Date : 26,04,2024, Time : 01:06:25 AM
4491 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الجمعة 29 ربيع الثاني 1441هـ - 27 ديسمبر 2019م 11:24 م

سراب الانتخابات الفلسطينية

سراب الانتخابات الفلسطينية
عبد الحليم قنديل

لأول وهلة، بدا اللجوء لإجراء انتخابات فلسطينية حلا لمعضلة الانقسام الفلسطيني المزمن، ثم تبين ما كان سهلا إدراكه بالبداهة، فالحل المفترض يخلق بدوره مشكلات جديدة، قد تعوق إجراءات الانتخابات نفسها.
طرفا الانقسام «فتح» و»حماس»، يقولان الشيء نفسه في العنوان، وهو أنه لا انتخابات بدون القدس، بعدها تأتي الشياطين الساكنة في التفاصيل، ففتح تنتظر سماح إسرائيل بامتداد الانتخابات المزمعة إلى القدس المحتلة، وحماس تريد تحويل انتخابات القدس إلى عمل مقاوم، يفرض عملية الانتخابات كأمر واقع، ومن دون انتظار موافقة، لن تأتي أبدا من كيان الاغتصاب الإسرائيلي، الذي أعلن ضم القدس نهائيا من عقود، ودعمته إدارة ترامب الأمريكية، باعتبار «القدس الموحدة» عاصمة أبدية لإسرائيل.
ومؤدى ما يحدث ببساطة، أن الانتخابات المقترحة، وقد تأجلت لأكثر من خمس سنوات، لن تجري في المدى المنظور، فالرئيس الفلسطيني محمود عباس أعلن أنه لا انتخابات من دون القدس، وهو موقف وطني صحيح، يؤجل إصدار المرسوم الرئاسي الداعي للانتخابات إلى زمن غير مسمى، وقد يسقط اقتراح الانتخابات من أصله، ويجعل موافقة حماس على الانتخابات كأنها لم تكن، ويعيد أوضاع الانقسام إلى نقطة الصفر، وإلى دوامة البحث عن اتفاقات سياسية جديدة قديمة، عقدت من أجلها مئات الاجتماعات، ثم ظل كل شيء أسيرا للورق، فلم ينفذ اتفاق مصالحة واحد، منذ بدأ الانقسام أواسط 2007، رغم كثرة الاتفاقات البينية بين فتح وحماس، أو الاتفاقات التي عقدت برعاية مصرية رسمية غالبا، وأحدثها اتفاق القاهرة في أكتوبر/تشرين الأول 2017.
تحولت فكرة الانتخابات الفلسطينية إذن إلى مجرد سراب، وتأكد ثبات الانقسام الفلسطيني حتى إشعار آخر، واستمرار وجود سلطتين افتراضيتين، إحداهما في غزة، والأخري في رام الله، وبما لا يفيد أحدا سوى كيان الاغتصاب الإسرائيلي، الذي يريد التهام الضفة الغربية بكاملها، وليس القدس وحدها، ويريد بقاء غزة سجنا كبيرا لنحو مليوني فلسطيني، يحاصره من الاتجاهات كلها، وبهدف خلق «قضية غزاوية»، تفصل القطاع المحاصر عن مجموع الهم الفلسطيني، وتدخله في نزاع متصل مع السلطة الفلسطينية في رام الله، وتلهيه عن مبدأ الصراع الأصلي مع العدو الإسرائيلي، وتحول التباعد الجغرافي بين غزة والضفة إلى انفصال سياسي نهائي. وليس صعبا، أن ندرك السبب الأصلي في الانقسام الذي جرى، فقد كانت انتخابات 2006 هي المقدمة التمهيدية، وقد فازت فيها حماس، وتراجعت حظوظ حركة فتح، بعد رحيل مؤسسها الزعيم ياسر عرفات، وضعف جاذبيتها في أوساط الجمهور الفلسطيني، وكان تشكيل حكومة إسماعيل هنية إقرارا بنتائج الانتخابات، التي دخلتها حماس طبقا لقواعد اتفاق أوسلو، رغم إعلانها رفض الاتفاق من قبل ومن بعد، وكانت خرائط التناقضات سبيلا طبيعيا إلى تفجير الوضع، وإعاقة حكومة هنية ثم إقالتها، وبما قاد إلى حرب غزة، بين الفلسطينيين والفلسطينيين هذه المرة، التي ذهب ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى من أنصار فتح وحماس، وانتهت إلى سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وإنشاء هيكل سلطة منفصل تماما عن هياكل سلطة رام الله، وتبادل المطاردات والاعتقالات، فضلا عن اتهامات ترقى إلى مرتبة الخيانة، بما جعل من اتفاقات المصالحة كلها حبرا يجف فوق الورق، ربما من ساعة توقيعها.
والمعنى بوضوح، أن ما فسد بالانتخابات، لن ينصلح بها، فما من ضمانة لقبول عام بنتائج انتخابات جديدة، حتى لو جرى خوضها افتراضيا، في غياب إرادة اتفاق كافية، ووجود ألف تعلة وتعلة لتجديد الانقسام، بدءا من الخلاف على شروط الترشح، إلى نوعية المحاكم المخولة بالبت في وقائع الانتخابات، إلى تعذر وتعثر الرغبة الطوعية في التسليم بالنتائج، وعلى نحو ما كان عليه مصير انتخابات محلية، تعثرت قبل سنوات، وألغيت تماما من قبل محكمة دستورية تابعة لسلطة رام الله.

فبعيدا عن الإجراءات ومدى صوابها، والخلافات حولها، تظل الدودة كامنة في أصل الشجرة الانتخابية، التي تضع زحاما من العربات المحطمة أمام الحصان الفلسطيني، وتفترض وجود دولة على طريقة أوسلو، هي مجرد سلطة حكم ذاتي مقصوص الريش، يريح الاحتلال الإسرائيلي، ويعفيه من تحمل تكاليف وجوده، ويعطيه الهدوء اللازم لتوحش الاستيطان، وابتلاع الأرض، ويبقي السلطة القابضة في يد سلطة الاحتلال، لا السلطة المنسوبة للشعب الفلسطيني، ويجعل الانتخابات تحت الاحتلال عملا كارثيا بامتياز، لا يجلب سوى المزيد من الانقسامات، التي تهد حيل حركة التحرر الوطني الفلسطيني، وتحرف أبصارها عن واجب الوقت الحقيقي، وعن المهام الجوهرية في إنهاء وجود الاحتلال وسلطته، خصوصا بعد انسداد الطرق إلى أي تسوية سلمية محتملة مع كيان العدو الإسرائيلي، واتجاه إسرائيل، ومعها أمريكا، إلى فرض أمر الاحتلال الواقع بالقوة الجبرية المسلحة.
وكاتب السطور يؤمن تماما بجدارة الشعب الفلسطيني، وبإبداعه الكفاحي الفريد تحت أقسى الظروف، لكن أوضاع الحركة الوطنية الفلسطينية الراهنة، قد تبعث على القنوط، فقد مزقتها شهوات التكالب والاقتتال على سلطة بلا سلطة، وجعلت قضيتها موضوعا لاستثمار محاور إقليمية متصارعة، أطفأت وهج ونقاوة المقاومة الفلسطينية، وتحول مبدأ الحفاظ على السلطة الكارتونية، إلى أقصر سبيل لخلط الأوراق كلها، وتحول تنافس الطرفين المتنازعين، إلى سباق محموم يتطلع إلى عقد اتفاقات وهدن سرية أو علنية مع العدو الإسرائيلي، وعلى طريقة ما يوحي به قرار تعليق مسيرات العودة في غزة حتى نهاية مارس المقبل، وهو ما بدا كأنه استقالة من خط المقاومة الشعبية الجماهيرية، الذي بدا لفترة، كأنه جسر رابط بين الطرفين الفلسطينيين المتنازعين، في ظل رفض طرف الرئيس عباس لمبدأ المقاومة المسلحة، وهو ما يترك الشعب الفلسطيني حائرا في المتاهة، وبلا قيادة ذات مصداقية، تعبئ وتدعو إلى طريق كفاحي بذاته، رغم انتصارات رمزية تتابعت أخيرا، من نوع إحالة ملف جرائم إسرائيل إلى محكمة الجنايات الدولية، أو موافقة الغالبية الساحقة من دول العالم على تجديد عمل وكالة «الأونروا»، أو رشقات الصواريخ، التي أفزعت بنيامين نتنياهو رئيس وزراء العدو، وجعلته يهرب مذعورا من اجتماع تعبئة انتخابية في مدينة «عسقلان» المحتلة.
وما من سبيل للخروج من المتاهة، سوى بتطليق «أوسلو» ومضاعفاتها وتوابعها ثلاثا، وحل سلطاتها ووقف انتخاباتها الإلهائية، والعودة بالجسد القيادي الفلسطيني إلى خط منظمة التحرير الجامعة، وضم «حماس» و»الجهاد الإسلامي» إليها، وعلى نحو ما تم الاتفاق عليه مرارا من قبل، واعتبار المنظمة بعد إعادة البناء، ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، والاتفاق على برنامج مقاومة جديد، لا يستبعد المقاومة المسلحة المشروعة لشعب واقع تحت الاحتلال، ولا يقف عند حدود العمل الدبلوماسي الدولي، ويركز على انتهاج المقاومة الشعبية الجماهيرية في هذه المرحلة، بالمظاهرات والمسيرات الشعبية المنتظمة المخططة، وهو ما يستطيعه كل فلسطيني وفلسطينية، بهدف تكثيف الضغط لإنهاء الاحتلال، وتشكيل توازن قوى جديد، يفاقم الأزمة الداخلية لكيان الاغتصاب الإسرائيلي، الذي يعاني لأول مرة، من تعثر تشكيل حكومة جديدة، على مدى عام كامل، لجأ الإسرائيليون فيه إلى إقامة دورتين انتخابيتين، والثالثة في الطريق، ومن دون التوصل إلى نتيجة حاسمة، تكفل لنتنياهو المطارد بقضايا فساد فرصة رئاسة حكومة جديدة.
وأيا ما كانت فرص استعادة التوحد القيادي الفلسطيني، وهي ممكنة جدا، لو خلصت نوايا الفرقاء واستقامت المقاصد، لكن تعثرها، لن يؤدي بالتأكيد إلى ما يروج له البعض عن تصفية القضية الفلسطينية على المدى الأبعد، فلقضية فلسطين شعب يحميها، لن تضعف همته بخذلان وخيانة الحكام العرب، ولا بالتواطؤ الدولي ضد قضيته، ولا بتردي أحوال الفصائل القيادية المتصدرة للمشهد، فكل ذلك في مقام الكلام العابر، وبوسع الشعب الفلسطيني، وقد ترسخت أقدامه فوق أرضه التاريخية المقدسة، وبغلبة سكانية تفوق أعداد اليهود الصهاينة المستعمرين المجلوبين، وبطاقة بشرية متعلمة، صهرتها المحن، وخلقتها خلقا جديدا، بوسع هذا الشعب الفلسطيني الجديد، أن يصنع المعجزات، وأن يلد انتفاضاته من رحم ما يبدو كأنه اليأس الشامل، وأن يفاجأ الدنيا بقيامته من موات، تغري بتصديقه تصرفات فصائل فلسطينية متحاربة، تكاد تكون مشغولة بكل شيء آخر، إلا هم الشعب الفلسطيني وقضيته الأصلية.

القدس العربي 




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد