رهانات فرنسية في ليبيا
لا بد، عند الكلام عن الأزمة الليبية، من إبقاء السياق والخلفية عالقين بالذاكرة دائما. فعضوية تركيا في منظمة حلف الشمال الأطلسي محدد أساسي من محددات المعادلة، إلى جانب مسألة الطاقة في شرق المتوسط.
لكن الوجه الآخر من المعادلة المتعلق بتضارب المصالح أيضا أضاف سيناريو جديدا إلى السيناريوهات المعروفة.
كثيرا ما يطرح علي سؤال ماذا تريد فرنسا في ليبيا أو من ليبيا، والأجدى الحديث فعلا عما تريد فرنسا من ليبيا أكثر منه في ليبيا. فالوجهان الاقتصادي والأمني، من المنظور الفرنسي، مترابطان لا ينفصلان.
والحديث السائد عن صراع قائم بين إيطاليا المؤيدة لحكومة الوفاق وفرنسا المؤيدة لحفتر يمكن ترجمته فعلا بصراع الشركتين Eni و Total وما الرهان الفرنسي الأخير على النفوذ في أرض جنوب ليبيا الرخوة ومكوناتها القبلية، لتسجيل نقاط اقتصاديا و أمنيا في آن، إلا رهانا غير مضمون بامتياز!
واضح أن بعد عجزها عن الاستمرار في المراهنة على الجبهة الشرقية على ضوء استعادة قوات الوفاق من قوات حفتر الجزء الأكبر من أراضي ليبيا، تسعى فرنسا لفتح جبهة على المنطقة الجنوبية من ليبيا علها تكسب مددا يشكل موطئ قدم لها إلى موانئ النفط وحقول الغاز من جهة، لكن علها أيضا توفر غطاء سياسيا لـ«مرشحها»، في سياق لا يستبعد فيه إن نسقت فرنسا مع واحد من أقرب المقربين إلى الجنرال حفتر، الرئيس التشادي إدريس دبي، بركوب حصان طروادة قصف فصائل المعارضة التشادية المتمركزة في جنوب ليبيا.
وقد يقارن البعض التحرك الفرنسي الأخير بعملية برخان التي نفذتها فرنسا بطلب مالي سنة 2013، لكن الفارق الكبير أننا لا نستطيع الحديث هذه المرة عن طلب تشادي موجه لفرنسا. هناك فرق بين الطلب والتنسيق… الأجدى هنا الترجيح أن فرنسا نسقت فعلا مع تشاد متخذة رتل الأربعين شاحنة التابعة للمعارضة التشادية الذي استهدفته وسيلة لاستخدام ورقة الطابع الجهوي القبلي السياسي للموضوع لتقوية طرفها في المؤتمر الوطني الجامع وشيك الانعقاد. لكن تقاطعات المصالح الإقليمية ليست بمثل هذه البساطة، ومخطئ من يعتقد، كما بينته خبيرة قضايا الإرهاب الفرنسية آن جيوديتشلي، أن استراتيجية الاعتماد على ذات المجموعة لدحض تلك، أمر يمكن اعتباره تحالفا قابلا للتعويل على المدى البعيد. فرهان من يعتقد أن بالإمكان الاستقواء بقبيلة أولاد سليمان التي يعتمد عليها حفتر لإخماد نفوذ قبيلة التبو في جنوب ليبيا، رهان من يغرق حتى النخاع في حسابات بيزنطية لا يمكن أن تبنى عليها أية حسابات طويلة الأمد.
حسابات طويلة الأمد كان بإمكان فرنسا أن تبنيها أكثر لو التزمت بخطها الأصلي والرسمي، أي مساندة حكومة الوفاق المعترف بها دوليا…
فأين كانت فرنسا مثلا في عملية البنيان المرصوص سنة 2016؟
لا استقرار في ليبيا دون استقرار النهج الدبلوماسي الذي أقره اتفاق الصخيرات. ولن يجدي نفعا الفراغ الذي تحاول خلقه فرنسا بمحاولة فتح جبهة جديدة في جنوب ليبيا… ولا الفراغ الذي خلقه السراج هناك فترك الحبل على الغارب فأرخاه لرهانات خارجية لا أعتقد أن تكتب لها نتيجة.
باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي
القدس العربي
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews