التلاعب بمصالح المغرب مغامرة برلين غير المحسوبة

ربما غطت الأزمة المستفحلة بين الرباط ومدريد على إشكال سياسي ودبلوماسي آخر مع ألمانيا البلد الأوروبي الثاني الذي أراد تجاوز سيادة المغرب وفرض الوصاية عليه بضرب مصالحه وتهديد استقلالية قراره.

الواضح أن برلين أرادت فرد أجنحتها على منطقة البحر الأبيض المتوسط بالتدخل في شؤون المنطقة بطريقة تعيد إلى الأذهان مرحلة الاستعمار التي تم خلالها تقسيم المنطقة وثرواتها المادية والبشرية بين الدول الأوروبية، فعارضت قرار واشنطن الذي أقر بسيادة المغرب على صحرائه، وعملت على تنحية الرباط من محادثات برلين بين الفرقاء الليبيين خلال المؤتمر الذي نظمته في يناير 2020، واستقطبت محمد حاجب صوت الإرهاب ليكون منصة قصف ضد المغرب.

إلى جانب كل هذا، لعبت ألمانيا ورقة حقوق الإنسان والتمويل للضغط على أصحاب القرار السياسي والاقتصادي والدبلوماسي بالرباط ما زاد من تسميم العلاقات بين البلدين، فكان الرد استدعاء سفيرة المملكة في برلين للتشاور.

وارتباطا بماضي ألمانيا الاستعماري وارتكابها إبادات ضد الشعوب التي استعمرتها كناميبيا وبالضبط في حق شعبي هيريرو وناما، نتساءل كيف يمكنها التكفير على هذه الجرائم ضد الإنسانية وحق الجماعات البشرية في الحياة بمساعدات تنموية من الطبيعي أن تكون مشروطة، وفي نفس الوقت تترافع ضد مصالح المغرب داخل وخارج أوروبا. أليس هذا هو النفاق الذي تمارسه برلين من أجل تمكين مؤسساتها المالية والحقوقية من أسباب الاختراق والسيطرة.

الأمر يزداد قتامة ولا يتبين ضوء ولو شارد لعودة العلاقات بين برلين والرباط إلى ما كانت عليه سابقا وتحسينها ومعالجة المطبات التي وقعت فيها الحكومة الاتحادية. ففي الوقت الذي يطلب فيه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الصفح من ناميبيا ومن أحفاد الضحايا عن “الفظائع” التي ارتكبت بحقهم، يتدخل زميله وزير الشؤون الأوروبية في الخارجية الألمانية مايكل روث في شأن داخلي للمغرب ويتضامن بشكل فج مع مدريد معتبرا التدفق البشري الذي عرفته سبتة قبل أسابيع “ابتزازا من طرف المغرب”.

لقد تفاقم هذا التوتر عندما رفع البرلمان الألماني في ولاية بريمن علم الجبهة الانفصالية البوليساريو وفي بداية مارس الماضي قام المغرب بتعليق كل أشكال التواصل مع سفارة ألمانيا في المغرب، بسبب تباينات عميقة مع برلين في ملفات عدة، يغذّيها موقفها المتحيز والمؤيد للانفصاليين مع سوء تفاهم عميق حول ما يخص قضايا أساسية للمملكة المغربية.

وأراد وزير الشؤون الأوروبية في الخارجية الألمانية مايكل روث أن يضرب على الوتر الحساس عندما تحدث قائلا إن الاتحاد الأوروبي “يساعد دولا مثل المغرب من أجل توفير أفاق للشباب وخلق فرص العمل”، وكأن هذه البلدان تقدم صدقات وهبات دون مقابل سياسي وتسهيلات لشركاتها للاستثمار في مجالات ومناطق مربحة من المغرب، متناسيا أن جميع مؤسسات الاتحاد وغيره لا تقوم بأيّ خطوة في هذا الاتجاه إلا إذا ضمنت استرجاع أموالها بطرق أكثر ربحا.

تصريحات الوزير الألماني مايكل روث، الجمعة 28 مايو، بشأن المغرب ومدينة سبتة المحتلة، تدخل في الإطار العام للسياسة المعادية لمصالح الرباط ومواقفها، وقد أراد الولوج من بوابة الهجرة عندما اعتبر أن “اتفاقية أوروبية بشأن الهجرة واللجوء هي مسألة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى”، خصوصا أن بلاده لم تهضم إلى حد الساعة رفض المغرب اقتراحًا بإنشاء مراكز للمهاجرين تابعة للاتحاد الأوروبي، وستزيد هذه المواقف العدائية في الفجوة الدبلوماسية والجفاء السياسي بين البلدين.

الأنشطة الاستخباراتية لعبة برلين التي تمارسها في أفريقيا وداخل أروقة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، والتي تغذي كل المحاولات العدائية التي تقوم بها ألمانيا لتقويض دور المغرب في المنطقة ومناوأة مصالحه، والاستئثار بدور كبير في ملفات شمال أفريقيا. ومن بين أدواتها استبدال المقعد الفرنسي الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بمقعد “الاتحاد الأوروبي”، ما يعني تهميش فرنسا المؤيد القوي داخل مجلس الأمن لقضية الصحراء المغربية.

واستعملت برلين المنصات الإعلامية لمهاجمة المغرب وبالطبع كان الملف الحقوقي حاضرا بادعاءات بعيدة عن الواقعية والموضوعية تتعلق بحقوق الإنسان بالمغرب، متجاهلة الخطوات التي قامت بها الدولة لتحسين هذا الجانب بإصلاحات جوهرية ومستمرة.

إلى جانب الأدوار الكبيرة التي يقوم بها المغرب في مجال الهجرة غير النظامية، لا بد من التذكير هنا أن المخابرات المغربية ساعدت نظيرتها في ألمانيا قبل ثلاث سنوات على إحباط عمليات إرهابية خطيرة كانت تستهدف مطار شتوتغارت بفضل المعلومات الدقيقة التي وفّرها الجانب المغربي.

لكن ردّ الألمان كان باحتضان محمد حاجب الذي كان متابعا بقضايا إرهابية والذي كان ناشطا في صفوف السلفية الجهادية، وقضى سبع سنوات في السجون المغربية، ليتم الإفراج عنه في فبراير 2017، وهو الذي طردته ألمانيا نفسها في العام 2010 لاعتناقه أفكارا متطرفة، وها هي اليوم تحتضنه كيدا في المغرب وتقدّمه كمعتقل سياسي سابق وليس مدانا بقضايا تمس أمن الدولة.

العلاقة ملتبسة بين أجهزة ألمانيا كدولة أوروبية اكتوت بنار الإرهاب ومحمد حاجب المتابع في قضايا إرهابية، ولتوضيح الأمر، قالت وزارة الخارجية المغربية إن السلطات الألمانية عملت بتواطؤ مع مدان سابق بارتكاب أعمال إرهابية، ولاسيما من خلال الكشف عن معلومات حساسة قدمتها أجهزة الأمن المغربية إلى نظيرتها الألمانية. ونرى أنها مناورة من طرف الأجهزة الأمنية الألمانية للإبقاء على عنصر تشويش ضد المغرب.

فبعد عودة محمد حاجب الحامل للجنسية المزدوجة ألمانية – مغربية إلى ألمانيا التقطته أجهزة المخابرات الألمانية وعملت على إعداده ليكون سلاحا ضد المغرب بهجومه على المملكة ومؤسساتها، وفبركة مواضيع وادعاءات ليست لها علاقة بالواقع، ولأجل توقيف هذا الرجل تم إصدار مذكرة دولية بإلقاء القبض عليه، وقد وصفت أجهزة الأمن المغربية حاجب بأنه عميل أجنبي، كما فنّد كل الذين سجنوا معه ادعاءاته بتعرضه للتعذيب.

فهل ستستمر برلين بمعاكسة هذه الوقائع ونسف علاقاتها ومصالحها الاقتصادية والتجارية، وأيضا الاتفاقات في مجال الدفاع والأمن والتعاون الاستخباري مع المغرب، وإطلاق العنان لإرهابي بالتطاول على مؤسسات المغرب والتشهير بشخصياته المسؤولة، وهل يمكنها قبول مثل هذا التحريض ضد مؤسساتها ومصالحها؟

العرب اللندنية