الحرس الثوري يستهدف الإيرانيين من الجنسيات المزدوجة للتجسس على أصدقائهم وأقاربهم

نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لمراسلها في واشنطن جوليان بورغر عن الطريقة التي يستخدمها الحرس الثوري للتجسس على الإيرانيين في الشتات. وأشار إلى مهندس البرمجيات بيدان إسفهوبد الذي تلقى في 14 حزيران/ يونيو رسالة نصية من حساب غريب على انستغرام من “صديق ابن عمتك” ولكن المرسل كان يعرف من هو بيدان الذي كان يجهز نفسه منذ أسابيع فـ “صديق ابن عمتك” لم يكون سوى جهاز الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني وكانت الرسالة عبارة عن شيفرة معروفة مسبقا؟.

وجاء في الرسالة “كنت ضيفا علينا في طهران وتناولنا الكباب- هل تتذكر؟ وتحدثنا عن البرتغال وعملك وخطتك للسفر إلى البرتغال. وعندي بعض الأسئلة حول الإقامة في البرتغال”. وما عنته الرسالة هي أن الوقت قد حان لأن يذهب ويعمل كعميل في أمريكا الشمالية ويبدأ بإرسال المعلومات عن أصدقائه ومعارفه بين الإيرانيين في الشتات. وعزم اسفهوبد مسبقا ألا يرد أو يتعاون. وبعد يوم وصلته رسالة أخرى “كيف حالك مهندس، هل تعرفني؟”، ولكنه قرر تجاهلها أيضا، لكن لم يمنع هذا استمرار وصول الرسائل عبر حساباته في واتساب وتلغرام وسينغال. وكان اسفهوبد قد قرر عدم لعب الدور المناط به لكن الكشف عن الحقيقة. وقال “كانت لديهم طرقهم لممارسة الضغط علي من خلال عائلتي بدون ان تكون لدي طريقة للضغط عليهم” و “لهذا فالحديث العلني يمنحني فرصة للضغط عليهم”.

وبدأت قصة اسفهوبد في 7 كانون الثاني/ ينايرعندما سافر إلى طهران في زيارة عائلية لمدة أسبوعين. وكانت فترة حرجة حيث اغتالت الولايات المتحدة القائد العسكري بالحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني. وردت إيران بضرب قواعد يوجد فيها جنود أمريكيون في العراق. وفي اليوم التالي أسقط الحرس الثوري بالخطأ طائرة ركاب أوكرانية وقتل 176 مسافرا مع الطاقم. وحثته صديقنه البرتغالية على عدم الذهاب إلى طهران، لكنه قدر أنه لم يفعل أي شيء ليخاف العودة إلى وطنه، وكان هذا افتراض ساذج كما اكتشف لاحقا.

وجاءوا إليه في 15 كانون الثاني/ يناير وبعد دقائق من مقابلته والده في طهران وكانوا سيعثرون عليه بسهولة، فهو لم يستخدم واتساب للتحادث مع أصدقائه ولكنه اتصل مع والده بالطريقة التقليدية وكانت المخابرات في الحرس الثوري تتنصت عليه. ويتذكر قائلا: “كنت في طريقي للقاء أصدقائي ونادوني باسمي الأخير الذي لا أستخدمه. وعندما نظرت للوراء شاهدت أربعة رجال بالزي المدني” و”أخرجوا أمر اعتقال وشاهدت أنه من مخابرات الحرس الثوري وهم من أشد القوى فتكا في إيران ولا تريد التعامل معهم في كل حياتك. وحتى أكون صادقا لم أتوقع أنني سأرى العالم مرة أخرى”.

ووضع في سيارة وطلب منه مباشرة تقديم المفتاح السري لفتح هاتفه النقال وأخذ إلى الجناح الخاص بالحرس الثوري في سجن إيفين حيث اعتقل هناك مدة أسبوع. وتم التحقيق معه لعدة ساعات يوميا وسئل عن رسائله النصية والإلكترونية والصور الموجودة على هاتفه. وقيل في كل مرة انهم لم يعثروا على ما يثير الشك وسيفرج عنه ويتمكن من السفر. وفي اليوم السابع تلاشى امل الإفراج عندما ظهر محقق وقال له إن مصيره بات الآن بيد المحاكم. وسيظل معتقلا حتى موعد محاكمته. وربما حكم عليه اسبوعان أو عامين. من يعلم؟ إلا إذا كان جاهزا للتعاون مع الحرس الثوري ويرسل معلومات عن الناشطين الإيرانيين الذين يلتقيهم في الغرب. ولو وافق فلن يقدم للمحاكمة. وقيل له “مارس حياتك بشكل طبيعي والتقت مع هؤلاء الناس وزودنا بالمعلومات حول ما يقومون به، وسنعلق القضية بشكل دائم ويمكننك العودة لإيران وكل شيء سيكون على ما يرام”. واعلمه المحققون عن الطريقة التي سيتواصل فيها الجواسيس الإيرانيون معه، ثم سافر في رحلة ليلية إلى الدوحة وبعدها إلى البرتغال ليلتقي رفيقته. ولكن السفر إلى الولايات المتحدة كان صعبا، فبعد اعتقاله حذفت حساباته وكان من الصعب استبدالها. وخاف من المرور عبر دوائر الهجرة التي تطلب منه مشاهدة حسابات الأجانب على منصات التواصل الاجتماعي. وعندما عاد أخيرا عبر مطار نيوارك تم أخذه جانبا وسئل عن فترة إقامته في إيران. و”أخبرتهم بكل ما حدث معي وأحضروا ضباطا آخرين على معرفة بعمل الحرس الثوري” و”استمعوا لقصتي جيدا وكان هناك حوار جيد، وكانوا لطيفين. ورحبوا بعودتي وأخبروني أن وكالة أخرى قد تتصل بي لكنها لم تفعل”.

وعندما عاد أسفهوبد إلى سياتل انتشر فيروس كورونا، ولم يكن قادرا على مشاهدة أقاربه في كندا أو العودة إلى البرتغال. وبدأت حالته الصحية بالتردي خاصة أنه شخص قبل عام بإصابته بحالة نفسية. و “ظللت طوال شباط/ فبراير اعاني من الرهاب وغير قادر على الحديث ولا الخروج من البيت ولكنني كنت في إجازة مرضية حتى آذار/ مارس”.

ومع اقتراب الصيف جهز نفسه لاتصال من المسؤولين عنه. وقال “أثرت علي حركة حياة السود مهمة وبدأت أنظر حولي وما يجري من انتهاكات” و”كنت متأكدا أنني لن أعود لحياتي الطبيعية بدون الكشف عن سجاني”. ثم بدأت الرسائل تتوالى عبر انستغرام وتزامنت مع تلقي شقيقته في طهران رسالة استدعاء له إلى المحكمة. وبدأ اسفهوبد بكتابة منشور حول ما جرى له عبر “ميديم” وكان يعرف أن والده وشقيقته سيعانيان بسبب ما كتب لكنه خمن أنهما سيستهدفان حالة فشله في تقديم معلومات عن معارفه وأصدقائه. و”كان واضحا أنهم لن يسمحوا لي بأي نوع من الحياة الطبيعية حتى أعمل هذا” و”ماذا كان لدي من خيارات؟ ففي الوقت الذي سأرد فيه على أي من هذه الرسائل سأصبح جاسوسا حتى لو لم أقدم معلومات مفيدة”. وقال إنه يحاول الحديث نيابة عن الكثيرين من أصحاب الجنسية المزدوجة ممن مروا بنفس التجربة وهو “تقديم ضوء أكثر عما يجري لان هناك الكثير الكثير من الناس مروا بنفس الأمر” و “المشكلة أننا لا نعرف مدى ما يحدث ولا نعرف إن كان العدد عشرة أم ألف. وكل ما نعرفه هو أن الناس يخافون الكشف لأنهم غير جاهزين نفسيا. ولدى الناس كل الأسباب الشرعية ألا يتحدثوا”. وترك اسفهوبد عمله وانتهت علاقته مع صديقته المصور البرتغالية وهاجر إلى كندا ليبدأ حياة جديدة.

الغارديان