تعزيزاً لمكانته في لبنان.. “حزب الله” ومحاولته التوازن بين الردع والاحتواء
مر أسبوع كامل بين الهجوم المنسوب لإسرائيل في دمشق الذي قتل فيه ناشط لحزب الله، والمواجهة القصيرة التي حدثت أول أمس على الحدود الشمالية بين إسرائيل وحزب الله. استعدت إسرائيل في هذه الأيام لكل سيناريو، لكنها لم تعرف ما السيناريو الذي سيختاره حسن نصر الله. ما زال على إسرائيل حتى الآن أن تقدر إذا ما كان نصر الله استكمل ثأره أم عليها الانتظار إلى حين سقوط الحذاء الثاني.
التقديرات بالنسبة للرد المتوقع استندت إلى تجربة الماضي، وبالأساس الاعتراف بأن حزب الله تنظيم عقلاني. أي أن التنظيم هو تنظيم سياسي وليس تنظيماً عسكرياً، حيث إنه مقيد بتشابك معقد من الأزمات السياسية والاقتصادية، وأن مكانته في لبنان لا ترتكز فقط على قدرته على استخدام إسرائيل ضد أهداف مدنية في لبنان، وبهذا يهدد استقرار النظام الذي هو نفسه شريك فيه. هذا تنظيم، مثل حكومة إسرائيل، يجب عليه الاهتمام برد الجمهور في لبنان الذي يعتبره أحد المتهمين الرئيسيين في انهيار اقتصاد الدولة.
ولأنه يمسك بيديه ملفات رئيسية في الحكومة، منها ملف الصحة المسؤول عن معالجة فيروس كورونا، فإن حزب الله يؤيد طلب الحكومة للحصول على مساعدات من الغرب – قرض من صندوق النقد الدولي وهبات من دول أوروبية تعهدت قبل نحو سنتين بأن تحول إلى لبنان نحو 11 مليار دولار. هذا التنظيم، حسب التقديرات، لن يغامر بحرب أو بردّ يجر إلى حرب.
منطق حزب الله يلزمه بأن يجري أمام إسرائيل ميزان ردع عسكري، إلى جانب الاحتواء أيضاً. نصر الله يرسم بين هذين الأمرين خطاً تمييزياً واضحاً وحاداً. تحولت طلعات سلاح الجو في سماء لبنان إلى ظاهرة مستوعبة لا تحظى برد من التنظيم. كذلك أيضاً هجمات إسرائيلية في الأراضي السورية حتى لو كانت موجهة ضد قوافل سلاح لحزب الله أو مخازن سلاح وذخيرة يملكها حزب الله في سوريا. وأما الخوف من أن يعمل حزب الله ضد إسرائيل كمبعوث لإيران ويرد بدلاً منها على الهجمات المنسوبة لإسرائيل، فلن يتحقق.
في كل ما يتعلق بالردع، يتصرف حزب الله كتنظيم يدير حساباً خاصاً مع إسرائيل، وليس كفرع لدولة معادية. هكذا كان الأمر عندما نفذ اختطاف الجنود في صيف 2006، الذي أدى إلى حرب لبنان الثانية، وهي عملية استهدفت بالأساس تسوية الحساب مع إسرائيل على اختطاف نشطاء حزب الله واعتقال سمير قنطار. وقبل أشهر من ذلك، أوضح نصر الله ورئيس حكومة لبنان، فؤاد سنيورة، بأن هذا الحساب أمر بين التنظيم وإسرائيل وليس له صلة بحكومة لبنان. نصر الله أخطأ، ومثلما اعترف بعد فترة طويلة على حرب لبنان، فإنه لو عرف بنتائج عملية الاختطاف لما كان نفذها.
ليس بالضرورة قبول أقواله بحرفيتها في حينه، ولكن منذ ذلك الحين أدار حزب الله نشاطاته ضد إسرائيل على أساس الرؤية التي تقول بأنه يجب أن يرفق، بالردع، مستوى معيناً من الاحتواء، الذي بدونه قد يجد نفسه في حرب متواصلة ضد إسرائيل دون نقاط للخروج، وأن يؤدي إلى انهيار قاعدة قوته السياسية في لبنان. وإشعال الرد الإسرائيلي الأوتوماتيكي في أي لحظة يخطر ببال نصر الله أن يفرض سيطرته على مستقبل لبنان بدأ بالعمل ضده، حيث يهدد مشروع نشر الصواريخ الذي تحول إلى مخزون استراتيجي وجزء لا ينفصل عن ميزان الردع، لكنه محمي من سياسة الاحتواء التي يتبعها التنظيم. هذه السياسة هي التي منعت ضرب إسرائيلي لقواعد الصواريخ التابعة للحزب في لبنان حتى الآن، رغم أنها تشكل تهديداً أكبر على إسرائيل من التهديد الذي تشكله مخازن الصواريخ في سوريا التي تقصفها بشكل حر.
“إسرائيل مصممة أكثر من أي وقت مضى على منع المس بسيادتها أو جنودها، وبالتأكيد بمواطنيها”، أعلن وزير الدفاع بني غانتس بحزم في تصريح مشترك له مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أول أمس. “لبنان وسوريا دولتان سياديتان وتتحملان مسؤولية أي عملية إرهابية تحدث على أراضيهما”. ومن المثير للاهتمام أنه لم يحذر حزب الله، بل تطرق إلى سوريا ولبنان بصفتهما دولتين سياديتين، وإسرائيل تتعامل مع هذه السياسة بصورة انتقائية. في سوريا التي تسيطر فيها روسيا فعلياً، إلى جانب مساعدة إيران، تتصرف إسرائيل معها وكأنها غزة، تدخل وتخرج دون انتظار دعوة مع خرق فظ للسيادة. وفي الوقت نفسه، هي حذرة من مهاجمة أهداف للنظام السوري خوفاً من فقدان الإذن بالعمل الذي أعطته لها روسيا. أما بالنسبة للبنان، تلك الدولة الأخرى التي تعتمد سيادتها على ضبط النفس، لا تزال إسرائيل تتعامل برهبة بسبب ميزان الردع أمام حزب الله، ولأنها ملتزمة بسياسة ضبط النفس. هذه هي الطريقة التي يعمل بها الأعداء العقلانيون.
ميزان الاحتواء يبدو أقل ردعاً أو عنفاً من ميزان الردع، ويتميز بألوان ضبط النفس، والاحتواء والامتصاص. ويبدو أنه لا يناسب دولة تسعى إلى تخويف التنظيمات ودول المنطقة، ولكنها السياسة التي تتعامل بها إسرائيل مع حماس. يبدو أنها تهاجم غزة في كل مرة يطلق منها صاروخ على إسرائيل، لكنها فعلياً قررت في حالات كثيرة امتصاص النيران وعدم الرد، عندما خدم الاحتواء مصالحها السياسية أو العسكرية. لقد سلمت بسيطرة حماس على القطاع وحولتها إلى شريكة غير مباشرة في جهود ترسيخ التهدئة، وسمحت بتحويل ملايين الدولارات لقيادة حماس، ولم يعد يسمع منذ فترة طويلة الحديث عن تصفية حماس. هذه السياسة ليست مرفوضة، بل حيوية، سواء أمام حماس أو حزب الله، إذا كانت إسرائيل تسعى إلى منع اندلاع حرب.
هآرتس
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews