العهد الجديد للعمال البريطانيين
بدأ زعيم حزب العمال الجديد السير كير ستارمر عهده بإعلان حرب شعواء على ظاهرة معاداة السامية التي قسمت الحزب في زمن سلفه جيرمي كوربين. يقول ستارمر إن هذا “السم” يجب أن يزول تماما من الحزب. وبالتالي أصبح الذين ينتقدون إسرائيل باحتلالها وعنصريتها، هم الهدف الأول للفارس القادم على صهوة حقوق الإنسان. وأمام هؤلاء ثلاثة خيارات فقط، إما أن يصمتوا بمفردهم، وإما يرحلوا بصمت، وإما يُطردون شر طردة، كما يقال.
لا يبدو ستارمر عازما على متابعة الاصطفاف إلى جانب الفلسطينيين بذات الزخم الذي عرفه سلفه كوربين. ثمة أعضاء في حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني يقولون إنه رفض تسلم قائمة مطالبهم، ومن بينها التأكيد على حق العودة ورفض خطة الحكومة لتجريم مقاطعة الاحتلال. لكنه وافق على جميع مطالب الجالية اليهودية، وعلى رأسها التحقيق مع المتهمين بمعاداة السامية في الحزب ومحاسبتهم إلى حدود الطرد إن اقتضى الأمر.
في الواقعية السياسية التي يبدو أنها تروق لستارمر، تتمثل أولوية العمال برأب الصدع وتوحيد الصفوف. وبالتالي لا بد من إزالة كافة أسباب الشقاق والخلاف في الحزب. معاداة السامية طبعا أبرز هذه الأسباب ولكن تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هي التي تحتاج إلى عمل دؤوب وحنكة كبيرة.
قضية بريكست تسببت لحزب العمال قبل أشهر بأكبر خسارة في الانتخابات العامة منذ 30 عاما، لذلك فإن إعادة الحزب إلى المشهد السياسي تبدأ بتوحيد العمال ثانية حول هذه القضية. يحتاج ستارمر في هذا إلى مواقف واضحة من العلاقة مع الاتحاد الأوروبي مستقبلا، يجتمع حولها معسكرا البقاء والخروج في الحزب، وفي الوقت ذاته لا تغضب أرباب المال في البلاد.
الوصول إلى صيغة توافقية تجمع بين المؤيدين للبقاء، وستارمر من أبرزهم، وبين المؤيدين للخروج، هو على رأس أجندة الزعيم الجديد. ولكن ذلك لا يجب أن يتجاهل المحنة التي تمر بها البلاد في ظل وباء كورونا. يجب أن يضع العمال أزمة كورونا فوق أي اعتبار. لا فقط لأسباب إنسانية وأخلاقية، وإنما أيضا لأسباب سياسية تقول باختصار، إن أزمة الوباء ستشكل بوابة العودة لأكبر أحزاب المعارضة في البرلمان إلى المشهد السياسي في بريطانيا.
وسواء كان توحيد الصفوف من أجل مواجهة أزمة كورونا، أو المشاركة في رسم ملامح العلاقة المستقبلية مع الأوروبيين، فإنه يتوجب على زعيم العمال تذويب كل الانتماءات الدينية والقومية والمناطقية في الحزب لصالح الانتماء البريطاني. ولهذا لن تتغير سياسة الحزب في احتواء الجالية المسلمة عموما. على العكس من ذلك ربما يذهب ستارمر باتجاه تعقب ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تتمدد في حزب المحافظين، ويحاول الضغط على قادتهم أمام الرأي العام من أجل معالجتها، تماما كما فعلوا مع حزب العمال في أزمته مع مشكلة معاداة السامية. لن يتجاهل ستارمر المسلمين العاملين على خطوط المواجهة الأولى ضد كورونا.
ولن يتجاهل أيضا حقيقة أن المسلمين يشكلون الحاضنة الشعبية لقادة في الحزب مثل عمدة لندن صادق خان، وهم قوة فاعلة في دوائر انتخابية كثيرة. كما أن النسبة العظمى من شباب الحزب المسلمين يضعون بريطانيتهم فوق أي اعتبار، ويقدمون انتماءهم إلى الحزب والمملكة المتحدة على أي انتماء آخر.
لا يريد ستارمر أن يضحي بصوت واحد في الانتخابات العامة المقبلة. وفي سبيل ذلك يحتاج إلى توحيد عمال بريطانيا بكل خلفياتهم، قبل أن تفتح صناديق الاقتراع نهاية عام 2024. بلوغ هذه الغاية يعني أن يستعيد الحزب جاذبيته بالنسبة لهذه الفئة، ولكل الذين ينتمون إلى الفئات الفقيرة والمتوسطة، دون أن يضع الحزب في مواجهة فجة مع أرباب المال، كما فعل سلفه. يحتاج الزعيم الجديد إلى الوسطية التي اتبعها رئيس الوزراء الأسبق طوني بلير في التعامل مع قطاع الأعمال، خاصة وأن العالم يعيش أزمة تبدو أشد وطأة من الأزمة المالية عام 2008.
ربما تحمل أزمة كورونا فرصا للعمال في تحقيق بعض أحلام التأميم التي يتطلعون إليها منذ زمن في بعض المجالات مثل النقل والبريد. ولكن يتوجب على ستارمر أن يكون حذرا في طرح وتسويق خططه التأميمية، لأن الاشتراكية ليست الوصفة المثالية للظفر بقلوب البريطانيين حتى في أوقات الأزمات.
تحديات العهد الجديد لأكبر أحزاب القارة الأوروبية في تعداد أعضائه كثيرة جدا. أكثر من ربع مليون عضو في الحزب فضلوا أن تبقى قيادته ذكورية في هذا العهد. واختاروا ستارمر رغم أنه لا يمتلك الكاريزما التي تتمتع بها منافستاه ريبيكا لونغ بيلي وليزا ناندي. لسان حال العمال يقول إن الحزب يريد فارسا يفعل ما يقول، وعلى كير ستارمر الآن إثبات أن زمن الفرسان لم ينته بعد.
العرب اللندنية
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews