إيران… بين أزمة اقتصادية وصراع سياسي ساخن
“حاولت إيران حتى الآن التعايش مع الأزمات المتفجرة والظروف غير المتوقعة. ولكن اجتياز الخطوط الحمراء للجمهورية الإسلامية من جانب أعدائها، خاصة الكيان الصهيوني، سيجبرها على تغيير استراتيجيتها”، هذا ما كتب في مقال نشر في وكالة الأنباء الإيرانية كرد على الانفجارات والحرائق التي حدثت الأسبوع الماضي. في أحد الانفجارات أصيبت المنشأة العسكرية في برتسين. وفي الانفجار الثاني أصيب مبنى استخدم كما يبدو لتركيب أجهزة الطرد المركزية من الأنواع الحديثة، ما أدى -حسب مصادر إيرانية- إلى أضرار كبيرة. وفي الحادث الثالث حدث انفجار في عيادة خاصة، قتل فيه 19 شخصاً.
لا تقدم إيران أي معلومات عن سبب الانفجارات “لأسباب أمنية”، ولكن حسب أقوال المتحدثين باسمها، هي تعرف كيف تم تنفيذها، وقريباً ستنشر المعلومات، حتى لو كانت على الأقل رسمياً لا تنسبها لجهة ما. إن مقال وكالة الأنباء الإيرانية هو التصريح العلني الأول بأن إيران تربط بين الانفجارات وإسرائيل و/ أو الولايات المتحدة. وتغيير الاستراتيجية الذي يرمز إليه كاتب المقال يستهدف القول بأن إيران من شأنها أن ترد على من يثبت أنه المسؤول عن هذه النشاطات. ولكن ليس في هذه الأقوال أي جديد بالنسبة لتصريحات سابقة، بما في ذلك التصريحات التي رافقت تصفية الجنرال قاسم سليماني في كانون الثاني.
إذا حكمنا على الأمور حسب الأجندة السياسية والإعلامية في إيران، فإن هذه الانفجارات “الغامضة” لا تقف على رأس الخطاب العام أو الانشغال السياسي. أمس، شعر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بغضب أعضاء البرلمان، عندما أطلقوا نحوه هتافات “كاذب”، في جلسة للبرلمان حضرها لتقديم تقرير عن التطورات السياسية، ثم قاطعوه بهتافات “لا نريد سماع أقوالك الكاذبة”، وكان هناك من طالبوا بـ”الموت للكاذب”.
إن غضب إعضاء البرلمان، إضافة إلى أنه تعبير عن الصراع السياسي ضد حكومة حسن روحاني، يعبر عن الإحباط من عدم وجود حل للأزمة الاقتصادية الشديدة. حاول ظريف الشرح بأن ثمة مفاوضات حثيثة تجري مع دول كثيرة، خاصة الدول الأوروبية والصين وروسيا، لإيجاد طرق لتجاوز العقوبات الأمريكية، حتى أنه نجح في التوقيع على صفقات تجارية بعملة غير الدولار، ولكن هذه الأقوال لم تقنع خصومه. “هل كان انخفاض سعر الريال إلى 210 آلاف مقابل الدولار نتيجة اتصالاتك السياسية؟” سئل ظريف.
رئيس البرلمان الجديد محمد باقر قاليباف، المحافظ الذي يخطط للتنافس على الرئاسة في انتخابات حزيران 2021، اقترح تغيير اسم وزارة الخارجية إلى “وزارة الخارجية والتجارة الدولية”؛ لأن “الحرب التي نخوضها الآن هي حرب اقتصادية”. ذكّر ظريف أعضاء البرلمان بأن “جميعنا في القارب نفسه، الأمريكيون والكيان الصهيوني لا يميزون بين المحافظين والإصلاحيين، بين الثوريين وغير الثوريين. علينا إظهار التضامن والاتحاد”. ولكن الوحدة والتضامن ليسا جزءاً من القاموس السياسي في إيران الآن. ولم يذكر أي عضو من أعضاء البرلمان تلك الانفجارات.
إذا كانت الأزمة الاقتصادية جزءاً من “الأزمات المتفجرة والظروف غير المتوقعة” التي تطرق إليها المقال في وكالة الأنباء الإيرانية، فإن كورونا التي تسجل أرقاماً قياسية جديدة في إيران تهدد أكثر من العقوبات. عدد الوفيات الذي وصل إلى أكثر من 11 ألف شخص، وتفشي الوباء مجدداً في المدن التي ظهر أنها تخلصت من الفيروس، سيجبران الحكومة على إغلاق محافظات ومدن مرة أخرى بعد أن سبق وأعلنت عن فتح كامل تقريباً للاقتصاد فيها. وهذا يتوقع أن يزيد من الإحباط واليأس والاستعداد لتمرد المواطنين. خصوم روحاني يحاولون إلقاء المسؤولية عليه وعلى حكومته عن إخفاقات معالجة كورونا، ولكن الزعيم الأعلى في نهاية المطاف هو الذي سيقف في مواجهة الانتقاد العام.
إن ذلك الاختراع المعروف الذي تبحث فيه الحكومات عن عدو خارجي للانقضاض عليه لحرف الانتباه عن إخفاقاتها، لا يبدو أن إيران ستستخدمه الآن حتى بعد الانفجارات. فإيران تدير الآن صراعاً شديداً ضد جهود الولايات المتحدة لتمديد سريان الحظر على السلاح التقليدي الذي فرض على إيران، والذي يمكن أن ينتهي في تشرين الأول المقبل. ويحاول وزير الخارجية ظريف أن يجند الدول الأوروبية والصين وروسيا ضد الأمريكيين، ويبدو أن هذه الدول ستصوت ضد مشروع القرار الأمريكي في الأمم المتحدة حتى بدون الضغط الإيراني، وحتى بسبب أن تولى دونالد ترامب ووزير خارجيته بومبيو إدارتها.
وطالما ظلت الجهود الدولية جارية فثم شك في رغبة إيرانية لإلقاء عمل عسكري يضر بجهودها في الساحة الدولية. في الواقع يمكن لإيران أن تستخدم المليشيات الشيعية في العراق مرة أخرى لضرب الأهداف الأمريكية. ولكنها بذلك قد تثير الولايات المتحدة التي تجري مفاوضات حثيثة مع الحكومة العراقية حول ترتيبات وجود قواتها في العراق. إضافة إلى ذلك، تعمل حكومة مصطفى الكاظمي مؤخراً ضد المليشيات الشيعية بصورة حثيثة أكثر، وإن نشاطاتها ضد أهداف أمريكية فقط سيعزز الحكومة العراقية في العمل ضدها. إلى جانب هذه الاعتبارات، فإن إيران، مثل كل دول العالم، تنتظر الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وفترة الانتظار هذه ستجبر إيران على تقييد نشاطاتها العسكرية لتمهيد الأرض لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة في عهد إدارة بايدن. ولكن هذه الاعتبارات قد تبلور فرضية عمل في إسرائيل وأمريكا تقول إن هناك فرصة لعمليات عسكرية ضد إيران. هذه فرضية خطيرة؛ ففي الصراع السياسي الساخن الجاري في إيران هذه الأيام، فإن أي رد “وطني مناسب” ضد الأعداء، يمكن أن يخدم الجهات المحافظة التي تعززت قوتها بعد الانتخابات البرلمانية. المنطق السياسي الذي يوجه روحاني وحكومته قد لا يكون كافياً أمام خصومه الذين يبحثون عن رأسه.
هآرتس
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews