كارثة قناة السويس تستدعي النظر في مناطق الاختناق البحرية والحد من التوترات الجيوسياسية
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعده إيشان ثارور تساءل فيه عن الدروس التي يمكن تعلمها من أزمة سفينة الحاويات العملاقة إيفرغيفن التي علقت في قناة السويس مدة أسبوع.
وقال إنه بعد تغير المد استطاعت زوارق السحب والحفارات تغيير وضع السفينة وتحريكها نحو البحيرات المرة حيث يمكن فحص السفينة بدون وقف حركة الملاحة في القناة. وكان جنوح السفينة قد أدى لحالة اختناق في الممر الذي تمر عبره نسبة 10% من الملاحة البحرية كل عام.
ومع أن الحادثة كانت مصدرا لا ينضب للميمات والمرح وكلفت 9.6 مليار دولار بسبب التأخير اليومي، إلا أنها كانت تذكيرا للمدى الذي تعتمد فيه التجارة الدولية على البحر، حيث تشكل نسبة 70% من التجارة الدولية. ورغم تحرير السفينة وفتح القناة أمام السفن العالقة فإن تخفيف الازدحام قد يحتاج إلى أسبوع آخر. وسيعرف تأثير تأخر الناقلات والسفن وهي بالمئات على الأسواق بعد أشهر.
ومع أن الرئيس عبد الفتاح السيسي اعتبر تحرير السفينة نجاحا وطنيا لبلده، ووصف “الجهود بأنها انتصار وطني وأكد للعالم أنه يستطيع الثقة بمصر وإدارتها لنسبة 13% من التجارة العالمية التي تمر عبر القناة”، لكن السفينة نفسها هي ملحمة درامية وأمم متحدة عائمة، فهي مملوكة من شركة يابانية وتديرها شركة حاويات في تايوان وتديرها شركة ألمانية ويعمل على متنها طاقم هندي.
وكانت السفينة محملة بالبضائع من آسيا إلى أوروبا، وتحديدا ميناء روتردام الهولندي. وتم تحريرها من قبل تحالف دولي ضم شركة إنقاذ هولندية وزوارق سحب محلية.
وكشفت قصة السفينة عن هشاشة التجارة العالمية. ونظر لافتتاح قناة السويس قبل قرن ونصف على أنه بداية للملاحة البحرية السريعة والتي تزايدت في العقود الماضية.
وفي الوقت نفسه زادت قدرة سفن الحاويات بنسبة 1.500% مما زاد من قدرة استيعابها للبضائع الاستهلاكية وتخفيض أسعارها حول العالم، كما كتب بيتر غودمان في صحيفة “نيويورك تايمز”.
لكن زيادة الحجم والقدرة تسببت باختناقات في المعابر البحرية المهمة، مثل قناة السويس. وقال كابتن يعمل في سلطة قناة السويس إن السفن أصبحت أكبر مما كانت عليه في الماضي، مضيفا أن قيادة سفينة مثل إيفرغيفن أصبح متعبا و”هذا أمر جديد لم نر مثله في السابق”. وعليه فنقاط الضعف والعالم المترابط الذي باتت فيه سلعة تنتج وتنقل عبر سلاسل التوريد ومن قارة لقارة أصبحت مظهرا للتجارة العالمية. ولم يكن توقف إيفرغيفن في وقت مناسب لأنه جاء في أعقاب تعطيل تسبب به انتشار فيروس كورونا والذي أدى لزيادة أسعار الشحن ونقص المعدات والبضائع وقلة الأماكن المتوفرة للنقل على السفن.
وسيظل أثر إغلاق القناة مدة أسبوع حاضرا لمدة شهور ويظهر من الازدحام في الموانئ ونقص المعدات والسفن. وقال سالفاتور ميركوغليانو، الذي عمل في البحرية التجارية “ستتأثر حتى السفن التي لا تمر عبر قناة السويس، ذلك أن المصانع تنتظر وصول قطع الغيار الرئيسية قبل مواصلة عملية الإنتاج وإرسال المواد لأماكن أخرى” مضيفا أن “أسعار البترول والغاز سترتفع”.
وأحيى الحادث الحديث حول ضرورة البحث عن طرق بديلة، من الطريق القديمة ولكن الأطول عبر الطرف الجنوبي لأفريقيا إلى الطريق الشمالي عبر القطب المتجمد الذي يفتح فيه ذوبان الجليد طرقا جديدة.
وقال نيقولاي كورسونوف، المبعوث للتعاون الدولي بشأن القطب الشمالي، إن “الحادث في قناة السويس يجب أن يجعل الجميع يفكرون بتنويع الطرق البحرية وسط توسع مجال الملاحة البحرية”.
ويرى ثارور أن إغلاق قناة السويس كان تذكيرا بأهمية عدد من مناطق الاختناق البحرية للتجارة العالمية وحسابات القوى الإقليمية، فأزمة في السويس أو قناة بنما أو مضيق هرمز أو مضيق ملقا قد تخلق مواجهة بين القوى البحرية المتنافسة. ورأى البعض في مهزلة إيفرغيفن أزمات قادمة.
فالصين تعتمد على النفط والحديد الخام وبنت سياستها الخارجية، بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق، من أجل تأمين شبكتها التجارية الواسعة. وفي مقال لديفيد فيكلينغ وأنجاني تريفيدي نشره موقع “بلومبيرغ” قالا “على خلاف الولايات المتحدة والتي تعتبر مصدرا للنفط الخام هذه الأيام، تستورد الصين ثلاثة أرباع نفطها الذي تستهلكه، وكذا حوالي أربعة أخماس من الحديد الخام والذي تستخدمه لتغذية النشاطات الواسعة للبنية التحتية، ولا داعي لذكر البضائع التي تصدرها من أجل الحصول على العملة الصعبة لدفع ثمن هذه البضائع”.
وقالا إن هذا يجعلها عرضة لمخاطر من الإغلاقات للمعابر البحرية. فجغرافية شرق آسيا تعني أن مضيقي ملقا وسنغافورة بالإضافة إلى شبه المضيق الذي يمتد عبر منطقة قابلة للمرور في بحر جنوب الصين وتلك التي تفصل تايوان عن الفلبين وجزائر أوكيناوا اليابانية يجعل من الصين عرضة للمشاكل حالة النزاع.
وبعبارات أخرى فستصبح نقاط الاختناق مثل قناة السويس محلا للتوترات الجيوسياسية والنزاع. وكل هذا يستدعي كما قال جيمس ستافريديز، الأدميرال المتقاعد والقائد الأعلى السابق لقوات الناتو، من الدول العالمية البحث عن طرق لإدارتها. وقال “في كل هذه الأماكن يجب أن نركز على بناء سلطة دولية لإدارتها مع الاعتراف بميزتها الدولية، والقيام بفحوص دورية ومناورات من أجل التصدي لكوارث كالتي حدثت في قناة السويس، وتخصيص مالية دولية للتأكد من استمرار عملها في وقت الأزمة وبناء نظام دولي لفحصها بشكل دائم.
واشنطن بوست
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews