Date : 29,03,2024, Time : 04:28:51 PM
4527 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الجمعة 11 رجب 1441هـ - 06 مارس 2020م 10:03 م

ذكريات أفغانية على هامش اتفاقية السلام بين الولايات المتحدة وطالبان

ذكريات أفغانية على هامش اتفاقية السلام بين الولايات المتحدة وطالبان
عبد الحميد صيام

من غرائب الصدف أنني كنت قريبا من أفغانستان عندما بدأت الحرب الأمريكية عام 2001، وكنت قريبا من موقع توقيع اتفاقية السلام في الدوحة بين العدوين اللذين تنازلا في ساحة المعركة لمدة تسع عشرة سنة، ثم تأكد كلاهما أن هذه الحرب مهما طالت لن يخرج منها طرف واحد منتصرا والآخر مهزوما.
ها هي الدولة العظمى توقع اتفاقية سلام مع حركة مصنفة أمريكيا ودوليا بأنها حركة إرهابية. تسع عشرة سنة من الحرب. كم مرّ من تحت الجسر ماء. تسع عشرة سنة من القتل والقصف والتدمير والسيارات المفخخة والمتفجرات. هل تستطيع كل أجهزة الحاسوب أن تحصي ضحايا تسع عشرة سنة من الأبرياء، الذين قتلوا ودفنوا تحت الركام في أفغانستان وباكستان والعراق واليمن والصومال، بسبب تلك الحرب التي أطلقها الرئيس الأسبق جورج بوش، تحت مسمى «الحرب على الإرهاب»؟ تسع عشرة سنة ويأتي خليل زلماي زاد، الأمريكي من أصل أفغاني، ليوقع اتفاقية سلام مع الملا برادار، تميل فيها الكفة لصالح طالبان، وتعطي الأمريكان سترا واقيا يحفظ ما تبقى من ماء الوجه، أثناء انسحابهم أمام هزيمة معنوية ومادية أمام الحفاة العراة، الذين أذاقوا اليانكي مرّ الهزيمة، كما أذاقوا من قبله الاتحاد السوفييتي وفككوه بعد عشر سنوات من المواجهة، ومن قبلهما إمبراطورية الشر بريطانيا، عندما حاولت احتلال أفغانستان عام 1840، فقتل كل أفراد الجيش عام 1841 وأبقوا على طبيب الجيش البريطاني فقط، ليذهب ويحكي رواية «البلد الذي لا يخضع للغرباء».
وبهذه المناسبة أحببت أن أشارك القراء ببعض الذكريات من باكستان وأفغانستان.
يوم 6 أكتوبر 2001 طلب مني أن ألتحق بمكتب الأمم المتحدة بإسلام أباد للعمل مع مدير المكتب الفرنسي إريك فالت، في التعامل مع العدد الهائل من الصحافيين الذين استقروا في باكستان، تحسبا للحرب التي كان الجميع يعتقد أنها على وشك الانطلاق. لقد ضمنت الولايات المتحدة قرارا من مجلس الأمن، يشرعن هذه الحرب بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهو القرار 1368، الذي اعتمد بالإجماع في 12 سبتمبر 2001، والذي أقر بمبدأ مكافحة التهديدات للسلام والأمن الدوليين، الناجمة عن أعمال الإرهاب، والاعتراف بحق الدفاع عن النفس الفردي والجماعي.
في صباح 7 أكتوبر حطت بنا الطائرة مؤقتا في كراتشي، قبل استئناف الرحلة إلى إسلام أباد. أحضروا لنا جرائد الصباح، وإذا بها كلها تحمل العنوان نفسه: الحرب اندلعت ـ الحرب بدأت ـ الولايات المتحدة بدأت طلعاتها الجوية ضد حركة طالبان في أفغانستان. إذن بدأت الحرب ونحن في الجو. لو تأخرنا يوما واحدا ربما تلغى المهمة.
كان موعدنا اليومي مع الصحافة في فندق ماريوت الضخم في العاصمة الباكستانية، الذي تعرض عام 2008 لعملية إرهابية، خلفت أكثر من 56 قتيلا و200 جريح. لم تكن الصالة الكبرى التي خصصها الفندق للمؤتمر الصحافي اليومي الساعة السادسة مساء تتسع لهذا العدد الهائل من الصحافيين، الذين يريدون أن يتابعوا الحرب من البلد المجاور. فقد طردت حركة طالبان جميع الصحافيين إلا قناة «الجزيرة» التي تم استهداف مقراتها من السلاح الجوي الأمريكي في الأيام الأولى للحرب. كان يجلس أمام الصحافيين المتحدث الرسمي أو نائبه، إريك أو أنا، وممثلون عن اليونسيف وبرنامج الأغذية العالمي، ومكتب منسق الشؤون الإنسانية، ومنظمة الصحة العالمية. كل متحدث يقدم آخر معلوماته عما يجري في أفغانستان، وعن الضحايا من المدنيين، واستهداف المنشآت، وعن نقص الأدوية والغذاء، ووضع الأطفال وغير ذلك. ثم يبدأ الصحافيون بهجومهم الكاسح على كل موظفي الأمم المتحدة، الذين ينتقدون استهداف المدنيين بخجل، ويبتعدون عن الإشارة الصحيحة. زميلة لنا من مكتب الشؤون الإنسانية تحت الضغط، أشارت إلى سقوط قنابل عنقودية مع قنيبلات صغيرة صفراء قد تخدع الأطفال على أنها لعب. اختفت من المؤتمرات اللاحقة، بعد يومين علمنا من بعد أن احتجاجا أمريكيا، قُدّم ضدها لمكتب الأمين العام، فتم الاتصال بها وطلب منها أن تأخذ إجازة. مراسل «نيويورك تايمز» (شواني) على الجمر وهو يصر على إجابة واضحة: «تدين أو لا تدين» وكنت أتهرب بالقول، من حيث المبدأ الأمم المتحدة تدين استهداف المدنيين، ولكن… ثم يقاطعني ويقول أنا لم أسأل عن المبدأ.
قمت بزيارة ميدانية لمدة ثلاثة أيام لمدينة بيشاور. زرت مخيمات اللاجئين الأفغان. مناظر تقطع القلب، وأنت تشاهد هؤلاء الأطفال، وعلى وجوههم علامات الفقر الغذائي والمعاناة. زرنا بعض عشش الصفيح، التي أطلق عليها مجازا كلمة «مدرسة». يجلس الطلاب جميعهم على الأرض ويحمل كل طالب في يديه لوحا صغيرا، لعدم توفر الكتب أو الدفاتر أو المستلزمات الأخرى. المعلمة تقف أمامهم وتعلمهم الحروف العربية المستعملة في اللغات الأفغانية الثلاث «الباشتو والداري والأوزبيك». معظم هؤلاء الصغار من الأيتام ضحايا الحروب. يسمون لغاية الآن طالبان. لا يتعلمون شيئا ولا مجال أمامهم أن يتعلموا. هؤلاء إن استقر الحال في أفغانستان لا يوجد أمامهم إلا حمل السلاح والانضمام لجماعات مقاتلة لكسب عيشهم.
في 10 نوفمبر 2001 قيل لنا استعدوا للانتقال إلى كابل غدا صباحا، فقد انسحبت حركة طالبان «مهزومة» من المدينة، لكنها ما زالت قوية في مناطق أخرى. وفي الصباح صعدنا الطائرة الصغيرة وكان عددنا ستة موظفين فقط لصغر الطائرة. اتجهت الطائرة إلى الشمال الغربي من البلاد، حيث تبدأ من هناك سلسلة جبال الهملايا، وهي أعظم مشاهد جبلية رأيتها في حياتي. وبعد نحو ثلاث ساعات قال الطيار سنبدأ الهبوط في قاعدة باغرام، ولكن بطريقة عمودية دائرية، لأننا فوق منطقة ليست آمنة عسكريا. ونحن نقترب من الأرض سألت أحد المرافقين عن سر الحفر الكبيرة المنتشرة على مدى النظر، فقال تلك حفر قاذفات الـ 52 العملاقة التي تقوم بما يسمى «القصف السجادي»، أي الأرض المحروقة. وصلنا القاعدة. كانت هناك ثلة قليلة من جنود صغار السن من تحالف الشمال، الذي كان يسيطر فقط على خمسة في المئة من أفغانستان. بعضهم كان بطول البندقية. قلت لزميلي: أهؤلاء قادرون على حكم هذا البلد العنيد؟

سرنا باتجاه كابل مسافة نحو 30 كيلومترا، أو أكثر قليلا، الطريق محطمة. الآليات العسكرية المدمرة تمتد على جانبي الطريق المكسر، وكانت السيارات التي تنقلنا إلى «بيت الأمم المتحدة» رباعية الدفع جديدة. مررنا بثلاث جثث ملقاة على جانب الطريق. تطوع السائق المحلي بلغة إنكليزية مكسرة «ثلاثة متطوعين عرب قتلوا، وطلب تحالف الشمال من أهل البلد عدم دفنهم عبرة لغيرهم». أحسست بأن سكينا أغمدت في صدري وقلت في نفسي لماذا رمت بهم أقدارهم في هذه الديار، تحت خديعة إقامة إمارة إسلامية. أما كان أولى أن يقاتلوا الظلم والفساد والاستبداد في بلادهم؟
كنا نعقد مؤتمرنا اليومي مساء في فندق كونتننتال في المدينة، وهو الفندق الوحيد المفتوح، ويضم مئات الصحافيين. هبطت طائرة مروحية في اليوم نفسه في ساحة الفندق الخارجية، تحمل الصحافية المشهورة كريستانا أمانبور كبيرة صحافيي CNN. كانت سطوح الفندق مقسمة بين الشبكات الإعلامية. كلها هرعت إلى كابل لتغطي أخبار الاحتلال. في المساء نلتزم «بيت الأمم المتحدة» الذي اختبأ فيه نجيب الله، آخر الرؤساء في فترة الاتحاد السوفييتي، أربع سنوات ثم اعتقلته طالبان وأعدمته عام 1996. كابل مدينة مدمرة لا يوجد بيت يخلو من آثار القذائف والرصاص والتدمير. التدمير حصل جله في فترة صراع أمراء الحرب بين 1989 و1994 إلى أن استولت طالبان على السلطة. وحدة مكافحة الألغام جاءها رجل يطلب النجدة السريعة، فلما ذهبت الوحدة إلى البيت وجدت صاروخا لم ينفجر قد استقر في القبو.
مسعودة جلال، التي رشحت نفسها للرئاسة ضد حميد كرزاي، ولم يأخذها أحد بشكل جاد، كانت تعمل مع برنامج الأغذية العالمي. قلت لها لماذا يوجد الشادور والبرقع بجانبك؟ قالت عندما أخرج أتبرقع كي لا يؤخذ عليّ أنني مناصرة للأمريكان. فمن يدري ماذا تخبئ الأيام لأفغانستان، إذا ما تخلى الأمريكان عنا بعد سقوط طالبان. لقد فعلوها عام 1989 بعد انسحاب السوفييت، وقد يعملونها ثانية… ولذلك لا أريد أن أكسر الجسور بيني وبين طالبان، فقد يعودون مرة أخرى لحكم البلاد.
تذكرت هذا النزر اليسير من رحلتي القصيرة إلى كابل وأنا أشاهد خليل زاي يوقع اتفاقية سلام مع الملا برادار يوم السبت الماضي في الدوحة، بعد تسع عشرة سنة من المواجهات.

القدس العربي 




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد