لبنان: عون يؤخّر التكليف إلى ما بعد التأليف والحريري يتهيّب العودة وبري يفتّش عن لبن العصفور

13 يوماً مضت على استقالة حكومة الرئيس حسّان دياب من دون أن يدعو الرئيس اللبناني ميشال عون إلى تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة العتيد المكلّف تشكيل الحكومة. وبدا واضحاً أن عون بحجره على هذه الاستشارات يرغب في تكرار السابقة التي اعتمدها قبل تكليف حسان دياب بوضع العربة قبل الحصان أي وضع التأليف قبل التكليف للاطمئنان إلى التشكيلة الوزارية ووضع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل داخلها.

وإذا كان عون يتجنّب اشتراط توزير صهره باسيل علناً، إلا أنه من خلال الطروحات التي يقترحها كحكومة أقطاب يحاول ضمان دخوله مجدداً الجنّة الحكومية من خلال حقيبة سيادية كالخارجية تعيد له ما افتقده سياسياً وشعبياً بابتعاده نسبياً عن مسرح الأحداث منذ انطلاقة ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر وكذلك منذ تفجير 4 آب/أغسطس في مرفأ بيروت وتحمّله كصهر للعهد أوزار معرفة ما يوجد في العنبر الرقم 12 من دون المبادرة بشكل جدي إلى معالجة الأمر بحجة عدم وجود صلاحية.

وتؤشّر هذه المراوحة في عملية التكليف والتأليف إلى تعثّر سياسي على غرار التعثّر المالي والاقتصادي للدولة اللبنانية، كما تؤشّر إلى أن المرشحين السنّة القادرين على مواجهة التحدّيات في هذه الظروف يُختصَرون بإسم وحيد هو الرئيس سعد الحريري، وعدا ذلك فإن ما يُطرَح من أسماء إما أنها تفتقد إلى التمثيل الشعبي وإما أنها لا تمتلك الخبرة أو أنها لا توحي بالثقة، وبالتالي فإن طرح بعض الأسماء يدخل في باب المناورات تماماً كما نُقِل بداية عن جبران باسيل من أنه لا يمانع تسمية شخصيات سنّية أخرى على غرار السفير السابق نواف سلام الذي سبق أن سمّاه نواب “اللقاء الديمقراطي” ونواب حزب الكتائب ويعترض عليه الثنائي الشيعي، لا لشيء إلا لاستبعاد عودة الحريري ولايصال رسالة بأن العهد وباسيل لا يمانعان أن يسمّي رئيس “تيار المستقبل” من يمثّله في رئاسة الحكومة.

غير أن مثل هذا الخيار سواء عاد الحريري بذاته أو سمّى شخصية يرضى عنها، هو خيار أشبه بالمغامرة على أكثر من صعيد. فبعض الشارع الثائر يرفض عودة الحريري خصوصاً إذا كان سيعود على رأس تشكيلة سياسية وغير حيادية وغير مستقلّة، وبعض حلفائه في حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي غير متحمسّين لعودته حالياً خوفاً عليه أولاً ورغبة في عدم تعويم ما تبقّى من ولاية ميشال عون الذي فقد الكثير من أوراق اللعبة الداخلية. أضف إلى ذلك أن الحريري نفسه، الذي لم ينل بعد موافقة المملكة العربية السعودية على عودته، متهيّب لهذه المسؤولية بعد سقوط التسوية الرئاسية ولاسيما إذا لم يترافق ترشيحه مع قبول الشارع به ومع إطلاق يده في التأليف ومع صلاحيات واسعة تضمن له تطبيق الإصلاحات الضرورية التي يطالب بها المجتمع الدولي من أجل دعم لبنان وتقديم المساعدات اللازمة، وأبرز هذه الإصلاحات ما يتعلق بقطاع الكهرباء، ولا يبدو لغاية الآن وجود إرادة بتخلّي التيار العوني عن وزارة الطاقة وعن السياسات التي أرهقت اللبنانيين بعجز وخسائر قاربت 40 مليار دولار على هذا القطاع.

وفي انتظار عودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت في الأول من ايلول/سبتمبر بمناسبة إحياء مئوية لبنان الكبير، إذا لم يطرأ أي طارئ يؤجّل الزيارة، فإن عدم تكليف شخصية برئاسة الحكومة في الأيام القليلة المتبقّية قبل عودة ماكرون سيعني أن المسؤولين اللبنانيين لم يستوعبوا بعد حجم الزلزال الذي ضرب بيروت والتحذيرات الدولية من مخاطر الانهيار الذي بلغه وضع البلد والذي لم يعد يحتمل ترف تضييع الوقت، وأنهم ما زالوا يفكّرون بمصالحهم وحصصهم قبل أن يفكّروا بأن لا أحد أكبر من بلده، كما سيعني ذلك أن لبنان بعد مرور 100 عام على تأسيس كيانه بحدوده الحالية صيغة غير قابلة للحياة إذا لم تؤمن كل مكوّناته بنهائية الكيان وبلبنان أولاً من دون ولاءات خارجية.

إذاً، هي أيام قليلة وحاسمة للبتّ بمصير المشاورات والاستشارات ولاسيما بعد فشل زيارة رئيس التيار البرتقالي إلى عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري لتحديد التوجّهات الحكومية والخيارات المحتملة. وإذا كان بري سبق ووعد سعد الحريري بتأمين “لبن العصفور” له في حال قبوله بتولّي الحكومة، فهل يستطيع بري تحقيق اختراق في الجدار المسدود وإقناع باسيل بتسهيل تشكيل الحكومة من دون وضع شروط مسبقة ولاسيما بعد انتهاء اجتماع عين التينة من دون اتفاق؟ وهل يستطيع اقناع حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله الذي لا يمانع عودة الحريري بعدم المشاركة في الحكومة في ظل الفيتوات الداخلية والعربية والدولية على توزير الحزب؟

فإلى التصوّر العام الذي وضعه ماكرون للحكومة الجديدة من حيث تنفيذ الإصلاحات والاستجابة لتطلعات الناس بمكافحة الهدر والفساد وتأمين الاحتياجات الضرورية، هناك معايير حدّدها مساعد وزير الخارجية الأمريكية دايفيد هيل أبرزها عدم هيمنة حزب الله على الحكومة العتيدة وعدم المشاركة فيها وتحقيق ما يطمح إليه الشعب اللبناني من تغيير.

في المقابل، فإن أي تشدّد من قبل التيار الوطني الحر حيال الحكومة ورئيسها المكلّف لن يكون بعيداً عن موقف حزب الله الذي لن يقبل التنازل بسهولة وإن كان يبدي مرونة ظاهرة مع بري، وهذا ما ظهر في آخر إطلالة للسيّد نصر الله الذي صعّد موقفه في إطار رفع السقف السياسي ويفضّل عدم الرضوخ لأي شروط وإلا إنتظار تمرير الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

القدس العربي