في ظل حكم الحاخام والمستوطن.. هكذا تصاب إسرائيل بمرض “متلازمة الدول المجاورة”
ولد مفهوم “حكم ذاتي” من خلال النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. يصعب تذكر أنهم تحدثوا في وقت من الأوقات عن حكم ذاتي فلسطيني وعن إدارة مستقلة وعن “تسوية جغرافية” مقابل “تسوية وظائفية”. كل هذه استخدمت كغطاء لهدف واحد، وهو دولة فلسطينية مستقلة لن تقوم. في الحقيقة، لم تقم دولة فلسطينية حتى الآن، ولكن خطة الحكم الذاتي ما زالت على قيد الحياة، إلى أن يم تطبيقها بصورة كاملة، ليس لدى الفلسطينيين، بل لدينا. لا يوجد هنا حكم ذاتي واحد، بل عنقود من الأحكام الذاتية التي ترتبط بشعارات هشة وتشكل ما يسمى “دولة إسرائيل”.
بعد كارثة ميرون تحول هذا المفهوم إلى مصطلح دارج يعرف المنطقة بجبل تسيطر عليه الحاخامات اليهودية، الذي ليس للدولة موطئ قدم فيه، هو جيب مستقل ينقصه علم ونشيد. ولكن مثلما قلنا، موقع ميرون غير وحيد، بل هو جزء من شبكة جيوب للحكم الذاتي، الآخذة في أن تشبه شبكة الجيوب الفلسطينية التي أوجدتها إسرائيل في الضفة لمنع إقامة دولة فلسطينية موحدة. يمكن رؤيتها بكامل جلالها في الأحياء الدينية في القدس، وفي جنوب البلاد في مناطق تسيطر عليها عصابات من البدو، وفي قرى عربية تنازلت الحكومة عن سيطرتها عليها ونقلتها إلى المقاولين من الباطن، الذين يحملون السلاح، وبالطبع في مستوطنات تحولت منذ زمن إلى دولة مستقلة، وهذه أوجدت في داخلها جيوباً ثانوية، لا يتجرأون المستوطنون أنفسهم على اختراقها.
الصورة الظاهرة التي تحكم فيها الحكومة جميع أراضيها السيادية والأراضي التي تخضع لسيطرتها بالكامل، تجعل المرء يعتقد أن هذه الأحكام الذاتية ليست سوى مجموعات من المشاغبين، مثل صاحب كشك فتح عمله على شاطئ البحر بدون ترخيص. الحقيقة مروعة أكثر بكثير. إسرائيل في طريقها لتصبح مثل لبنان وسوريا والعراق، التي تحولت فيها منظمات وديانات وأقليات عرقية وعصابات إلى حكام بالفعل، أما المنطقة الجغرافية المادية والقانونية التي تقع تحت سيطرة الدولة فلا تغطي سوى أجزاء مختارة منها.
قيل عن نظام بشار الأسد بأنه نجح في إعادة أكثر من 80 في المئة من الدولة إلى سيطرته. وتسيطر على الباقي مليشيات المتمردين، والأكراد وعصابات محلية. ومن المشكوك فيه أن حكومة إسرائيل يمكنها القول بأنها تسيطر على نسبة كهذه من أراضيها. كل واحد من الأحكام الذاتية له جهاز حكم مستقل يأخذ الأموال من خزينة الدولة، ومسموح له أن يفعل بها ما يشاء، ويمكنه أيضاً أن يقر قوانين ويضع لوائح خاصة به. إسرائيل ليست فيدرالية، رغم أن ممثلين من معظم مناطق الحكم الذاتي، كما في العراق أو في الولايات المتحدة، يجلسون في حكومتها وفي الكنيست. الحكومة في النظام الفيدرالي هي التي تقرر السياسة الخارجية وميزانية الدولة ودستور الدولة، بينما تتراجع في إسرائيل قوانين الأساس وتنسحب إزاء أخطاء حكام مناطق الحكم الذاتي.
حتى السياسة الخارجية، التي يكمن في مركزها النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، فترتبط بموافقة المستوطنين. ميزانية الدولة بحاجة إلى توقيع الحاخامات، والمليشيات المسلحة ترسم حدود الأمن الشخصي للمواطنين. مواطنو إسرائيل العرب لا يمكنهم الاعتماد على الشرطة كي تدافع عنهم من العصابات التي في مدنهم. البدو في النقب يعرفون أن ليس هناك من يتوجهون إليه حين يقوم الزعران بالسيطرة على الشوارع ويطلقون النار في كل اتجاه. المزارعون الفلسطينيون يرافقون وبذعر المتطوعين اليهود للدفاع عنهم من عصابات المستوطنين؛ لأن جيش دولة الأحكام الذاتية قد ينظر إليهم في أفضل الحالات، وفي الوضع العادي ينضم إلى المستوطنين.
إسرائيل مثل الضفة، مقسمة إلى مناطق “أ” و”ب” و”ج”. مناطق تحت سيطرة كاملة للدولة، ومناطق تسيطر فيها (ربما) فقط على الأمن دون الإدارة المدنية، ومناطق تغيب عنها الدولة. المواطن الإسرائيلي الذي يبحث لنفسه عن شقة لا يكتفي بفحص مدى ملاءمة الشقة لعائلته، بل عليه أيضاً أن يفحص من الذي يسيطر على مجالات الحكم الذاتي الموجودة فيها، وما هو جيد لفلسطين وسوريا جيد لإسرائيل أيضاً.
هآرتس
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews