إدارة ترامب اصطدمت مع الصين ولم تحقق أهدافها وبايدن يكرر نفس الخطأ
قال المحلل زاكاري كرابل بمقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” إن مدخل الرئيس السابق دونالد ترامب من الصين كان مخطئا، وجاء الدور على جوزيف بايدن الذي يبدو وكأنه تبنى الكثير من ملامح سياسة الرئيس السابق. وأشار إلى أن الخط الصدامي مع الصين قد يجد دعما شعبيا في داخل البلاد لكنه لن يؤدي إلى تأمين الولايات المتحدة وازدهارها.
وقال كرابل إن الكثير من أخطاء إدارة ترامب في السياسة الخارجية كان في المجال مع الصين. فبعد مفاوضات متفرقة حول التجارة وحقوق الملكية الفردية اتخذ ترامب خطوات تصعيدية وزاد التعرفة الجمركية على المستورد من الصين وهي التي دفعتها الشركات الأمريكية. وأدى هذا لخطوات انتقامية من الصين التي أجبرت الحكومة الأمريكية على دفع مليارات الدولارات للمزارعين الأمريكيين الذين تضرروا من تراجع الإستيراد الصيني لمنتجاتهم الزراعية.
ولم تؤد تصريحات ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو حول تجاوزات حقوق الإنسان في الصين إلى أثر نظرا لعدم قدرة الإدارة على بناء دعم دولي لسياساتها، كما أن تهديداته بدت عبثية عندما قرر الخروج من الشراكة العابرة للمحيط الهادي.
وحتى لو وافقنا أن على الولايات المتحدة التصدي للصين في بعض القضايا، إلا أن نهج ترامب لم يؤد إلا إلى زيادة العداء وتخفيض الإستثمارات والمشتريات الصينية من أمريكا. ولم تغير المواجهة من معايير العلاقات بين البلدين مثقال ذرة. وظل العجز في التجارة بأرقام فلكية وبقيت المصانع في الخارج واستمرت الصين في انتهاكاتها لحقوق الإنسان وزاد تأثيرها العالمي.
ويبدو أن الرئيس بايدن قد تبني عددا من ملامح استراتيجية ترامب، وعددا من فرضيات الرئيس السابقة بشأن العلاقة بين البلدين. وأهمها أن الصين والولايات المتحدة عدوان أبديان. مع أن هناك الكثير من مجالات التعاون المشترك والمصالح المتبادلة بينهما.
ولم تكن هذه الأفكار صحيحة في ظل ترامب وستظل كذلك في عهد بايدن. وكان اللقاء المتوتر بين مسؤولي الخارجية البارزين في الولايات المتحدة والصين بمدينة أنكوريج، ولاية ألاسكا جيدا للتغطيات الصحافية حيث تراوحت الأخبار من “المحادثات المتشددة بين الأمريكيين والصينين تعلم بداية صعبة للعلاقات في ظل بايدن” و”اللقاء المر في ألاسكا يعقد العلاقات المهتزة بين الولايات المتحدة والصين”. وكانت اللقاءات المرتجلة بين وزير الخارجية أنتوني بلينكن ونظيره الصيني يانغ جيتشي واضحة. وقال بلينكن إن تصرفات الصين على عدة جبهات من معاملتها للمسلمين الإيغور وسياساتها في هونغ كونغ “تهدد النظام القائم على القواعد التي تحفظ الإستقرار العالمي”. ورد يانغ متهما الحكومة الأمريكية بانتهاك ما يطلق عليهم مفهوم الامن القومي وتعويق التبادل التجاري العادي وتحريض بعض الدول على مهاجمة الصين. وقال إن نقد الولايات المتحدة للصين تنبعث منه رائحة النفاق في ضوء العنصرية ضد السود والآسيويين الأمريكيين.
وفيما تبقى من محادثات فقد أعادت إدارة بايدن تأكيد موقف وسياسات ترامب العدائية ومعاملة الصين كعدو رئيسي. وكانت المواقف العدائية واضحة ولم يذكر أي شيء عن الجولة الثانية من اتفاقيات التجارة أو رفع التعرفة الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة. وفي الحقيقة فقد سبق اللقاء وتبعه فرض عقوبات على مسؤولين بتهم انتهاك حقوق الإنسان في هونغ كونغ وإقليم تشنجيانغ.
وحتى نكون منصفين مع فريق بايدن، فالموقف الصدامي يحظى بدعم واسع من الرأي العام. ففكرة أن الصين هي عدو بشكل متزايد تهدد على المدى البعيد موقف أمريكا وبشكل محتمل النظام العالمي، منتشرة وواسعة.
وفي استطلاع أجراه معهد غالوب قبل فترة كشف أن نصف المواطنين الأمريكيين ينظرون إلى الصين كأكبر عدو لبلدهم، وهذه ضعف النسبة قبل عام. وأكثر من هذا رأت نسبة الثلثين أن الصين هي تهديد اقتصادي على الولايات المتحدة ورفاه الأمريكيين.
ومع أنه من الصعب الحصول على بيانات جيدة من الصين إلا أن المنشورات على منصات التواصل الإجتماعي وطرق أخرى لقياس توجهات الرأي العام إلا أن من العدل القول إن الصينين لديهم مواقف معادية من أمريكا.
ومع ذلك فلا يمكن تحديد السياسة بناء على مواقف الرأي العام، فهو متغير من قضايا السياسة الخارجية، ويعتمد على كيفية تأطير المسؤولين والإعلام لها.
وفي 1959 اعتقد معظم الأمريكيين أن هناك فجوة في التفوق الصاروخي مع الاتحاد السوفييتي السابق لأن هذا ما كانوا يسمعونه كل يوم. ولم تكن هناك فجوة لأن موقف الرأي العام مشتق من الرسائل التي يسمعها والعكس صحيح.
واليوم فالحس أن الصين تمثل تهديدا هو عميق ولكنه غير مكتمل. وفي ذروة الحرب الباردة، كان هناك حس مشروع للخوف، رغم المبالغة فيه، عن شل العالم الشيوعي للولايات المتحدة اقتصاديا.
واليوم، فإن الخوف الموازي من صعود قوة ذات أيديولوجية محلية متناقضة مع الديمقراطية الليبرالية الغربية لا منطق له. فالصين هي رأسمالية مستبدة ولا تهتم بعمولمة نموذجها الشيوعي. وأغنى سوقها المحلي الشركات الأمريكية والشركات متعددة الجنسية. كل هذا في ظل انتهاك حقوق الملكية الفردية، خاصة أن معظم الشركات الصينية لديها حقوق ملكية محلية في فايف جي والذكاء الصناعي. وأدى صعود الصين لازدهار في الولايات المتحدة ومعظم الاقتصادات المتطورة من اليابان إلى تايلاند وألمانيا، حتى لو كان صعودها سببا في تخفيض مستوى الولايات المتحدة كقوة تصنيع مركزية.
وليس من الواضح كيف يؤثر العدوان الصيني في شرق آسيا على النظام العالمي أو يهدد موقع أمريكا كدولة مهيمنة على النظام العالمي. وحتى لو كانت الصين تمثل تهديدا فإن الأساليب التي تبنتها إدارة ترامب وإدارة بايدن الآن لا ترقى لمستوى فرض تغيير على السلوك الصيني. فالصين دولة قوية بحيث لا ينجح معها حتى الأسلوب القوي. ومن هنا ففرض عقوبات على المسؤولين الصين لانتهاكهم حقوق الإنسان في تشنجيانغ وهونغ كونغ وفرض ضرائب لا ينفع. كما أن لعب دور المحاضر تقابله محاضرة أخرى من الطرف الآخر. فالولايات المتحدة لم تواجه أبدا قوة اقتصادية وعسكرية لا تستطيع ممارسة الإكراه عليها أو مواجهتها مباشرة. فالتداخل الاقتصادي اليوم يجعل من المواجهة التي جرت في الحرب الباردة سلاحا ذو حدين.
والنتيجة هي أن مواصلة المواجهة لإرضاء رغبة الرأي العام تعني أن إدارة بايدن ضيعت فرصة لرسم استراتيجية واقعية ضد منافس جديد في مرحلة ما بعد الوباء.
فالتشدد تجاه الصين قد يكون سياسة محلية جيدة ولن يكون أبدا سياسة جيدة لو كان الهدف منه تعزيز قوة أمريكا الاقتصادية والأمن العالمي. وفشلت إدارة ترامب بتحقيق أي من أهدافها وكلما خطت إدارة بايدن خطا أفضل كلما كان هذا أفضل.
فورين بوليسي
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews