بايدن في رده على التقرير.. هل سيتصادم مع موسكو دبلوماسياً؟
المقابلة التي أجراها الرئيس الأمريكي بايدن هذا الأسبوع في برنامج “صباح الخير أمريكا”، التابع لشبكة “إي.بي.سي” لم تكن اعتباطية. فقد اختير التوقيت بعناية لنقل رسائل واضحة وحازمة للصين وروسيا، كل على حدة، حسب مكانتها في سلم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، وفي تصورات التهديد المختلفة التي تمثلها بالنسبة للولايات المتحدة.
شارك بايدن الجمعة الماضية في مؤتمر قمة افتراضي لرؤساء الرباعية الأربع: الولايات المتحدة، والهند، واليابان، وأستراليا. وأنهى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد اوستين، جولة محادثات في موضوع الصين في اليابان. إضافة إلى بايدن، طرحا فعلياً أهدافاً مركزية في سياسة إدارته الخارجية: نظام تحالفات الولايات المتحدة وكبح نشاط تمدد الصين واستعراض عضلاتها.
وأضيفت الجبهة الروسية، التي باتت أسسها معروفة ومتوقعة، بشكل علني الآن. أمس نشر مكتب المخابرات القومية، (الجسم الذي يشمل معظم أجهزة المخابرات في أمريكا) تقريراً خاصاً عن تدخل خارجي في محاولة لترجيح الانتخابات الأمريكية للرئاسة في العام 2020. التقرير الذي يتكون من 15 صفحة هو تقرير واضح وقاطع ويستند إلى شهادات كثيرة ومتقاطعة، وحاسمة. بذل بوتين جهوداً كبيرة واستخدم عملية عميقة في محاولة للمس ببايدن ومساعدة ترامب، فقد ضعضع، بعد أربع سنوات ناجحة جداً من ناحية روسيا في هذا المجال، ثقة الأمريكيين بالنظام والمؤسسات والإجراءات السياسية في أمريكا.
كل ذلك أجبر الرئيس على التحدث بصوته وليس من خلال الوزراء والموظفين. “بوتين سيدفع الثمن، أنا أعرفه جيداً”، قال بايدن. هل تعتقد أنه قاتل؟ سأل مجري المقابلة، جورج ستيفانوبولس مباشرة. “نعم، أعتقد ذلك”، أجاب الرئيس الأمريكي.
بايدن يعرف عن التدخل الروسي منذ كان تدخلاً سوفييتياً. فقد كان شاهداً على ذلك خلال 36 سنة كسيناتور، ومذ كان في منصب رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ وفي السنوات الثماني التي كان فيها نائب الرئيس الأمريكي. وعرف أيضاً عن تقرير مولر، وهو المحقق الخاص الذي فحص تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية للرئاسة في 2016. بايدن يعرف روسيا ويعرف بوتين ويحصل على معلومات استخبارية أكثر بكثير ومحدثة أكثر من التي في التقرير.
في التقرير هذا الشهر، الذي وقعت عليه رئيسة المخابرات الوطنية، افيريل هاينس، كتب أن روسيا استخدمت شبكة من العملاء والمبعوثين، “عملاء نفوذ” تابعين للمخابرات الروسية. وكان بوتين، كما ورد في التقرير، مطلعاً على العملية التي استهدفت المس ببايدن، ويبدو أنه أعطى التوجيهات للقيام بها. وقد كانت له سيطرة على شخص اسمه أندريه دراكاتس، الذي تصادق مع محامي ترامب، رودي جولياني. نشر دراكاتس أكاذيب ومعلومات كاذبة ونظريات مؤامرة بواسطة أشخاص آخرين قاموا بتشغيل شبكة لناشري الأكاذيب في روسيا. “هذه كانت عملية استخبارية اخترقت دائرة الرئيس ترامب الداخلية”، قال رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب، آدم شيب. “الأمر يتعلق بجهود روسية جدية ومتواصلة في الحملات الانتخابية في العام 2016 و2020″، قال رئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ، السناتور جون فيرنر. وكرد متوقع، أعادت روسيا سفيرها من واشنطن، من أجل التشاور، وهذه عملية دبلوماسية رمزية واحتجاجية ليس لها أي أهمية، وهي قائمة منذ 200 سنة.
من جهة أخرى، ثمة رد شديد قد يتدهور ليصبح تصعيداً يمنع التعاون مع عدد من المواضيع التي تريد فيها الولايات المتحدة التوصل إلى تفاهمات مع روسيا، مثل: الاتفاق النووي مع إيران، وتحديد اتفاق ستارت لتقليص السلاح النووي، وسياسة المناخ.
على الرغم من ذلك، يجدر الامتناع عن تصريحات هستيرية عن مواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا. لا توجد لأي منهما مصلحة أو فائدة من ذلك. خلافاً لفترة الحرب الباردة، أو على الأقل صورتها على أنها صراع بين دولتين عظميين متساويتين في القوة، لا يوجد أي تناسب بين أمريكا وروسيا.
الناتج القومي الإجمالي الخام في الولايات المتحدة هو 22 تريليون دولار تقريباً. ومثيله في روسيا هو 1.2 تريليون بنفس العملة، أي أكثر بـ 18.25 ضعفاً. سكان الولايات المتحدة 335 مليون نسمة، أكثر بـ 2.3 ضعف سكان روسيا التي يبلغ عدد سكانها 146 مليون نسمة. ولغرض المقارنة، الناتج الإجمالي في كاليفورنيا (3.1 تريليون)، تكساس (1.8 تريليون) ونيويورك (1.7 تريليون)، كل واحد منها أكبر من الناتج القومي الخام في روسيا.
خلافاً لجهود بوتين في بناء صورة بأن تصبح روسيا دولة عالمية، فإن الواقع مختلف. فروسيا دولة ضعيفة اقتصادياً، تعتمد بالأساس على تصدير النفط والغاز، وتحتاج إلى سعر يتراوح بين 100 – 110 دولار للبرميل لمعادلة الميزانية. هذا السعر ظهر آخر مرة في بداية العام 2012، ومنذ ذلك الحين انخفض بالتدريج ووقف على 50 – 60 دولاراً. وقد وصل إلى حضيض 10 – 20 دولاراً للبرميل على خلفية التباطؤ الكبير الذي أحدثه وباء كورونا، والآن يبلغ سعر البرميل 64 دولاراً أو 68 دولاراً لبرميل النفط الخام من نوع برينت.
روسيا الآن في موقف ضعيف نسبياً من ناحية سياسية. باستثناء عضويتها الدائمة في مجلس الأمن، إلا أن تأثيرها الجيوسياسي محدود في مناطق النفوذ التي تحدها مادياً. صحيح أنها ذات قدرة تكنولوجية ضخمة، لكنها استخدمت في معظمها لتطوير أنظمة قتال، وقليلون في العالم يشترونها أو مستعدون لتمويلها.
لذلك، نطاق ردود أمريكا واسع جداً، يتراوح بين فرض عقوبات محدودة على المحيط المقرب من بوتين ومروراً بتجاهل استعراضي في الساحات الدولية، وانتهاء بالردود الشديدة جداً التي في يد الولايات المتحدة. مثلاً، منع تجنيد الأموال من قبل الحكومة الروسية في الولايات المتحدة، أو منع الشركات الأمريكية من شراء سندات روسية. السؤال هو: هل يبدو بايدن مستعداً لمواجهة دبلوماسية في الجبهتين؟ حسب أسلوبه في الشهرين الأخيرين، يبدو أن “نعم”.
هآرتس
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews