الطبقة الوسطى مفهوم يتغير مع التحولات الجيوسياسية

هل أنت من الطبقة الوسطى؟ قبل عقد من الزمن كان هذا السؤال ذا أهمية كبيرة لعلماء الاجتماع - أو المتكبرين. الآن هو ديناميت سياسي. فقد نشر مركز بيو للبحوث الشهر الماضي استبياناً أظهر أن نسبة الأمريكيين الذين يعتبرون أنفسهم من الطبقة الوسطى تقلصت بشكل حاد، بسبب تعثُر الدخول المتوسطة. وفي عام 2008، أو عندما ضربت الأزمة المالية، كانت النسبة على ما يبدو 53 في المائة. أما الآن فهي 44 في المائة فقط.

وذلك ليس لأن الأمريكيين أصبحوا أكثر ثقة بالنفس. فهناك 15 في المائة فقط يعتبرون أنفسهم من الطبقة العُليا، وهي نفسها طبقة انخفضت عن 21 في المائة عام 2008. والمشكلة الحقيقية هي أن ثلثي الأمريكيين يعتقدون (وهذا صحيح تماماً) أن الفجوة بين الطبقة الغنية والفقيرة تتسع - وأنهم هم أنفسهم يتقلصون: 40 في المائة من الأشخاص الآن يعتبرون أنفسهم من الطبقة الدنيا، مقارنة بـ 25 في المائة في السابق.

وهذا أمر مذهل. فهو يُساعد على تفسير سبب إحداث مصطلح الطبقة الوسطى الآن مثل هذا القلق السياسي. مثلاً، عندما ألقى باراك أوباما خطاب الاتحاد أمام الكونجرس في الشهر الماضي، تحدث عن "مجموعة من المقترحات، الملموسة والعملية لتسريع النمو، وتعزيز الطبقة الوسطى، وبناء سلالم جديدة من الفرص في الطبقة الوسطى". وهي ليست مشكلة أمريكية فقط، ففي المملكة المتحدة يناقش رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، المصطلح باستمرار، بعدما أصر إد ميليباند، زعيم المعارضة العمالية، في الفترة الأخيرة على القول: "أنا أعرف أن بلادنا لا يمكنها أن تنجح وأن تصبح أفضل حالاً بشكل جماعي بدون طبقة وسطى قوية ونابضة بالحياة (...) علينا إعادة بناء الطبقة الوسطى في بلدنا".

وبما أن هذا المصطلح يثير قلقاً لدى الغرب، فمن المفيد أن ننظر في القضية من منظور أوسع. شاركْتُ الشهر الماضي في نقاش بالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس حول الطبقة الوسطى العالمية مع خبراء اقتصاد غربيين (مثل لورا تايسون، المسؤولة السابقة في إدارة الرئيس كلينتون) وشخصيات من الأسواق الناشئة (مثل مارسيلو كورتيس نيري، وزير الشؤون الاستراتيجية في البرازيل، وإيرنيستو زيديلو، الرئيس السابق للمكسيك). وبرزت نقطتان يغلب أن يتم تجاهلهما في النقاش السياسي الأمريكي. الأولى، أن الطبقة الوسطى، من منظور عالمي، تزداد - ولا تتقلص - الأمر الذي يعمل على تعزيز النمو الشامل. والأخرى، أن تعريف الطبقة الوسطى غامض للغاية.وأوضح تقرير صدر العام الماضي عن شركة إيرنست آند يَنْج للخدمات المهنية، حمل عنوان "إصابة الموقع الجميل"، تلك النقطة. فقد حللت تلك الدراسة اتجاهات النمو واستنتجت أنه خلال العقدين المقبلين سيزيد عدد المنتمين للطبقة الوسطى في العالم بواقع ثلاثة مليارات. وفي الواقع، بحلول ذلك الوقت سيكون ثُلثا ما يسمى الطبقة الوسطى في العالم يعيشون في الأسواق الناشئة، مثل الصين والهند والبرازيل. ويقول لأليكسس كاركلينز مارتشاي، وهو رئيس مشارك في مركز الأسواق الناشئة التابع لشركة إيرنست آند يَنْج: "بحلول عام 2030، ومع دخول المزيد والمزيد من الأشخاص في الطبقة الوسطى، نأمل أن تساعد هذه الجماعة المتنامية من المستهلكين، مع أموال جديدة ومطالب جديدة، في إبقاء الاقتصاد العالمي المتخبط واقفاً على قدميه".

لكن هناك فخ، إذ يُحدد مستشارو شركة إيرنست آند يَنْج المبتهجون، عائلة الطبقة الوسطى بأنها العائلة التي تكسب ما بين عشرة دولارات و100 دولار يومياً "وفي هذا المستوى يبدأ المستهلكون بالحصول على الدخل المتاح من النوع الذي يسمح لهم بشراء سيارات، وتلفزيونات، وسلع أخرى". لكني أشك أن العديد من الأمريكيين الذين يكسبون 70 دولاراً في الأسبوع يشعرون بأنهم من الطبقة الوسطى. وحتى أولئك الذين يكسبون 700 دولار في الأسبوع قد يترددون في استخدام هذا المصطلح، نظراً للركود في الدخول المتوسطة.

لذلك هل يعني ذلك أن الأمريكيين مخطئون في الشكوى بشأن خروجهم من الطبقة الوسطى؟ أم هل من الخطأ أن تقول شركة إيرنست آند يَنْج إن العديد من العائلات الصينية هي من الطبقة الوسطى؟ أم هل العامل الرئيس الذي يحدد هذه السمة - وليس المستوى المطلق – هو توجه دخلك، وتصوّر الثروة النسبية؟ بعبارة أخرى، هل كونك من الطبقة الوسطى مجرد حالة ذهنية؟

ليست هناك إجابات سهلة، لكن في المرة المقبلة التي يثير فيها سياسيون مثل أوباما أو كاميرون مصطلح الطبقة الوسطى، يجدر التأمل في توقعات شركة إيرنست آند يَنْج هذه. فعلى الأقل هي تُظهر المفارقة حول هذا المصطلح القوي. وبطبيعة الحال، السبب في شعور الناخبين الغربيين بالتوتر الكبير من عالم يتسم بتقلب جيوسياسي سريع.

( فايننشال تايمز 13/2/2014 )