وهم الديمقراطية
يقول الدكتور فريد زكريا إن تحقيق الديمقراطية أمر غير واقعي لأن الانتخابات تجلب رجلا لا يعرفه الناخبون حقا إلا من خلال برنامجه الانتخابي، وعندما يبدأ الرئيس بممارسة صلاحياته، تظهر قناعاته الحقيقية، فقد يكون عنصريا أو متشددا أو منفردا بالسلطة أو توسعيا أو تجاريا أو شعبويا، والناخب لا يعرف ذلك. وبالطبع، هناك معجبون لكل صنف من هؤلاء القادة، فهناك من الناخبين من يؤيد التعصب للوطن والدين والعرق بصرف النظر عن القيم الديمقراطية حتى لو كان هناك فصل شديد بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. إذن، فالقول إلى البلاد الفلانية ديمقراطية لا يعني شيئا، وهو مصطلح فارغ من مضمونه ويضلل الناس أكثر مما ينورهم
إن الانتخابات الأميركية أفضل مثال على هذا الرأي، ففي كل مرة تجري انتخابات أميركية، يخرج رئيس ذو قناعات مختلفة عن سابقه بشكل جذري، فهناك رئيس متعصب للولايات المتحدة وقام بغزو بلاد أخرى، مثل لندون جونسون في حرب فيتنام وبوش الأب في الحرب على العراق وجورج بوش الابن في الحرب على العراق أيضا، وهناك من يؤمن باتباع طرق أخرى لتحقيق الأهداف وهي الحرب بالوكالة كما حدث في مشروع الشرق الأوسط الجديد إبان عهد أوباما أو الانسحاب العسكري من العالم والتركيز على المكاسب الاقتصادية والتعصب القومي والعنصري في عهد ترامب، وعندما يتسلم بايدن الرئاسة سيقوم بأمور كثيرة مغايرة لسياسة ترامب، مما يعني أن موقف الشعب الأميركي ليس ممثلا بشكل كامل، بل أن نصفه فقط أو أكثر قليلا هو الذي جاء برئيس يمثلهم.
من جانب آخر، تعاني الشعوب المستضعفة كثيرا من الرئيس الأميركي الذي يعاديها، ونحن اليوم في صلب الحدث وقلقون مما قد يأتي به بايدن الذي صرح بأنه صهيوني ويتبع سياسة الاحتواء مع إيران ذات التوجه التوسعي والحربي من خلال وكلائها في المنطقة. وهذا يعني أن النظام الديمقراطي المطبق في الولايات المتحدة لا يقوم على أسس ثابتة ولا يحمل قيم العدالة والشفافية وإطلاق الحريات الفردية، بل قد يكون أسوأ بكثير من الأنظمة الدكتاتورية، فقد خسرت الولايات المتحدة الآلاف من المواطنين جراء وباء كورونا، لأن ترامب فضل استمرار النشاط الاقتصادي والتجاري على الإغلاق لحفظ حياة الأميركيين. كما أنه انتزع أموال العرب على أمل أن يفعل شيئا ضد الخطر الإيراني، لكنه ماطل كثيرا لتجنب القيام بعمل حاسم يضع حدا للتمدد الإيراني. بالنتيجة، فإن الديمقراطية الأميركية وهم داخل الولايات المتحدة وخارجها.
إن الوضع القائم في الدول الغربية التي تنتخب رؤساءها يعني أنها دول خطرة لانعدام شكلها وتنوع سياساتها، فهي غير واضحة، وفي كل دورة انتخابية تجلب شخصا عدوانيا أكثر من سابقه، ولا توجد قيم ثابتة لديها سوى تحقيق المكاسب الاقتصادية، والعبث بأمن الدول إذا كان ذلك يحقق مكاسب لها بصرف النظر عن الدمار الناتج عن تحركاتها.
لكن هذا لا يعني أن السياسة الغربية لا تقوم على فلسفة فكرية، بل لها أساس فكري راسخ، وهو النظرية الواقعية (Realism) والتي تنظر إلى العالم بوصفه ساحة للصراع وعلى المتصارعين أن يتبعوا أي طريقة للنصر بصرف النظر عن أخلاقيتها، وهي ترى أنه لا ذنب لها في المعاناة التي تتسبب بها في مختلف الدول، فهي تتصرف بناء على الطبيعة ومقتضياتها، والخير لا يعني الخير على إطلاقه، ولا يجب عليها أن تنشره في العالم برمته، بل في وطنها فقط، أما بقية البلدان فهي في حالة صراع معها على المصادر الاقتصادية، وعليها أن تفعل أي شيء لكي تنتصر. أما في الداخل الأميركي، فالرؤساء لهم رؤى مختلفة، فترامب فضل أن يموت الناس من كورونا على وقف النشاط الاقتصادي، في حين أن بايدن لديه خطة بالإغلاق العام للسيطرة على الوباء، وترامب خفض الضرائب على الأغنياء وتغول على أموال العرب، وربما يتخذ بايدن إجراءات مختلفة كليا.
قد يكون النظام الديمقراطي مغريا جدا للملايين من الشباب ليس لأنه نظام مثالي ولكن لأنه ناجح اقتصاديا وعلميا، وهذا ما يبحث عنه الشباب الذين يسعون لتحقيق الأمن الاقتصادي والاستقرار والعيش الكريم، أما إذا وضع في الميزان، فقد جلبت الديمقراطية وبالا على البلدان المستضعفة.
العرب اللندنية
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews