رسالة “فلويد” إلى “الحلاق” الفلسطيني: ألا يزال قاتلاك الإسرائيليان يمارسان حياتهما كالمعتاد؟

قتل جورج فلويد قبل شهر على أيدي شرطي أبيض، ومنذ ذلك الحين وأمريكا هائجة. غداة عملية القتل أُقيل رجال الشرطة الأربعة الذين تورطوا في الحادثة من شرطة مينابولس. وبعد ثلاثة أيام اتهم الشرطي الذي قتل فلويد من الدرجة الثالثة، واستبدل بعد أربعة أيام بقتل من الدرجة الثانية، ووجهت لرجال الشرطة الثلاثة الآخرين تهمة المساعدة في القتل.

قبل عشرة أيام قتل رايشر بروكس، أمريكي أسود من أطلنطا، بنار رجل شرطة أبيض قام بمطاردته بعد أن خطف منه بروكس المسدس الدمية. وأثناء هربه حاول تشغيله. وبعد 24 ساعة على الحادثة، استقالت المفتشة العامة لشرطة أطلنطا. وبعد أربعة أيام وجهت إلى الشرطي الذي أطلق النار تهمة القتل العمد.

قبل 23 يوماً، أطلق جندي من حرس الحدود النار على إياد الحلاق، الفلسطيني من سكان شرقي القدس، فقتله. أطلق عليه سبع رصاصات وهو في طريقه، مثل كل يوم في السنوات الست الماضية، إلى مركز “الوين” لذوي الاحتياجات الخاصة القريب. أصابته رصاصتان فقضتا عليه. ثم جرى تحقيق مع الشرطي الذي أطلق النار والضابط الذي كان معه، لكن لم تقدم حتى الآن لائحة اتهام ضدهما. قائد شرطة حرس الحدود في القدس لا يحلم بالاستقالة، ويعطي انطباعاً بأن نائب المفتش العام لم يشعر حتى بضربة خفيفة في الجناح، -كما قال قائد سلاح الجو السابق دان حلوتس- التي يشعر بها أي طيار يطلق صاروخاً يستهدف شخصاً فلسطينياً مطلوباً. حياة إياد الحلاق، الشاب الفلسطيني من ذوي الاحتياجات الخاصة، لا تساوي شيئاً: لا تساوي حياة آخرين يهود، بل لا تستحق محاسبة النفس، ولا تستحق إجراء تحقيق فوري وجدي والتقديم للمحاكمة، وبالأساس استخلاص العبر الشخصية من قبل سلسلة القيادة.

أحياناً يبدو أن هناك قسماً خاصاً لشرطة الهجرة، يهدف إلى منع دخول أشياء جيدة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل. موضة ثقافية وسياسية تشق الطريق طوال الوقت إلى الأرض المقدسة (حتى في فترة كورونا التي تغلق فيها الأجواء) من موطن الديمقراطية الدستورية، حركة حقوق المواطن وحركات مثل “مي تو”، والآن “بلاك لايز”. ولكن يبدو أن نفس رجال شرطة الهجرة الذين يمنعون نشطاء سلام وحقوق إنسان من الدخول إلى البلاد برعاية وزارة الرقابة السياسية (المعروفة أيضاً بـ “وزارة الشؤون الاستراتيجية”)، ينقبون جيداً في حقائب الأمريكيين ويسمحون للترامبية فقط وعنصرية التفوق الأبيض والكارثية والتحريض ضد حراس العتبة والصحف والجهاز القضائي، باجتياز فحص الحدود.

هكذا يحدث.. فالولايات المتحدة تصدّر لنا المشاكل من غير حلول، والشر بدون ثقافة مقاومته، واستقواء نظام رئاسي بدون كوابح وموازنات دستورية، والإصبع الخفيفة على الزناد ضد السكان الذين يعانون من الدونية والتمييز المنهجي بدون المطالبة العامة بمسؤولية من يرتدون الزي الرسمي. في المحاكم الجنائية الدولية والقضاء الجنائي بدول كثيرة في العالم ثمة ديمقراطية تسمى “مسؤولية القادة”. الفكرة هي أن القادة الذين لم يستخدموا وسائلهم المتاحة لمنع تنفيذ جرائم من قبل مرؤوسيهم، ولم يعطوا التعليمات المناسبة ولم يتأكدوا من أنهم لن يتصرفوا بصورة محظورة، سيكونون مسؤولين هم أنفسهم عن المخالفات التي ارتكبها مرؤوسوهم. مسؤولية حقيقية، مسؤولية جنائية.

هذه العقيدة غير موجودة في القضاء الإسرائيلي. ولجنة تيركل التي حققت في تناسب إجراءات التحقيق والتقديم لمحاكمة إسرائيلية لمتهمين بتنفيذ مخالفات ضد القانون الدولي، أوصت في العام 2013 بملء النقص، وتضمين القانون بمسؤولية القادة. في وزارة العدل حتماً قد ضحكوا عندما شاهدوا هذه التوصية. لجنة تطبيق تقرير تيركل (لجنة تشخنوبر) أخفتها تماماً.

فكرة مسؤولية القادة تنبع من فهم أنه طالما لا يتحمل قادة الهياكل التراتبية القائمة على استخدام القوة، المسؤولية عن أفعال مرؤوسيهم، فلن يكون بالإمكان مواجهة ميل المسلحين الشباب لاستخدام سلاحهم بشكل مبالغ فيه ضد أقليات ومجموعات سكانية ضعيفة.

يعتبر أمنية وضعٌ يطبّق فيه القانون الآن على رجال قوات الأمن في إسرائيل والأقل رتبة منهم. ولم يُسمع هنا أيضاً عن مسؤولية قيادية أساسية تطالب باستقالة القادة أو إقالتهم عندما يسيء مرؤوسوهم استخدام القوة القاتلة التي أعطيت لهم. هكذا، مرت 23 يوماً منذ إطلاق النار على إياد الحلاق وقتله في غرفة القمامة، قريباً من المؤسسة التي كان يعالج فيها. لم لم يتهم أحد بعد، بل ولا نقاش عن مسؤولية القادة. كل يوم يمر بدون أن تهتز كراسي جميع قادة الشرطي الذي أطلق النار، بدءاً من القادة المباشرين وحتى الذين يجلسون في هيئة القيادة القطرية، هو يوم يقربنا من القتل الإجرامي لإياد حلاق قادم.

هارتس