بطل نيويورك الصاعد منافسا لترامب

من تراكمات حال الفوضى وتلاطم المشاعر بين خوف واكتئاب وحيرة وحذر من المجهول، وفي قلب الكارثة الإنسانية التي نتجت عن اجتياح فايروس خبيث لكوكب الأرض ناشرا الموت أينما حلّ، ومن مدينة أم الكوارث نيويورك، يسطع نجم حاكم الولاية أندرو كومو من رماد هذا القلق والرعب اللذين يجتاحان ولايته، كما الولايات المتحدة كافة، بعد أن أصبحت الدولة الأولى في العالم في عدد الإصابات بفايروس “كوفيد – 19”.

فقد غدت المؤتمرات الصحافية اليومية للحاكم كومو ضرورة وحاجة يومية للإعلام من جهة، وللمواطن الأميركي من جهة أخرى. في نيويورك مدينة الحيوية والأضواء و”التفاحة الضخمة” كما يحلو للأميركيين نعتها، هي الآن صاحبة أعلى رقم في إصابة سكانها بفايروس كورونا، بل الأعلى في رقم الوفيات على مستوى الولايات الأميركية بأسرها.

وبينما تستعد نيويورك بحزن ورعب لتصل إلى الذروة في عدد الإصابات في الأسابيع الأولى من شهر أبريل، فإن الأنظار تتجه بكليّتها لمتابعة إدارة كومو لهذه الأزمة غير المسبوقة، وكيف سيقوم وفريقه في خلية الأزمة من المختصين في الصحة وخبراء السلامة المجتمعية باستيعاب هذا الحجم من الإصابات والويلات الاجتماعية والإنسانية المترتبة عليها.

وضمن مشهد التحدّي هذا في مواجهة الجائحة الكونية، ينظر النيويوركيون إلى الحاكم كومو على أنه الرجل القيادي الصلب والموثوق، والذي يقترب من حيث نهجه في تولّي زمام أمور ولايته المنكوبة، مما واجهه عمدة مدينة نيويورك، رودي جولياني، في العالم 2001 إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ففي ذلك الوقت انتقل جولياني من موقع عمدة مدينة له حظوظ ضئيلة جدا في مستقبل سياسي لمنصب أكبر، إلى قائد بطل واجه الكارثة الأمنية والإنسانية بالكثير من الشجاعة وحسن التدبير، وقدّم لنيويورك المنكوبة بالهجمات الإرهابية أفضل ما يمكن تقديمه في حينها من دعم إنساني ومادي واجتماعي.

استجابة جولياني لكارثة نيويورك في العام 2001 جعلته في نظر معظم الأميركيين بطلا، تماما كما استطاع كومو أن يكسب تعاطف بل وحب النيويوركيين، والأميركيين بصفة عامة، نظرا للجهود الكثيفة والسريعة التي يبذلها، والمبنية على المصداقية والشفافية والمصارحة مع أبناء ولايته عن حجم الكارثة، سواء الآن، أو ما بعد البراء منها خلال أشهر قادمة، وما سيترتّب من آثار اجتماعية ونفسية نتيجة للهلع والعزلة وفقدان الوظائف التي عاشها الأميركيون خلال أزمة الجائحة، والتي ستتطلب إنتاج طرائق جديدة تماما وغير مسبوقة في العيش والتأقلم في مجتمعات ما بعد كورونا.

ظهر كومو يوم الأربعاء في الأول من شهر أبريل في مؤتمره الصحافي المعتاد كل صباح ليخاطب الأميركيين ويضعهم في الصورة المكتملة لآخر المستجدّات في ولاية نيويورك بالأرقام والإحصائيات، موضحا حجم تفشّي الفايروس بين أبناء الولاية والاستجابات السريعة المتّخذة من طرف الطواقم الطبية. إلا أن ما كان مختلفا في ذلك اليوم وأضفى على وجه كومو مسحة من الحزن المضاعف، إعلانه عن إصابة أخيه الأصغر، مقدّم البرامج الشهير في قناة “سي إن إن” كريس كومو.

بدا الحاكم كومو متأثرا جدا بإصابة أخيه، وقال “إن الأسوأ في الأمر أن لا شيء في يدي أقدمه له، وشعوري بالعجز يؤلمني كما يؤلم المئات من الأميركيين الذين يشهدون إصابة أو وفاة أحبتهم في هذا الوقت المظلم الذي نمر به ويمرّ به العالم بأسره”.

لم ينس كومو خلال مؤتمر الصحافي أن ينفي الأنباء التي تتناقلها وسائل الإعلام عن نيّته الترشح عن الحزب الديمقراطي إلى جانب جو بايدن لسباق الرئاسة 2020.

أما ما يثير الانتباه فكان تصريح الرئيس دونالد ترامب بهذا الشأن، بأن أشاد بالحاكم كومو في استجابته وإدارته لأزمة كورونا في ولايته، وأشار أنه يرحّب بخوض كومو المعركة الانتخابية لرئاسة أميركا إذا قرر الحزب الديمقراطي ترشيحه عوضا عن “النعسان” كما يحلو لترامب أن يطلق على منافسه جو بايدن ساخرا منه.

وبالرغم من أن ترامب قلّما يمتدح ديمقراطيا ولاسيما إذا كان منافسا له على منصب الرئاسة، إلا أنه امتدح أداء كومو وكيفية إدارة صلاحياته كحاكم ولاية من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ضمن مأساة نيويورك العظيمة. إلا أن ترامب لم ينس أن يعزو سبب نجاح كومو إلى الجهود المثمرة للإدارة الفيدرالية المركزية. وقال في ظهور له على قناة “فوكس نيوز” ضمن برنامجه المفضل “فوكس أند فريندز”، “أحد الأسباب التي رفعت معدّل شعبية كومو هو الدعم السريع الذي تلقاه من الحكومة الفيدرالية في تأمين الحاجات الطبية والإسعافية للمصابين بما فيها أربع سفن متخصصة وصلت إلى سواحل نيويورك”. وتابع ترامب قائلا “أحد أسباب نجاحه هو أننا ساعدنا في نجاحه”!.

إلا أنه، وفي خضم أجواء إرهاب العدوّ المجهول التي تعيشها نيويورك، لا يمكن للقاصي والداني إلا أن يشهد وقفة أندرو كومو إلى جانب أبناء ولايته في محنتهم، يدعم قطاعاتهم الصحية والخدمية، ويخاطبهم بشفافية وتجرّد عن كل المآرب السياسية والتلاعب الغرضيّ، ويتواصل معهم بلغة أدبية راقية، وهو المحامي والكاتب المعروف، مستشهدا بأقوال عظماء التاريخ كما فعل مرددا على لسان تشرشل مقولته الشهيرة “لا يكفي أن نقول بأننا نفعل أفضل ما نستطيع، بل أن نضمن النجاح لما علينا فعله”.

يشهد التاريخ الحديث لمدينة نيويورك أن استجابة جولياني لهجمات الحادي عشر من سبتمبر جعلته بطلا في نظر الملايين من الأميركيين، إلا أن محاولاته لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية في العام 2008 قد تعثّرت. فهل سيكون لحاكم نيويورك كومو، وهو البطل الشعبي الأميركي الجديد في عيون مواطنيه، حظ أفضل إذا ما طلب منه حزبه الترشّح منافسا لترامب؟ أتساءل.

العرب اللندنية