جوليان أسانج لم يكشف أسرار أمريكا بل عراها وحلفاءها.. وفشل ترحيله انتصار له

تساءل المعلق باتريك كوكبيرن، في صحيفة “إندبندنت”، عن معاني فشل المحاولة الأمريكية ترحيل مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج إلى الولايات المتحدة. وقال إن حملة الحكومة الأمريكية التي مضى عليها 10 أعوام لتجريم التقارير الناقدة لأفعالها فشلت في ظروف خاصة وفي القرار غير المتوقع من محكمة بريطانية رفض الطلب الأمريكي بترحيل أسانج.
وقدمت القاضية فانيسا باريستر السبب الذي دفعها لاتخاذ القرار بناء على الحالة العقلية لأسانج وإمكانية انتحاره وليس حرية التعبير أو أدلة على محاكمة سياسية له من إدارة دونالد ترامب. ولو كانت القاضية مصيبة في حكمها فإن ما قررته هو واحد من الأفعال غير السياسية في عهد ترامب بالولايات المتحدة. وسيظل أسانج في الوقت الحالي بالسجن الأمني في بيلمارش بانتظار استئناف أمريكي على القرار، إلا أنه يستطيع التقدم بطلب للإفراج عنه بكفالة.
ولو نجحت الولايات المتحدة في طلب ترحيل أسانج لمواجهة 17 تهمة بناء على قانون التجسس الصادر عام 1917 وتهمة أخرى لها علاقة بالقرصنة على الكمبيوتر لحكم عليه بالسجن 175 عاما في السجون الأمريكية. وكان الحكم عليه بمثابة ضربة قوية لحرية الصحافة لأن ما يتهم به هو ما يفعله كل صحافي ومؤسسة إعلامية، أي العثور على معلومات مهمة قد تعتبرها الحكومات التي تهمهما مصلحتها سرية أو غير سرية. ومن ثم مررها إلى الرأي العام حتى يتوصل بنفسه لحكم قائم على الدليل ويتعلق بالعالم الذي يعيشون فيه.
ويقول كوكبيرن: “تابعت جلسات طلب ترحيل أسانج يوما بعد يوم في أيلول/سبتمبر الماضي ولم يكن هناك شيء كشف عنه أسانج لم أكن أنا -أو أي مراسل شريف- لأكشفه”. ومن الباكر لأوانه معرفة النهاية لملحمة أسانج والتي بدأت عندما قامت ويكليكس بنشر كميات من الوثائق الحكومية الأمريكية في 2010، وقدمت صورة غير مسبوقة عن الشؤون الأمريكية العسكرية والسياسية والدبلوماسية. وفي ذلك الوقت نشرت صحف مثل الغارديان ونيويورك تايمز ودير شبيغل ولوموند والبايس مقتطفات من الوثائق فيما وصف بأنها “خبطة” القرن وتشبه تقديم دانيال إلسبيرغ أوراق البنتاغون للإعلام عام 1971.
وكان من أشهر الوثائق التي نشرت في ذلك الوقت فيلم فيديو التقطته مروحية عسكرية في بغداد عام 2007 عندما فتحت النار على المدنيين وقتلتهم، ومن بينهم صحافيان كانا يعملان لصالح وكالة أنباء رويترز. وزعم البنتاغون أن المستهدفين كانوا “إرهابيين” ورفض الكشف عن الفيديو رغم طلبات الإفراج عنه بناء على قانون حرية المعلومات و”كنت في بغداد ذلك الوقت وشك الصحافيون بما حدث ولكننا لم نستطع إثبات ذلك في وجه الإنكار الرسمي”. وكانت محتويات شريط فيديو مروحية أباتشي وآلاف من التقارير التي صدمت محللا استخباراتيا أمريكيا اسمه برادلي مانينغ غير اسمه إلى تشيلسي مانينغ بشكل جعلها تقدم الوثائق إلى ويكيليكس. ورغم ما زعمته الولايات المتحدة فلم تحتو الملفات على أسرار حساسة عن الحكومة الأمريكية. ولكن ما كشفته هو معرفة الحكومة عن نشاطاتها ونشاطات حلفائها. وكان هذا محلا للإحراج بسبب ما تقوله الحكومة الأمريكية لشعبها والعالم.
ويقول كوكبيرن: “شرح لي مسؤول أمريكي في ذلك الوقت أن 251،287 برقية دبلوماسية و400.000 تقرير عن حرب العراق و90.000 عن حرب أفغانستان تم تخزينها عبر نظام اسمه سيبرنت أو “سيكريت إنترنت بروتوكول روتر نت وورك”. وتم تصميم هذا النظام لتسهيل المعلومات على مئات من المسؤولين في الحكومة الأمريكية. وقال صديقي الدبلوماسي إن الكثير من الناس طالعوا تلك الملفات فالحكومة الأمريكية لم تكن بهذه السذاجة لكي تكشف عن أسرارها العميقة”. ويضيف كوكبيرن: “لقد دهشت قبل 10 أعوام من الغضب الأمريكي والحكومات المتحالفة معها بسبب الكشف. وفقد زعم يقول إن أسانج وويكيلكس عرضوا حياة العملاء الأمريكية مصداقيته. وذلك عندما فشلت وحدة مهام خاصة من 120 مسؤولا في مكافحة الإرهاب عام 2013 بالعثور على حالة واحدة مات صاحبها بسبب ما سربه موقع ويكيليكس. ومع ذلك فقد تم تضمين هذه التهم في ملف المحامين الممثلين للحكومة الأمريكية لدعم طلب ترحيله في أيلول/سبتمبر”.
ويعلق أن الغضب الأمريكي والحكومات الموالية لها لا علاقة له بمستوى السرية الذي كشفت عنه الوثائق، فالكثير مما ورد فيها معروف أو كان محلا لشكوك الصحافيين، لكن الحفاظ على الأسرار وكشف السلطات لها يظل في مصلحتها فهي أداة للقوة، ومن يملكها سيقاتل بشدة حتى لا يخسرها. ولهذا السبب كان تصميم أسانج الذي استمر به منذ ذلك الوقت.
وكانت حملة التقليل من مصداقيته ناجحة لحد ما، فالصحف التي تعاملت معه واحتفلت به وبما يسربه من معلومات أبعدت نفسها عنه وموقعه ويكيليكس. وهذا راجع إلى الاتهامات التي وجهت إليه بالاغتصاب في السويد، مع أن هذه الاتهامات لا علاقة لها بطلب ترحيله. و”لدي شعور أن صحف المؤسسة التي نشرت ملفاته صدمت وأنذرت من الرد الصارخ الذي بدا من الحكومة الأمريكية وحلفائها”. وتجاهل عدد كبير من هذه النشريات أو قللت من جلسات الاستماع لترحيل أسانج. والتحدي لحرية الصحافة كان واضحا كما هو التحدي للصحافيين الذين يقومون بنشر الحقائق التي قد تعتبرها الحكومة الأمريكية أسرارا. وكانت كلها في خطر الاتهام بالتجسس بنفس الطريقة التي واجهت أسانج. ومع ذلك ظل الإعلام صامتا وقام في بعض الأحيان بالهجوم على شخصية أسانج رغم خطورة الحالة.
ويقول إن فشل محاولة ترحيل أسانج لو تأكدت برفض الاستئناف ستخرجهم من الورطة ولن يحتاجوا لأن يتخذوا مواقف بعد الآن. وهذا هو أهم ملمح مثير للقلق في حالة أسانج وهو استعداد الإعلام الوقوف موقف المتفرج أمام أعظم هجوم على حرية الصحافة في التاريخ الحديث.

إندبندنت