هل يختلف ضم مستوطنات الضفة عن ضم الغور… إسرائيلياً؟
يتحدث الجميع عن السيادة والضم، مع وضد، في ظل تجاهل حقيقة أن هناك إمكانيتين مختلفتين في معناهما وتأثيرهما على مستقبل إسرائيل: واحدة متواضعة نسبياً، وأخرى ثورية في آثارها، و”خطة القرن” تسهل السعي إلى كليهما. ومرغوب فيه استخدام هذا الدعم كورقة مساومة، ولكن يجدر في التنفيذ التركيز على واحدة والاعتراف بالكلفة التاريخية التي لا تطاق للأخرى.
الإمكانية الثورية تتعلق ببسط السيادة الإسرائيلية على كل البلدات القانونية التي أقامتها إسرائيل في يهودا والسامرة تمييزاً لها عن البؤر الاستيطانية غير المسموح بها. في الخطة تطرح الإمكانية في أن تكون كل هذه البلدات، بما فيها تلك المقامة في قلب المنطقة المخصصة للفلسطينيين، كجيوب سيادية لإسرائيل في البلدات نفسها. المعنى العملي لبسط السيادة وفقاً لهذه الصيغة، هو ضم نحو مليونين ونصف فلسطيني لإسرائيل بشكل يعرض طابعها اليهودي والديمقراطي للخطر. حتى لو كانت هناك معاذير قانونية وحجج ذكية كي لا يستحق سكان الجيوب الفلسطينية في أرجاء الضفة الغربية المواطنة الإسرائيلية ولا يسمح لهم بالانتخاب للكنيست، فكل هذه ستفشل في إقناع الجهة الوحيدة المقررة حقاً: مواطني إسرائيل أنفسهم.
إن النواة الصلبة من النخب الأوروبية و”التقدمية” بصفتها هذه (بما في ذلك فروعها في إسرائيل) تتهم إسرائيل بالأبرتهايد بكل الأحوال، وفقاً لمعاييرها الطاهرة. فمع أنها تركت القطاع قبل عقد ونصف، فإن هؤلاء يدعون حتى اليوم بأن إسرائيل مسؤولة عن مصير سكان غزة ويفترون وكأن هذا “حصار”، يتجاوز احتياجات صرفة للدفاع عن النفس. فهؤلاء لا يمكن إقناعهم، كونهم ينحصرون في ذواتهم أكثر مما يواجهون الواقع. هؤلاء يجدر أن تتجاهلهم دولة تحب الحياة. السؤال الحاسم هو: كيف سيرى هذا الوضع التيار المركزي للجمهور الإسرائيلي؟ ليس أولئك الذين في اليمين، المستعدين لأن يتحملوا المسؤولية عن مصير الفلسطينيين من أجل تحقيق حق الشعب اليهودي في بلاد إسرائيل الكاملة ومن أجل تعزيز الأمن كما يرونه، بل وكذلك أولئك في اليسار ممن يرفضون كل تسوية لا ترضي الفلسطينيين ولا تتساوى فيها مكانة الكيانين السياسيين غربي النهر، وأولئك الذين يحققون الرضى الذاتي من الإحساس بالذنب على “الاحتلال”.
الإسرائيليون سيحسمون: أولئك الذين لا يريدون أن يحكموا ملايين الفلسطينيين رغم أن لهم صلة صحية لبلاد إسرائيل والاستيطان في أرجائها؛ أولئك الإسرائيليون المستعدون للحل الوسط التاريخي، رغم علمهم بالمخاطر الأمنية للخروج من معظم يهودا والسامرة، وإن لم تكن لهم أي ثقة بالفلسطينيين. هؤلاء يؤيدون ترتيبات أمنية متشددة تمنع السيادة الكاملة عن الجيران العنيفين ورافضي كل الحلول الوسط كي لا يتمكنوا من تعريض إسرائيل للخطر. هؤلاء الإسرائيليون، ولا سيما ذاك القسم الذي يحمل الدولة على كتفيه، سيفهمون بسرعة بأن مثل هذا الضم – السيادة على كل البلدات – يدخل ملايين الفلسطينيين إلى ديارهم. وآجلاً أم عاجلًا سيصبحون مغتربين عن هذه السياسة. وعندما يكون هؤلاء مغتربين، فإن إسرائيل لا تؤدي مهامها في داخل بيتها ولن تتمكن من مواجهة الضغوط المرتقبة من الخارج. من يعرف المجتمع الإسرائيلي، يعرف أن هذه ببساطة ليست سياسة قابلة للعيش. ومن يشكك يجدر به أن يتعلم الدروس طويلة المدى لحرب لبنان الأولى ويتصور ميلاً مشابهاً.
أما بسط السيادة الإسرائيلية على غور الأردن فهو مختلف جوهرياً. فطائله وكلفته ومزاياه جدية بفحص مفصل في إطار آخر. ولكن يمكن تشخيص المبدأ باختصار. يدور الحديث عن قاطع على طول نهر الأردن، السكان الدائمون الفلسطينيون فيه قليلون. هذا القاطع يفصل بين التجمعات الفلسطينية في الضفة وأعداء إسرائيل العرب والإيرانيين، بشكل يمنع الفلسطينيين من تحويل المنطقة التي تحت سيطرتهم إلى فرع لهؤلاء الأعداء في كل البلاد. لهذا السبب، ستطالب كل حكومة محتملة في إسرائيل بسيطرة إسرائيلية على هذا القاطع، بشكل يضمن أن تكون “الحدود الأمنية لإسرائيل هي نهر لأردن”. يحتمل خلاف على توقيت الخطوة وقلق في ضوء اضطرار الملك الهاشمي لأن يحتج عليها بشدة في نظر الرأي العام المتطرف في الأردن، ولكن في السياق العام، وحيال الإمكانيات الأخرى، فإن منفعتها واضحة وأضرارها قابلة للاحتواء.
إسرائيل اليوم
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews