيطانية “أفيطار”، “ليس لجميع المباني، لأن هناك مبان جديدة تبنى يومياً”. أي أن موظفي الإدارة المدنية لا يمكنهم متابعة وتيرة البناء. أحد سكان مستوطنة “كريات أربع”، الذي انتقل للسكن في “أفيطار” قال: “أبناء إسرائيل خرجوا من مصر على عجل وأفيطار بنيت على عجل”. وقال سكان قريتي قبلان وبيتا إنهم يسمعون المعدات الثقيلة تعمل ليل نهار. لم ترد الإدارة المدنية على سؤال “هآرتس” عن وضع الأراضي. حسب أقوال فايس، الحديث يدور عن أراض قيد المسح (أي أنها في عملية الإعلان عنها كـ”أراضي دولة”)، داخل أراضي الولاية الجغرافية للمجلس الإقليمي “شومرون”. ولكن عندما بنيت القاعدة العسكرية في المكان تم إصدار أمر وضع اليد (على أراض خاصة) لاحتياجات عسكرية. سكان القرى يذكرون آباءهم وأجدادهم وهم يفلحون الأرض في هذه المنطقة، ويقولون إنهم منذ إخلاء القاعدة العسكرية في التسعينيات لم يستطيعوا البناء في المكان لأن الأمر يتعلق بمنطقة “ج”، التي لا تسمح فيها إسرائيل للفلسطينيين بالبناء حتى في أراضيهم الخاصة.

سميت البؤرة الاستيطانية على اسم أفيطار بوروفسكي، أحد سكان مستوطنة “يتسهار” الذي قتل في أيار 2013. بعد قتله تم القيام بثلاث محاولات لبناء بؤرة استيطانية في المكان، في العام 2013 و2016 و2018. ولكن تم إخلاء الكرفانات بعد فترة قصيرة على وضعها. هذه المرة وضعت في المكان كرفانات وخيام، بعد بضع ساعات على عملية إطلاق النار على الطلاب الثلاثة من المدرسة الدينية في “ايتمار” في 2 أيار الماضي. عندما تم الإبلاغ عن موت أحد طلاب المدرسة، يهودا غويتا، تقرر تسمية المدرسة على اسمه.

سألت “هآرتس”: لماذا لم تقم السلطات بإخلاء المباني هذه المرة؟ أجابت فايس إن الأمر يتعلق بالدمج بين الجرأة وقرار واع للعمل بصورة مختلفة. “إذا خاطرت وأظهرت جرأة فإنك تزيد الاحتمالات. لقد قررنا بأنه انقضى عهد الكوخ في الجبل الصخري، بل كتلة، مباشرة بناء حجري، مباشرة جرافات وبصورة كثيفة”. وقالت فايس أيضاً إنه وفور العملية في 2 أيار، كانت قوات الجيش منشغلة بالبحث عن مطلق النار، لذلك وجدت الفرصة. “هذا لا يعني أن هناك شخصاً معيناً أعطانا حرية الحركة، بل نشأ وضع وبدأت العائلات في القدوم. وبعد ذلك، اندلعت الحرب” (أي، عامل آخر أشغل القوات العسكرية). لم تكن فايس تعلم عن النبأ في صحيفة “معاريف” في 11 كانون الثاني 2021 والذي اعطى نتنياهو –بحسبه- توجيهاته كي يقوم مجلس التخطيط الأعلى بالمصادقة على تنفيذ بناء 400 وحدة سكنية أخرى في مستوطنات “بيت إيل” و”أفيطار” و”شفيه شومرون” وفي مستوطنات أخرى. جزء من مباني البؤرة الاستيطانية هو كرفانات تبدو قديمة، تم إحضارها في الأيام الأولى، وأخرى تم تركيبها في المكان من أدوات مرتجلة (مثل جدران ونوافذ وخزائن وغيرها)، إضافة إلى ذلك، تم بناء عدة مبان من الإسمنت. هذا الأسبوع، تم البدء بشق وتعبيد الشوارع الداخلية. والثلاثاء، كان الكراج ما يزال في مساحة ترابية. والخميس، تمت تغطيته بالإسفلت. أكوام من الألواح الجاهزة مرمية على الأرض، تنتظر التركيب. خارج المدرسة والبقالة الصغيرة التي يمكن أن تتحول إلى سوبرماركت، أصبحت هناك روضة أطفال فيها ملعب صغير وأرض مفروشة بالعشب الأخضر الصناعي. والثلاثاء، شوهد في المكان الكثير من الأطفال وعشر نساء و20 – 30 شاباً، معظمهم مسلحون ببنادق أو مسدسات. ولكن حسب أقوال فايس: “ليس جميعهم، يا ليت كان هناك المزيد من المسلحين”. لا يوجد حول الموقع سور. وأكدت فايس أن ذلك يتناسب مع فلسفتها من عشرات السنين، والتي طبقتها في مستوطنتي “شيلا” و”كدوميم”، والتي تقول إن بناء السور يدل على الخوف والضعف. حتى جنود لم يُروا في موقع البؤرة. وقالت فايس إنهم في بيتا. وحسب ما نشر في موقع “الصوت اليهودي” فإن “وحدة الكلاب الإسرائيلية”، منظمة خاصة قاعدتها في مستوطنة “تفوح”، خصصت للمكان كلاب حماية ومربين للكلاب مع وسائل حماية تكنولوجية.

حسب أقوال فايس، 90 في المئة من العمل يتم تنفيذه بالتطوع، وإذا كان هناك أجر فمنخفض. “نحالاه” هي المسؤولة عن إحضار المعدات الثقيلة (جرافات وخلاطات إسمنت وغيرها). في الأيام الأولى لاحظ سكان القرى الفلسطينية بأن جنوداً بالزي الرسمي يساعدون في عملية البناء. قالت فايس إن هؤلاء جنود “شاهدوا وتأثروا من عملية بناء البلاد، الجنود أحياناً يكونون في حالة ملل ويكونون فرحين إذا كانت هناك إثارة. ولكن لا حاجة إلى ذلك. لأن هناك الكثير من الشباب الذين ينضمون إلى العمل”. في عملية تمويل جماعية بقيادة تسفي سوكوت، مساعد رئيس مجلس السامرة وعضو في حزب “القوة اليهودية” والمتحدث باسم مستوطنة يتسهار، تم جمع تبرعات بمبلغ مليون و200 ألف شيكل حتى الآن.

نواة المستوطنين الذين تم تسجيلهم لـ”أفيطار” هي واحدة من سبع أنوية نظمتها حركة “نحالاه”. قالت فايس إن عائلات لها 8 – 9 أولاد (وتم تخصيص البيوت الحجرية لها، الأكبر من الكرفانات) تنتقل إلى البؤرة، عائلتان من “بيتح تكفا” والأخرى من مستوطنات الضفة الغربية.

حج إلى المكان ويحج الكثير من المؤيدين، من بينهم حاخام صفد، شموئيل الياهو، وحاخام السامرة، اليكيم لفنون، وحاخام تفوح، شمعون روزنتسفايغ، وأعضاء الكنيست ميكي زوهر (الليكود) وعميحاي شكلي (يمينا) وأعضاء حركة “بني عكيفا”. في نهاية الأسبوع هناك مخطط لإقامة استضافة جماعية لمئات المؤيدين. سكان القرى الفلسطينية دعوا لإجراء مظاهرة جماهيرية ضد البؤرة. عضو الكنيست موسي راز توجه لوزير الدفاع بني غانتس في اليوم الذي تم الإعلان فيه عن إقامة البؤرة وطلب الإخلاء الفوري منعاً للتصعيد. أمس، سافر إلى قرية يتما من اجل “طلب إذن من أصحاب الأراضي القانونيين للذهاب لرؤية ما يحدث في أراضيهم وتقديم العزاء لهم”. وقال للصحيفة إن رسالته لغانتس، التي حذرت من الجريمة، “حصلت على تجاهل مطلق ولم يرد عليها حتى الآن. المستوطنات جريمة حرب من المحظور غض النظر عنها”.

هآرتس