نتنياهو… من الزعامة إلى شخص منبوذ يجب تغييره
من طيران العصفور تبدو كل الاحتجاجات متشابهة؛ فالجموع الكثيرة تكتظ في الميدان، ترفع اليافطات، تطلق الصرخات. هكذا في تموز 2011، وهكذا في تموز 2020. غير أننا كلما خفضنا الطيران سنلاحظ بأنه ليس هو اليأس ذاته، وليست هي هتافات النجدة ذاتها، وليس الغضب منفلت العقال ذاته.
في 2011 دوى نداء “الشعب يريد عدالة اجتماعية” بقوة في ساحات المدن؛ أما “العدالة الاجتماعية” اليوم فتبدو كترف لا أحد يحلم به. وبدلاً منه، بات الكفاح على كسرة الخبز (“خرطة” تساحي هنغبي)، وعلى العيش وهواء التنفس.
كان المعطى المخيف في حينه هو معدل ارتفاع أسعار الشقق، أما اليوم فهو عدد الخاضعين للتنفس الاصطناعي: العشرات مع الأكسجين في المستشفيات، مئات الآلاف مع أكسجين مشكوك فيه من 1.800 شيكل إلى الوريد الاقتصادي للاقتصاد المنزلي المنهار.
في حينه، كان الشبان خائبو الأمل هم الذين فعلوا كل ما هو متوقع منهم (خدموا، تعلموا، عملوا، أقاموا عائلة)، غير أن إرادتهم الطيبة تحطمت أمام نموذج اقتصادي متحجر وانغلاق حس سلطوي. أما اليوم فإن المجتمع الإسرائيلي كله هو الذي يندفع إلى الميادين، كل من خرب عالمه عليه دفعة واحدة. لا، هذا لم يحصل بسبب الفيروس الشرير، بل بسبب فيروس غرور الزعيم الأعلى، والتبطل السلطوي والإداري الذي جلبه علينا بكلتا يديه.
في حينه كان الاقتصاد “الماكرو” (بالمقاييس العمومية) مزدهراً، حتى أن “الميكرو” (بالمقاييس التفصيلية)، في واقع كل عائلة شابة، ولم تكن “الكوتج” (الجبنة المخثرة) فجأة في متناول اليد. أما اليوم فالأمر هو هذا وذاك معاً: الاقتصاد في هبوط حر، الناتج ينكمش، العجز يرتفع، البطالة تستشري، وكل هذه تقع بقوة زائدة على عالم كل فرد، عالم كل اقتصاد منزلي.
في حينه، كانت هناك أجواء شبه احتفالية، وإحساس بأن حصل شيء ما – الشبان يأخذون مصيرهم بأيديهم، يشعلون الخيال، يريدون أن يؤمنوا بأن العدالة الاجتماعية كفيلة بأن تخطو هنا أيضاً. أما اليوم، فالإحساس ثقل عظيم، إحساس يأس وضياع.
رغم خيبات الأمل، نجح الاحتجاج في حينه في إحداث تغييرات غير قليلة: فأرباب المال فقدوا الارتفاع، والخطاب الجماهيري تغير في صالح مواضيع اجتماعية، وطبق قانون التعليم المجاني لأطفال 3 – 4 سنوات. ولكن الحكومة لم تغير القرص: صورة “السمين والنحيف” التي ألصقها نتنياهو في حينه كوزير للمالية (مواصلة تجويع القطاع العام في صالح القطاع التجاري) واصلت تصدر السياسة. ولهذا، فإن خدمات الصحة، والتعليم، والمواصلات، والإغاثة، واصلت التدهور. والكلفات الإضافية واصلت وقوعها على كاهل العائلات.
أعترف أنى في 2011 وقعت في خطيئة السذاجة: آمنت بأن كانت هناك إمكانية لترجمة الاحتجاج لسياسة اقتصادية – اجتماعية أخرى، تبعث على الأمل. غير أن هذا الإيمان تحطم على صخرة الحقيقة العتيقة: “قد تأتي بالحصان إلى النهر، ولكن لا يمكنك إجباره على الشرب”. بمعنى، أنه يمكن رسم الطريق بل وحتى دفع الحكومة إلى اتخاذ القرارات، ولكن إذا كانت هذه تتعارض مع المعتقدات أو المصالح السياسية الضيقة لمن هو على رأس الهرم، فلن يحصل هذا. أما اليوم فالسذاجة ليست خياراً، إذ ليست المشكلة في غياب المسارات الحكيمة للتصدي للأزمة، بل في الحكومة المتضخمة التي تتصرف كحفلة أقنعة تنكرية (بكل معنى الكلمة) في التايتنك الغارقة.
اليوم، بعد أن تدهورنا إلى هوّات لا يمكن تصورها، وحين بات واضحاً لدرجة لا يرتقي إليها الشك بأن التدهور لم يكن واجب الواقع، بل من فعل الحكومة ومن يقف على رأسها، لم يتبق سوى إمكانية واحدة: ألا نحاول اقتياد الحصان إلى النهر مرة أخرى، بل علينا تغيير الحصان، وبسرعة.
علينا ألا ننسى: صحيح أن رئيس الوزراء، سواء في حينه واليوم أيضاً، هو ذاته من يمسك بالدفة، ولكن لأسفي الشديد، فإنه ليس الشخص ذاته على الإطلاق. ففي حينه، كرس نتنياهو نفسه أساساً لتحقيق مواضيع قومية عظيمة الأهمية، فكان يمكن الاختلاف معه في الرأي ولكن لا يمكن الاختلاف على أنه عبر عن قدرات مذهلة لزعيم مجرب، قوي، حاد الرؤية. أما اليوم فيدور الحديث عن شخص مطارد، منقطع، بل ووحشي، يتكرس كله بكليله لهدف واحد فقط، هو بقاؤه بكل ثمن، وليس هناك أكثر خطراً من هذا. والأمر خطير بأضعاف عندما يكون الشخص ذاته هو الذي يصر على قيادة القارب في المياه العاصفة للأزمة (غير الأمنية) الأخطر التي ألمت بإسرائيل منذ الأزل.
يديعوت
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews