دونالد ترامب والاقتصاد.. الاستمرارية والعمى
في مقال تحت عنوان: “دونالد ترامب والاقتصاد: الاستمرارية والعمى”، قال موقع “ميديا بارت” الاستقصائي الفرنسي إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبدو غير قادر على استيعاب حجم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها بلاده ويحتمي خلف قناعاته الخاطئة، مشيرا إلى أن بلورة حصيلة اقتصادية للرؤساء الأمريكيين أمر صعب نتيجة لكون السياسات الاقتصادية الفدرالية لا تعكس سوى جزء يسير من سياسات البلاد وهي في الغالب ثمرة تفاهمات مباشرة بين الكونغرس والبيت الأبيض.
وأضاف الموقع الاستقصائي الفرنسي أن رئاسة دونالد ترامب الذي خسر الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي خلال انتخابات عام 2018، ليست استثناء من القاعدة، وأن جائحة كورونا قلبت كافة الموازين. حيث إن الاقتصاد الأمريكي، وعلى غرار باقي اقتصادات العالم، دخل منذ شهر مارس/آذار الماضي مرحلة من الاضطرابات القوية وشهد هزات هي الأعنف منذ الكساد الكبير عام 1930، وهو ما تؤكده إحصائيات نهاية الفترة الرئاسية لدونالد ترامب الذي يحاول إعادة انتخابه للمرة الثانية والأخيرة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وتابع موقع “ميديا بارت” التوضيح أن نسبة البطالة في الولايات المتحدة وصلت خلال ذروة أزمة جائحة كورونا شهر إبريل/نيسان الماضي 14,7 في المئة من القوى العاملة، وهو أمر لم يحدث منذ 1929. ورغم أن هذه النسبة تراجعت لتصبح 7,9 في المئة، إلا أنها تبقى مرتفعة وهي من بين الأرفع في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تشهد نسبة أعلى سوى أربع مرات منذ 1950.
أما فيما يتعلق بالناتج الداخلي الخام، فقد كان خلال الربع الثاني من العام الجاري 2020، أعلى بقليل من مستواه في نفس الفترة من عام 2017. وهذه المعطيات إذا ما أخذناها بعين الحسبان، سيكون دونالد ترامب من بين أسوأ الرؤساء حصيلة اقتصادية منذ عهد هربيرت هوفر بين عامي 1928 و1932.
ومضى موقع “ميديا بارت” في التوضيح أن شهر مارس/آذار الماضي شكل بداية دخول الاقتصاد العالمي مرحلة جديدة ومغايرة؛ لا يمكن تحميل مسؤوليتها كاملة لإدارة دونالد ترمب على اعتبار أنه يصعب الخروج من أزمة بهذا الحجم في غضون أشهر. ومن ناحية أخرى، لا تعتمد السياسة الصحية في الولايات المتحدة سوى بشكل جزئي على السلطات الفدرالية. ولأسباب عديدة، تبقى هذه الحصيلة في النهاية حصيلة إدارة ترامب كما كانت حصيلة عام 1932 حصيلة هوفر.
والسبب الأول في ذلك، هو غموض تعامل الرئيس ترامب مع جائحة كورونا وتردده ورسائله الصحية المتضاربة ودعوته للعودة سريعاً إلى النشاط العادي، وهي عوامل كان لها الأثر في طريقة تعاطي الولايات المتحدة مع الأزمة بحجمها المعروف. يضاف إلى ذلك، الاستجابة السياسية للأزمة عبر إعلان خطة شاملة بكلفة 2000 مليار دولار أي ما يعادل 20% من الناتج القومي الأمريكي. هذه الخطة ساهمت قطعاً في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية؛ لكنها ونظرا لعدة عوامل خلقت نوعاً من التوازن الاقتصادي الهش وبقي خطر تراجع الاقتصاد بشكل قوي قائما بحسب تحليل الخبير الاقتصادي فيرونيك ريش فلور.
ويواصل “ميديا بارت” التوضيح أن الكونغرس الأمريكي ظل منقسما بين الديموقراطيين والجمهوريين، إذ لم يستطع الفريقان التوصل إلى أي تفاهم في ذروة الحملات الانتخابية، وكان كل طرف يقدم مقترحات بعيدة عن تلك المقدمة من الطرف الآخر حول الحماية الاجتماعية أحياناً وحول تقليص الضرائب أحياناً أخرى، وهو ما جعل التوصل إلى حل قبل الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر/تشوين الثاني القادم شبه مستحيل، ودفع بالرئيس ترامب إلى تعليق المفاوضات يوم السادس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
ويشير الموقع الفرنسي إلى أن دونالد ترامب لم يغير مرتكزات خطابه الانتخابي في عام 2020، وما زال يركز على نفس المواضيع التي كان يتناولها في حملته الانتخابية عام 2016، وهي خفض الضرائب والحرب الاقتصادية مع الصين مع إضافة التعبير عن ارتياحه لما يصفه بالأرقام القياسية للأسواق المالية الأمريكية. ويعتبر “ميديا بارت” أن ترامب في هذه النقطة يشبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث يعتقد كل منهما أن استراتيجية ما قبل أزمة وباء كورونا صالحة كذلك لما بعدها. غير أنه في الولايات المتحدة هناك قوى موازية تمتاز بالفعالية.
ويؤكد الموقع الاستقصائي الفرنسي أن الحصيلة الاقتصادية لإدارة دونالد ترامب حتى شهر مارس/آذار 2020 محيرة؛ فهي لم تكن بذلك السوء الذي توقعه البعض لكنها كذلك لم تكن استثنائية كما يصفها ترامب نفسه. وهكذا، فإنه وخلال السنوات الثلاث الأولى من حكم الرئيس ترامب، كانت نسبة النمو الاقتصادي السنوية على التوالي 2,3 في المئة في 2017 و3 في المئة عام 2018 و2,2 في المئة خلال 2019. فبحسب تقرير للكونغرس فإن نسبة النمو خلال الأرباع الإحدى عشرة الأولى من حكم باراك أوباما هي ذاتها خلال نفس الفترة من حكم ترامب (2,6%) ويشير التقرير إلى نوع من الاستمرارية الاقتصادية بين الرئيسين.
وعلى صعيد التشغيل، يرى ترامب أنه نجح في تقليص نسبة البطالة لمستوى منخفض 3,5 في المئة في فبراير/شباط من العام الجاري 2020، وهو أدنى مستوى منذ شهر إبريل/نيسان 1969. لكن هنا أيضاً، يبدو أن إنجاز ترامب كان استمرارا لفترة حكم باراك أوباما، الذي تمكن من خفض نسبة البطالة من 10 في المئة عام 2009 إلى 4,7 في المئة في يناير/كانون الثاني 2017.
وهكذا واصل الاقتصاد الأمريكي خلق الوظائف في فترة حكم ترامب قبل كارثة عام 2020، لكن سرعة وتيرة نمو الاقتصاد لم تكن نتيجة سياسة ترامب وخاصة السياسة التجارية. وتشير دراسات عديدة إلى أن الحرب التجارية مع الصين ساهمت في إبطاء وتيرة خلق فرص العمل عبر تقليص توقع وثقة مديري الشركات. أغلب الدراسات تؤكد أن خلق الوظائف في القطاع الصناعي كان أكثر في عهد أوباما؛ بل إن بعض تلك الدراسات تتحدث عن تدمير للوظائف الصناعية بين 2017 و2018. وباختصار لم يكن هناك تأثير اقتصادي للحرب مع الصين نتيجة عدم إدخال تعديلات على البنية الاقتصادية الأمريكية.
العامل الأخير الذي يمكن الحديث عنه – يوضح “ميديا بارت” – هو الفوارق العرقية التي أحدثتها الليبرالية الجديدة في الولايات المتحدة، فبالرغم من أن تحسن سوق العمل سمح بتقليص البطالة إلى 12,9 في المئة العام الماضي؛ إلا أن مؤشرات الفوارق قبل الضرائب بين 2017 و2019 استقرت مرتفعة. وخلال السنوات الثلاث الماضية ظلت نسبة 1 في المئة من أثرياء البلاد تستحوذ على نسبة 20,5 في المئة من العائدات الإجمالية؛ مقابل 12,7 في المئة للفقراء الذين يمثلون نسبة 50 في المئة وهذا الفارق هو الأعلى منذ 1915.
ويمكن القول إن سياسة إدارة ترامب ظلت حتى مارس الماضي سياسة استمرارية اقتصادية، لكن أزمة كورونا غيرت كافة المعطيات وخلطت الأوراق. ففي بلد يمتاز بتفشي الفوارق يفترض أن تدار هذه الأزمة بطريقة تحافظ على مستوى معين من جودة الحياة وهو ما يتطلب تغييرا شاملا للنموذج الاقتصادي الذي كان سائدا في سنوات 1934-1936 وهو تحد لا يمكن الجزم بأن ترامب قادر على رفعه.
ميديا بارت
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews