خليفة “سليماني”.. بين الثأر الإيراني والمحافظة على الإنجازات الاستراتيجية
لم تمر بضع ساعات على قيام القوات الأمريكية باغتيال قائد قوة القدس في حرس الثورة الإيراني، قاسم سليماني، حتى أعلن الزعيم الأعلى علي خامنئي عن تعيين نائبه إسماعيل قاآني خليفة له، وهو جنرال له خبرة كبيرة في قوة القدس، ويتولى منصبه منذ 1997.
وسيحتاج الآن إلى الدخول بسرعة في حذاء سليماني الكبير وإظهار التصميم الإيراني على مواصلة سياسة إيران في العراق وسوريا ولبنان، التي هي معاقل سيطرة فيلق القدس. وستلقى عليه أيضاً مهمة التخطيط للرد الإيراني على عملية الاغتيال بحيث يكون شديداً جداً، مثلما تعهد علي خامنئي، وبالأساس من أجل الحفاظ على إنجازات إيران الاستراتيجية خارج حدودها.
وفي الدول الغربية وإسرائيل ينشغل المحللون بصياغة سيناريوهات الرعب لوصف الرد الإيراني المتوقع. وتتراوح هذه السيناريوهات حول توقع هجوم صاروخي على أهداف أمريكية وسعودية وإطلاق الصواريخ من لبنان نحو إسرائيل وإرسال الخلايا إلى أوروبا ودول الغرب لضرب أهداف محددة ومؤلمة مثلما تصرفت إيران في السابق، وحتى الانسحاب الكامل من الاتفاق النووي وتجديد تخصيب اليورانيوم بالمستوى الذي سبق التوقيع على الاتفاق النووي.
ولكن في الجهة الثانية لخارطة السيناريوهات، إيران ملزمة بأن تأخذ في الحسبان تأثيرات الرد في العراق وإيران. منشآت النفط الإيرانية في الخليج الفارسي التي يسيطر عليها في معظمها حرس الثورة، هي هدف سهل لسلاح الجو وسلاح البحرية الأمريكيين. قواعد المليشيات الشيعية في العراق أثبتت في الأسبوع الماضي قابليتها للإصابة بالهجمات الأمريكية، في حين أن قرار الانسحاب بشكل مطلق من الاتفاق النووي سيخدم إسرائيل وأمريكا، اللتين قد تهاجما المنشآت النووية.
إضافة إلى هذه السيناريوهات المعروفة، قد يكون لاغتيال سليماني تأثيرات على قدرة إيران لإملاء سياستها في العراق. هذه الساحة أشغلت قائد قوة القدس مؤخراً، واعتبرت بالنسبة له ولخامنئي المرساة الأكثر أهمية، حتى أكثر من لبنان، من أجل توسيع نفوذ إيران في المنطقة. هنا تبين أنه رغم مؤهلات وتجربة سليماني، إلا أنه لم يتوقع حجم المظاهرات وقوة تهديدها على حكومة العراق، التي شكلها بواسطة المليشيات والأحزاب التي تؤيد إيران.
رد روسيا الليّن
تعرض سليماني مؤخراً للانتقاد الداخلي بسبب فشله في قمع مظاهرات العراق، وبسبب خسارته أمام رئيس الحكومة السابق عادل المهدي الذي اعتبر اليد المسيطرة لإيران على النظام في العراق. وهذه ليست المرة الأولى التي يوجه فيها الانتقاد لسليماني، ففي مرة سابقة قبل أربع سنوات تم إبعاده عن الساحة العراقية بسبب الفشل في توقع ومنع غزو “داعش” للعراق، وقام خامنئي بتقليص نشاطات سليماني واقتصرها في سوريا، قبل أن يعيده لإدارة الساحة العراقية.
وحسب تقارير عراقية، خلت العاصمة بغداد اليوم من المارة وتفرقت المظاهرات. مع ذلك، من السابق لأوانه تقدير ماذا سيكون رد حركات الاحتجاج التي تعتبر إيران وسليماني سبب أزمة الدولة.
يحاول زعماء سياسيون في العراق أن يشكلوا رواية وطنية مؤيدة لإيران، مثلما تم التعبير عنها في أقوال عادل مهدي، الذي اعتبر موت سليماني ضربة شديدة لسيادة العراق، بل واعتبره هجوماً مباشراً عليه. ولكن ثمة زاوية أخرى لهذا التصريح، مثل التي تربط مصير العراق بمصير إيران. وبذلك يمكنها أن تشعل حركات الاحتجاج مجدداً.
في الساحات الأخرى، ولا سيما في سوريا ولبنان، يتوقع أن تتمسك إيران بسياسة الكبح. والهدف هو منع روسيا وتركيا من قضم معاقل نفوذها في سوريا، ووقف الانجراف السياسي في لبنان، الذي يمكنها فيه مواصلة الاعتماد على قوة حزب الله الذي سيهتم بمصالحها. في هاتين الساحتين تحتفظ إيران بقدرة عسكرية، مباشرة وغير مباشرة، يمكنها إغراء قيادتها لإشعال الحدود مع إسرائيل. ولكنها في سوريا ملزمة بالاهتمام بالمصالح الروسية التي أبعدت إيران عن معظم مكاسبها الاقتصادية، ومشكوك فيه وقوف روسيا جانباً إذا تحولت سوريا إلى ساحة حرب شاملة بين إيران وإسرائيل.
في هذا السياق، مهم رد السناتور الروسي قسطنطين كوستشييف، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، الذي قال إن اغتيال سليماني هو “السيناريو الأسوأ” و”نتوقع بأن لا يتأخر رد إيران”. ولكن هذه الأقوال لم تتضمن التنديد أو التهديد، وهي تعكس بشكل كبير موقف وزير الخارجية الروسي، سرجيه لافروف، الذي قال بأن “هذه الحادثة ستزيد التوتر في الشرق الأوسط”. هذا الرد المائع يدل على الابتعاد، وحتى اللامبالاة، التي تميز السياسة الروسية في كل ما يتعلق بالمواجهات التي تثيرها إيران في المنطقة، طالما أنها لا تضر مصالح روسيا. هذه هي السياسة التي نتج عنها التنسيق الأمني بين إسرائيل وروسيا، الذي يمكن إسرائيل من قصف أهداف إيرانية دون قيود تقريباً.
يمكننا من خلال السياسة المتوقعة لإيران معرفة الطريقة التي ستؤطر فيها عملية الاغتيال: هل تعتبرها حادثة محدودة.. قاسية ومؤلمة.. تحتاج إلى رد انتقامي شديد ولكن مركز، أم ستعتبرها حادثة تمثل مساً شديداً بمكانتها وبمكانة مؤسستها الأمنية، “هزة أرضية” تشكل ذريعة لحرب شاملة.
هارتس
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews