بتوقيت القمر الاصطناعي.. وتمهيداً لـ 2021: الزعماء الإيرانيون يكافحون كورونا ويكافح بعضهم بعضاً
إعلان حرس الثورة الإيراني عن إطلاق ناجح لقمر اصطناعي عسكري إلى القضاء بعد ثلاث محاولات فاشلة، تنافس في هذا الأسبوع مع نبأ فتح الحوانيت. يصعب قياس درجة السعادة جراء هذا الإنجاز التكنولوجي، في حين كان من الأسهل مشاهدة شوارع طهران عن طريق الأفلام والصور وهي تعج بالجمهور، وكذلك أصحاب الحوانيت الذين تنفسوا الصعداء بعد فترة طويلة من الإغلاق. تحاول إيران العودة بحذر إلى الحياة الطبيعية، وهي تسجل انخفاضاً في عدد الوفيات والمصابين في اليوم. البيان الإجمالي اليوم يبلغ 5 آلاف حالة وفاة ونحو 85 ألف مصاب.
أما قسم الأبحاث في البرلمان الإيراني فقال إن البيانات الحقيقية هي ضعف البيانات التي نشرت. رئيس بلدية طهران يطالب النظام بأن يعرض بيانات المصابين في العاصمة بصورة منفصلة ولا يضمها إلى البيانات القطرية. لأن طهران -حسب رأيه- مصابة أكثر بكثير من أجزاء الدولة الأخرى. وقرار فتح الحوانيت، بناء على ذلك، قد يؤدي إلى إصابة أكبر في مدينته ويعرض مواطنين للخطر أكثر بكثير مما هو في مدن أخرى. ولكن عندما يقف النظام في مواجهة أزمة اقتصادية شديدة، وحسب المتحدث بلسان الحكومة، علي ربيعي، فإن نحو 7 ملايين عامل ومستقل تضرروا اقتصادياً بسبب كورونا، فإن من الحيوي إظهار وجود سيطرة على تفشي الوباء وعرض بيانات متفائلة لتجديد نشاط الاقتصاد.
مثلما في كثير من دول المنطقة، فإن البيانات تعد سراً كبيراً، وكأن الأمر يتعلق بمعلومات استخبارية ثمينة. ومثلما في إسرائيل والدول الغربية، فإن قرار العودة إلى الحياة الطبيعية أو “استراتيجية الخروج” خاضع لقرارات سياسية واقتصادية. من هنا، حيث توقيت قرار إطلاق قمر اصطناعي إلى الفضاء الآن بالضبط، والحديث عن إعطاء طائرات عسكرية بدون طيار من إنتاج ذاتي لسلطات الجيش، يريد القول للجمهور وللعالم بأن إيران تواصل حياتها كالمعتاد.
ولكن روتين الحياة اليومي هو الأمر الأخير الذي يميز إيران في هذه الأثناء. تجري داخل الحكومة مؤخراً مواجهة بين الرئيس حسن روحاني وحرس الثورة ووزارة العدل حول الطريقة التي أنفقت فيها الحكومة مليارات الدولارات التي خصصت لشراء السلع الأساسية. حسب تقرير مكتب المراقب المالي، فقد “اختفى” 4.8 مليار دولار من المخصصات للمستوردين والتي بيعت لهم حسب السعر الرسمي المنخفض كثيراً عن سعر الدولار في السوق الحرة. ويظهر التقرير بأن هذه الأموال أعطيت، لكن البضائع لم تستورد، وأن أموالاً كثيرة حولت إلى مستوردي السيارات الفاخرة خلافاً للتعليمات دون أن يقدم أي أحد تقريراً عن ذلك. روحاني الذي يعتبر هذا التقرير نية مسبقة للمس به وبحكومته، طلب معرفة لماذا لا يفحص المراقب السلوك المالي لحرس الثورة ووزارة العدل والجيش.
في البرلمان الإيراني بدأ الجناح المحافظ بحملة اتهامات ضد سلوك الحكومة في فترة أزمة كورونا، لأنها ترددت في تطبيق سياسة الإغلاق والعزل في مراكز الوباء، ولأنها لم تتزود مسبقاً بمعدات الحماية وأجهزة الفحص. والآن لأنها تسارع إلى فتح الحوانيت وتخاطر بتفش جديد للوباء.
من أجل الرد على هذه الادعاءات نشر هذا الأسبوع موقع “مهر” الإيراني قائمة طويلة من الخطوات التي اتبعتها الحكومة لمكافحة الفيروس، وذكرت بالتفصيل وحسب التاريخ تلك القرارات التي اتخذتها الحكومة لإغلاق المطارات والحدود، وإغلاق المدارس والجامعات، وتقييد الحركة بين المدن ومنع الحج إلى الأماكن المقدسة، وأيضاً برنامج المساعدة الاقتصادية الذي تم تنسيقه مع البنك المركزي. تقارير أخرى تتحدث عن أن روحاني أيد الحصول على مساعدات من الولايات المتحدة ومن أي دولة أخرى توافق على مساعدة إيران، لكن حرس الثورة والزعيم الأعلى وضعا فيتو على المساعدات الأمريكية. وقائد حرس الثورة اقترح بصورة ساخرة تقديم المساعدة للولايات المتحدة.
هذا الأسبوع عرض قائد حرس الثورة، حسين سلامي “اختراعاً” جديداً من إنتاج خبراء الثورة، وهو جهاز يمكنه اكتشاف إصابة شخص بالفيروس عن بعد 100 متر. العرض الذي تم بثه في التلفزيون الرسمي أثار المزيد من المواجهة بين حرس الثورة والحكومة، عندما هاجم المتحدث باسم وزارة الصحة قناة التلفاز لأنها تبث إعلانات دعائية على شكل اختراعات طبية. “إن جدوى الجهاز لم تثبت، ولم يحصل على مصادقة وزارة الصحة”، قال المتحدث، لكن حرس الثورة تمكن في غير مرة من جني مكاسب سياسية صغيرة، وبالأساس إظهار قدراتهم البحثية إزاء عجز الحكومة. بالمناسبة، اختراعات سابقة لحرس الثورة مثل كمامات خاصة وأجهزة تنفس، تم إهمالها لفترة قصيرة بعد لحظة من نشرها بسبب عدم مناسبتها.
المراوحة بين ضرورة كبح تفشي كورونا والحاجة إلى إعادة الاقتصاد إلى النشاط ومساعدة القطاعات التي تضررت بسبب التوقف، تجبر إيران على ايجاد قنوات تمويل جديدة تشمل إطلاق اليد إلى صندوق الاحتياط الوطني وإخراج مليار دولار منه. هذا “صندوق مقدس” تم ضخ فائض الأرباح التي جاءت إليه خلال سنوات من الفروق بين مداخيل النفط وميزانية نفقات الدولة، ووظيفته ضمان بقاء إيران في المستقبل وليس تمويل الحاجات الجارية التي يجب أن تمولها مداخيل الضرائب والتصدير.
للمرة الأولى منذ ستين سنة، تقدم إيران طلباً للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بمبلغ 5 مليارات دولار، الذي تعد المصادقة عليه مرهونة بموافقة أمريكية وما زال إعطاؤها غير واضح حتى الآن رغم الضغوط المستخدمة على واشنطن من الدول الأوروبية وأعضاء في الكونغرس. إضافة إلى ذلك، تدير إيران الآن مفاوضات مع الدول الأوروبية حول توسيع نظام استخدام العقوبات الأمريكية الذي بدأ هذا الشهر بصفقتين لبيع الأدوية. ولكن إذا تحققت خطوط التمويل هذه فستقف إيران أمام رزمة احتياجات ضخمة بعشرات مليارات الدولارات التي تعدّ ميزانية الدولة غير مستعدة لها. التقدير هو أن لإيران احتياطياً ضخماً في صناديق سرية مسؤول عنها الزعيم الأعلى علي خامنئي وحرس الثورة. ولكن السؤال هو هل سيقرر المس بها لمساعدة الحكومة على إدارة الدولة أم أنه سيفضل قضم مزيد من صندوق الاحتياط الوطني الذي لا يمس إفراغه بجيبه وبمقربيه.
الضغوط الشديدة من الداخل لا تدفع إيران لإجراء تغيير في سياستها الخارجية، سواء للبرنامج النووي أو بالنسبة لتدخلها في النزاعات الإقليمية في سوريا واليمن. في هذا الأسبوع، جرى لقاء افتراضي ثلاثي، إيراني – روسي – تركي، لمناقشة سياسة متناسقة في سوريا. أما تدخل إيران العميق في السياسة العراقية فلم يجمّد في أعقاب كورونا، وكذلك القتال في اليمن الذي يواصل فيه الحوثيون والقوات السعودية الاشتباك. “إيران تحارب الآن ضد فيروسين: الأول فيروس كورونا، والثاني فيروس العقوبات الأمريكية”، قال في هذا الأسبوع محمد وآزي، مدير مكتب الرئيس روحاني. ولكن إيران في هاتين الجبهتين تحتاج إلى الدعم الدولي الذي يمكن أن يلزمها بتليين مواقفها، بالضبط في السنة التي تستعد فيها للانتخابات الرئاسية المتوقع إجراؤها في حزيران 2021، وفي الوقت الذي تدل فيه الصراعات والمواجهات الداخلية على أن الحملة الانتخابية قد بدأت.
هارتس
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews