إسرائيل وأقطاب النزاع السوري: بين مصالح مشتركة مع روسيا ودائمة مع أمريكا وعداء مع إيران
قال وزير الدفاع المنصرف نفتالي بينيت إن الإيرانيين يبدأون بالانسحاب من سوريا. وكانت أقواله متسرعة بعض الشيء بل ولعلها زائدة من ناحية دبلوماسية، ولكنها ليست مغلوطة تماماً، إذ مثلما أكد رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت هذا الأسبوع في مقابلة صحافية، فإن أعمال الجيش الإسرائيلي منعت بالفعل النية الإيرانية للتموضع في سوريا ولفتح جبهة ضد إسرائيل من هناك. ففتح جبهة ضد إسرائيل في الحدود الشمالية تتطابق وإستراتيجية طهران لتقريب الحرب بأكبر مسافة ممكنة من أراضي إسرائيل، كجزء من خطة أوسع للجنرال قاسم سليماني، الذي صفاه الأمريكيون في بداية هذه السنة وإحاطة دولة إسرائيل بخاتم خنق يؤدي إلى خرابها. وقرأت الحكومة برئاسة نتنياهو النوايا الإيرانية على نحو صحيح وقبل نحو ثلاث سنوات، وبتعاون كامل مع القيادة العسكرية، اتخذت “قراراً كبيراً”، على حد قول رئيس الأركان السابق، للعمل هجومياً ضد المبادرات الإيرانية. وتتواصل هذه الأعمال اليوم أيضاً، وحسب “الإيكونومست” البريطانية فإن “الغارات الإسرائيلية الجوية … تجعل من الصعب على إيران تثبيت مكانتها في سوريا”.
وعلى أي حال، إذا كانت الحرب هي “استمرار للسياسة بوسائل أخرى” مثلما كتب الجنرال الألماني كلاوزفيتس في حينه، فلا يمكنها أن تكون منقطعة عن الجوانب السياسية التي تنطوي على إدارتها، وفي الحالة موضع البحث، فإن مصالح روسيا وإيران هي في سوريا (الولايات المتحدة منذ إدارة أوباما، وكذا في إدارة ترامب، التي أصبحت لاعبة ثانوية نسبياً).
في البداية كانت روسيا وإيران حليفتين شبه كاملتين في سوريا، ولا سيما حين كان يخيل أن الحرب الأهلية هناك ستضع حداً لحكم الرئيس الأسد، الذي رغبت الدولتان في بقائه، وتخوفتا من أن تعيد هزيمته النفوذ الأمريكي إلى سوريا، ولا سيما في المجال الاقتصادي. وتوزعت الأدوار بين موسكو وطهران: إيران وفرت القوى البشرية (حزب الله ومنظمات شيعية مختلفة) مما رجح الكفة في المعارك، وروسيا بسطت المظلة الجوية التي ضمنت لقوات الأسد وحلفائها التفوق. أما الآن، كما كتب في تحقيق سياسي حديث نشر هذه الأيام، “فثمة أسباب وجيهة للتوقع بأن تؤدي الأهداف المختلفة لموسكو وطهران والفوارق الاستراتيجية والمصلحية بينهما، إلى دنيامية جغرافية سياسية جديدة”. وحسب هذا التحليل وتحليلات من مصادر أخرى، ترى موسكو في الرئيس السوري جزءاً من مهمة شاملة لضمان مكانها كقوة عظمى عالمية، وأحد شروط ذلك هو التواجد والنفوذ السياسي في الشرق الأوسط على كل الجهات العاملة فيه – بما فيها إيران، ولكن إسرائيل أيضاً (والسعودية ومصر) التي تعد العلاقات معها وأمنها في نظرها عناصر مهمة لتحقيق مراميها العامة في الشرق الأوسط. وذلك بينما ترى طهران، كما أسلفنا، في سوريا قاعدة عسكرية متقدمة ضد إسرائيل.
منذ كانون الثاني، تحدث نائب وزير الخارجية الروسي سيرجيه ريفكوف، فقال إنه “لا يوجد حلف بين روسيا وإيران على المستوى السوري”. فإضافة إلى المسائل السياسية والعسكرية، توجد بالطبع مصالح اقتصادية متضاربة، بينما تسعى سواء موسكو أو طهران لأن تضمن لنفسها النصيب الأكبر في إعادة الإعمار الاقتصادي لسوريا بعد الحرب الأهلية. موضوع آخر ينطوي على احتمال المواجهة هو أن موسكو بدأت بالتشكيك في فضائل استمرار حكم الرئيس الأسد بينما ترى فيه طهران حليفاً مريحاً من ناحية انتمائه العلوي أيضاً، لتثبيت مكانتها في المنطقة. لا يدور الحديث عن شرخ أو قطيعة مطلقة، فلا تزال هناك مصالح مشتركة.
تتمثل الحكمة السياسية بالمبادرة إلى خطوات دبلوماسية، وباستغلال أوضاع أصلها في اعتبارات ومصالح الجهات المختلفة. الإنجاز السياسي والأمني الأساس لنتنياهو في هذه الفترة كان في فهم الجوانب المختلفة للواقع الجغرافي السياسي في الشرق الأوسط، وفي استنفاد الخطوات السياسية والأمنية الصحيحة النابعة عن ذلك، وهي خطوات سمحت بـ “الإجراءات الكبرى” التي تحدث عنها رئيس الأركان السابق، وأثارت حفيظة من كان حتى وقت أخير رئيس لجنة الأمن القومي والعلاقات الخارجية في البرلمان الإيراني، الذي على حد قوله: “يبدو أن هناك تنسيقاً بين إسرائيل ووحدات الدفاع الجوي الروسية في سوريا”. لا يمكننا أن نعارض أو نؤكد ادعاءاته، ولكن يمكن بالتأكيد القول إن تحقيق الأهداف الأمنية الحيوية لإسرائيل، في ظل التوازن العملي بين المصالح الاستراتيجية العملية المشتركة مع روسيا وبين المصالح الاستراتيجية الدائمة مع الولايات المتحدة، هو الإنجاز الذي سيدرسه طلاب التاريخ والسياسة في المستقبل.
معاريف
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews