كيف “تحوّر” إيمانويل ماكرون بعد عام من أزمة جائحة كورونا؟
على غلاف عددها الصادر هذا الأسبوع، تساءلت مجلة “لوبوان” الفرنسية: كيف “تحوّر” إيمانويل ماكرون بعد عام من الأزمة؟، قائلة إن تعامل الرئيس الفرنسي مع جائحة كورونا جعله في البداية رهينة بين أيدي المجلس العلمي الفرنسي قبل أن يعيد رئيس الدولة إحياء حدسه.
وأضافت “لوبوان” أن ماكرون بدى تائها في بداية الأزمة الصحية بين توجيهات المجلس العلمي، لكنه سرعان ما استعاد حسه الاستراتيجي الذي ساعده في الفوز بالرئاسة الفرنسية عام 2017، كما لو كان قد تحور في انسجام مع الفيروس، مضطرا باستمرار إلى “إعادة اختراع نفسه”.
وتابعت المجلة القول إن ماكرون عندما ألقى خطابه في مارس/ آذار الماضي أمام خمسة وعشرين مليون فرنسي، كانت الجائحة في بداياتها بتسجيل 61 وفاة، و2876 إصابة، حينها وضع ماكرون ثقة كبيرة في أصحاب العلم وقرر استشارة المجلس العلمي، الذي دفع الحكومة الفرنسية إلى ارتكاب حماقات إعلامية كثيرة. وهي فترة اتخذ فيها الطب قرارات سياسية وأصبح السياسيون يخوضون في مواضيع طبية بحثة، حسب الفيلسوف ألان مينك القريب من الرئيس الفرنسي، فإن ماكرون كان دائما يملك القرارات الصائبة لكن كان سيئا في التواصل مع الآخرين.
بعد فترة من إطلاعه على عدد من الدراسات المنشورة، قرر الرئيس الفرنسي لوحده رفع الحجر العام في الحادي عشر من مايو/أيار، حسب أحد المقربين منه ، والذي أكد أن الأخير كان مستعدا لفتح كل شيء نهاية نيسان/أبريل الماضي.
المرحلة الثانية: طريقة تسيير عبثية
خلال هذه المرحلة، توضح “لوبوان”، كان السلك الطبي يتخذ قرارت تخالف الاتجاه العام الذي أراد الرئيس ماكرون اعتماده؛ مثلا عندما أعلن البروفيسور دلفريسي أن 18 مليون فرنسي الأكثر عرضة للخطر سيضطرون للبقاء محبوسين في منازلهم إلى أجل غير مسمى، بعدها سارع قصر الإليزيه إلى تفنيد ما صرح به البروفيسور. منذ ذلك، الحين أصبح في قمة هرم الدولة يستخدم مصطلح ”حمقى المجلس العلمي”.
من هنا، يعتبر أحد أهم نواب الأغلبية أن الخطيئة الأصلية لولاية الرئيس إيمانويل ماكرون أنه عندما وصل إلى سدة الحكم، لم ينظم إدارة قوية. فحين كان يتخذ القرارات، لم تكن هناك هيئة إدارية تسهر على تنفيذها.
على المستوى الوزاري أيضا كان هناك انقسام واضح حول قرار وقف الأنشطة غير الأساسية على غرار الثقافة والرياضة وقاعات السينما، فرئيس الوزراء جان كاستاكس ووزير الصحة أوليفييه فيران كانا مؤيدين للقرار عكس وزير الاقتصاد برونو لومير الذي عارض الفكرة أساسا. اختلاف جعل ماكرون حائرا في أمره حتى اللحظة الأخيرة قبل إلقاء كلمته أمام الفرنسيين.
من جهة أخرى، هذا يثبت حسب أحد المقربين من الرئيس الفرنسي أن إيمانويل ماكرون في الحقيقة ليس بذلك الذي ينفرد باتخاذ القرارات كما يروج لذلك.
التخبط في اتخاذ القرارات أثر كثيرا على شعبية الرئيس الفرنسي. حسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة BVA لسبر الآراء في يناير 2021، أظهر أن تسعة عشر في المئة فقط من الفرنسيين يرون أن ماكرون يتحكم جيدا في الوضع وأنه يستطيع اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، لكن نفس الاستطلاع أجري قبل الجائحة وحينها كانت النتيجة ستين في المئة.
حسب المحلل السياسي جيروم فوركي، فإن ثقة الفرنسيين تراجعت برئيسهم الذي لم يتمسك بوعوده حين صرح في 13 نيسان/ أبريل أن الأيام المشرقة قريبة، رغم أن رئيس الوزراء المقال في أوج الجائحة إيدوار فيليب كان واضحا عندما أعلن أن نهاية الأزمة لا زالت بعيدة. بعد مرور 15 يوما فرض حجر صارم من جديد على فرنسا.
المرحلة الثالثة: التحرير
عهدة الرئيس إيمانويل ماكرون عرفت منعطفا حقيقيا في 29 من يناير/ حزيران الماضي، عندما أعلن القطيعة مع التيار المؤيد لنظرية الحجر الصحي، ورغم سرعة انتشار السلالات المتحورة من فيروس كورونا إلا أنه قرر عدم الرضوخ للمجلس العلمي، وامتنع عن فرض حجر عام مرة أخرى بل وعارض تنبؤات الأطباء، قائلا إن تحليلاتهم وترجيحاتهم تفتقر إلى أدلة واضحة وأرقام دقيقة.
هناك شخص لعب دورا مهما في تخفيف الضغط على الرئيس الفرنسي خلال هذه الحقبة الصعبة، وهي السيدة الأولى في البلاد بريجيت ماكرون التي كانت تساعده في اتخاذ القرارات فهي كانت مثلا ضد قرار غلق المؤسسات التعليمية.
كذلك يلعب رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستاكس دورا مهما في تسهيل عمل الرئيس فهو يطبق القرارات دون تعطيل أو معارضة عكس ما كان يحدث مع سلفه إيدوارد فيليب.
بعدما حدوث ما يشبه الإعصار بين الفشل الذريع المتعلق بتوفير الكمامات بشكل مبكر، ثم التأخر في إجراء اختبارات الكشف عن الإصابة بكورونا، وصولا إلى بطء عمليات التطعيم ضد كوفيد 19 في فرنسا، تعلم إيمانويل ماكرون الدرس وفهم ضرورة التفكير في عالم ما بعد كورونا. فبدأ يصرح بأن كورونا سيصبح وباءا مزمنا يجب التطعيم ضده سنويا، وهي طريقته في شرح معنى تعايش الفرنسيين مع كورونا. ولهذا أعلن ماكرون عن افتتاح أربعة مواقع لإنتاج اللقاحات في فرنسا، كنوع من التخطيط الاستباقي لتفادي الكارثة، حتى لا يقرنه الناخب الفرنسي في ذاكرته بكابوس سيء.
مع ذلك يمر ماكرون بمرحلة صعبة حاليا حسب السياسي الفرنسي الشهير جون بيار شوفانمون، لكنه يظل متمسكا بالانتصار كما أعلنه لوزرائه قائلا “لا خيار لنا سوى الفوز”.
ماكرون بدأ العمل على رئاسيات ألفين وعشرين وشكل فريق عمل كلفه بتقييم الأوضاع في فرنسا، قائلا يجب الاستعداد لمرحلة ما بعد مرور الإعصار. حسب المقربين منه، فكرة أن يكون أول رئيس يحكم لعهدتين تسكنه حتى النخاع.
لوبوان
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews