هل تصبح تخوم طرابلس مقبرة أحلام المشير حفتر؟
في صيف 2017 كان المشير المتقاعد خليفة حفتر، قائد ما يُسمى «الجيش الوطني الليبي»، قد احتاج إلى ثلاث سنوات من قتال الكر والفر، والدعم المصري والإماراتي والسعودي والفرنسي، كي يسيطر على مدينة بنغازي. ومنذ مطلع نيسان /أبريل الماضي يواصل معارك مماثلة في الزحف على العاصمة طرابلس، التي لا تُقارن مع بنغازي من حيث الضخامة وعدد السكان والملابسات العسكرية والجيو ــ سياسية، بحيث يجوز الترجيح بأن هذه الجولة لن تكون أطول بكثير وأشد تعقيداً فقط، ولكنها أيضاً قد تصبح مقبرة أحلام المشير.
صحيح أن حفتر ما يزال يحظى بمساندة عسكرية ولوجستية من الدول الداعمة له، بل زاد عددها مع دخول المرتزقة الروس من مجموعة فاغنر غير البعيدة عن أجهزة الكرملين، وكذلك تقاطر أفواج جديدة من المرتزقة السودانيين غير البعيدين بدورهم عن «قوات الدعم السريع». وصحيح أن قوات حفتر أعلنت مؤخراً سيطرتها الكاملة على مدينة سرت شرق العاصمة طرابلس، سواء عبر القتال أو بسبب اضطرار القوات الحكومية الليبية إلى تنفيذ انسحاب تكتيكي لحماية 120 ألف مدني من عمليات القصف الجوي العشوائية. وصحيح ثالثاً أن نجاحات حفتر النسبية الأخيرة، وبعد تعثر طويل دام سبعة أشهر، مردها التفوق الجوي الذي تكفلت به القاهرة وأبو ظبي، عبر توريد منظومة الدفاع الجوي Pantsir S-1 وطائرات Wing Loong II التي أمنتها الإمارات، أو عن طريق الاشتراك المباشر في عمليات القصف.
ولكن من الصحيح في المقابل أن عناصر إضافية محلية وإقليمية طرأت على المشهد، أولها تصويت البرلمان التركي على تخويل أنقرة إرسال جنود ومعدات إلى ليبيا سوف يكون لها أثر فوري وحاسم في تحييد تفوق حفتر الجوي، وهو ورقة القوة العسكرية الكبرى في يد المشير المتقاعد. وأما على الصعيد السياسي فإن دول الجوار في المغرب العربي لا تبدو مستعدة للمصادقة على مغامرة حفتر العسكرية، خاصة بعد تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن العاصمة الليبية طرابلس «خط أحمر»، وكذلك وصف الرئاسة الجزائرية مجزرة قصف طلاب الكلية العسكرية في طرابلس بـ«جريمة حرب». وبين دلائل التعثر الدبلوماسي الذي يقع فيه داعمو حفتر أن القاهرة لم تفلح إلا في استضافة مؤتمر هزيل ضم فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، أي الدول ذاتها الرافضة للاتفاق العسكري الذي أبرمته أنقرة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية.
صحيح أيضاُ وبالغ الأهمية أن قوات حفتر مؤلفة من مجموعات المرتزقة التي لا تقاتل دفاعاً عن قضية أو مبدأ بل سعياً وراء العملة الصعبة، وبالتالي فإنها يمكن أن تنسحب في أيّ وقت راكضة خلف الأجر المجزي الأفضل. وما يُسمى «الجيش الوطني» قائم على ميليشيات إسلامية سلفية ومتشددة ومتعددة المشارب والإثنيات، ويمكن بدورها أن تنقلب عليه عند أي منعطف يناقض مصالحها. هذا إلى جانب تناقضات شخصية حفتر نفسه، المصاب بجنون العظمة منذ انشقاقه المسرحي عن العقيد معمر القذافي وهو أسير حرب في تشاد، ثم سفره إلى الولايات المتحدة حيث تعاون مع المخابرات المركزية.
وهكذا فإن طرابلس أبعد ما تكون عن تكرار جولة بنغازي، رغم أن التكلفة البشرية تظل فادحة وضحيتها المواطن الليبي وبلده الأمّ في المقام الأول.
القدس العربي
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews