جي بي سي نيوز :- يوم بعد آخر يتسرب مصطلح "إنترنت الأشياء" إلى حياتنا اليومية بشكل تدريجي وسريع، في الوقت الذي تتسع فيه قاعدة الأشخاص والصناعات والخدمات التي يزداد اعتمادها اليومي على إنترنت الأشياء، ذلك القطاع الصاعد، الذي يشهد اليوم منافسة أمريكية صينية لقيادته.
ويكاد لا يخلو مؤتمر علمي عن الشبكة العنكبوتية وتطورها، إلا والحديث والبحث في إنترنت الأشياء جزء أصيل من فاعلياته وجدول أعماله.
في هذا السياق، يُطرح عديد من الأسئلة، ربما يكون أولها: ما تعريف هذا القادم الجديد "إنترنت الأشياء؟ وكيف سنستفيد منه؟ وما تطبيقاته في حياتنا المعاصرة؟
يعرف قاموس كامبريدج إنترنت الأشياء "أن تصبح الأشياء التي تحتوي على أجهزة كمبيوتر قادرة على الاتصال مع بعضها بعضا وتبادل البيانات باستخدام الإنترنت".
وفقا لهذا التعريف، يبدو واضحا أن إنترنت الأشياء لن تكون له قدرة التأثير في طريقة معيشتنا فقط، بل سيطول طريقة العمل والأنماط الثقافية وأساليب التفكير، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن الإنترنت أصبح متاحا على نطاق واسع في عديد من الدول، وعديد من الفئات الاجتماعية، وتكلفة الاستخدام آخذة في التناقص.
ويجري ابتكار مزيد من الأجهزة مع إمكانات "الواي فاي" وأجهزة استشعار مدمجة فيها، وانتشار الهواتف الذكية آخذ في الانتشار، وكل هذا يوجد أرضية مثالية "لإنترنت الأشياء"، الذي ببساطة مفهوم يقوم على توصيل أي جهاز بالإنترنت ابتداء من الهواتف المحمولة إلى آلات صنع القهوة وغسالات الملابس والمصابيح الكهربائية وأجهزة التبريد أو التدفئة.
ويقول لـ"الاقتصادية"، المهندس مورجان جاكوب أستاذ الأنظمة الإلكترونية في جامعة شيفيلد، "إن إنترنت الأشياء باختصار أن تربط حياة البشر بكل جوانبها بالشبكة العنكبوتية، فحاليا هناك 26.66 مليار جهاز متصل بالإنترنت، أي أن كل مواطن في العالم يمتلك ما لا يقل عن ثلاثة أجهزة متصلة بإنترنت الأشياء في الوقت الحالي، وسيرتفع هذا العدد إلى 30 مليار جهاز العام المقبل، وسيصل إلى 75 مليارا بحلول عام 2025، وإنترنت الأشياء سيكون شبكة عملاقة من "الأشياء" المتصلة بالإنترنت، ومن ثم سيوجد علاقة بين الأشخاص والأشخاص وبين الأشخاص والأشياء".
ويضرب جاكوب مثالا على إنترنت الأشياء بتخيل أن تستيقظ على دقات المنبه في السادسة صباحا، ثم تجد أن القهوة الخاصة بك يتم تحضيرها من قبل ماكينة إعداد القهوة أتوماتيكيا دون أن تطلب، وأنت في طريقك إلى المكتب ترسل سيارتك أتوماتيكيا رسالة إلى رئيسك في العمل بأنك في طريقك وستتأخر عن الاجتماع سبع دقائق نتيجة الازدحام المروري، وعندما تصل إلى المرآب تحدد لك السيارة المكان الذي يمكن أن تتركها فيه، وكل هذا يتم باختصار عن طريق إنترنت الأشياء لارتباط جميع تلك الأجهزة ببعضها بعضا عبر الإنترنت.
وبالطبع يتسع المفهوم ليشمل المدن الذكية، فمدينة برشلونة على سبيل المثال توفر من الإضاءة الذكية عبر مصابيح يتم تشغيلها فقط عند اقتراب السيارة أو المشاة، ما يقدر بنحو 37 مليون دولار سنويا، ولا شك أن اتساع نطاق استخدام إنترنت الأشياء يخفض استهلاك الموارد ومعدلات الهدر، ويحسن كفاءة ودقة استخدام المواد، باختصار هو يجعل حياتنا أكثر سهولة وسلاسة.
بطبيعة الحال، سيوجد هذا التطور التكنولوجي آفاقا اقتصادية يصعب تخيل حدودها، خاصة إذا ما بات ارتباط إنترنت الأشياء بالذكاء الصناعي حتميا.
وحول الأفق الاقتصادي لإنترنت الأشياء، توضح لـ "الاقتصادية"، الدكتورة ماريا كيلز أستاذة الاقتصاد الكلي في جامعة كامبريدج "في الأسواق الاستهلاكية سيتجاوز الإنفاق على خدمات إنترنت الأشياء الإنفاق على الأجهزة بنهاية العام المقبل".
وحول الجغرافيا السياسية لإنترنت الأشياء، تضيف ماريا أن "الولايات المتحدة والصين تحتلان المرتبتين الأولى والثانية في مجال الإنفاق على إنترنت الأشياء حاليا، إذ يبلغ الإنفاق الأمريكي نحو 194 مليار دولار سنويا، أما الصين فتصل إلى 182 مليار دولار، وبحلول عام 2025 ستشكل الدولتان معا نصف الإنفاق العالمي على إنترنت الأشياء، فيما تحتل اليابان المرتبة الثالثة بإنفاق سنوي يقدر بنحو 65.4 مليار دولار وألمانيا 35.5 مليار دولار، بينما تتفوق كوريا الجنوبية بإنفاقها الذي يبلغ 25.7 مليار دولار على كل من فرنسا 25.6 والمملكة المتحدة 25.5 مليار دولار، وستكون دول أوروبا الغربية وآسيا والمحيط الهادئ من كبار المنفقين على إنترنت الأشياء، حيث سيبلغ معدل النمو السنوي لإنفاقها 23.1 في المائة بينما لن يتجاوز 19.5 في المائة في الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
ونظرا إلى عدم وجود جهة دولية واحدة معترف بيها لقياس حجم الإنفاق العالمي على إنترنت الأشياء، فإن هناك تقييمات متباينة، إلا أن مؤسسة "إنترناشونال داتا كوبريشن" في الولايات المتحدة تعد أكثر الجهات الدولية موضوعية وثقة في هذا المجال، حيث تشير في أحدث تقرير لها إلى أن الإنفاق العالمي على إنترنت الأشياء قفز من 647 مليار دولار عام 2018 إلى 726 مليار دولار في جميع أنحاء العالم هذا العام، وسيتجاوز تريليون دولار بحلول عام 2022، وسيبلغ 1.1 تريليون في العام الذي يليه، ويشير التقرير إلى أن معدل النمو السنوي المركب للإنفاق على إنترنت الأشياء من الآن حتى عام 2023 سيبلغ 12.6 في المائة سنويا.
وتشير ماريا إلى أن "التصنيع المنفصل" و"عمليات التصنيع " و"النقل" قطاعات ثلاثة ستمثل المحرك الرئيس للإنفاق على إنترنت الأشياء من الآن، وحتى عام 2023، وتشكل معا نحو 33 في المائة من إجمالي الإنفاق العالمي على إنترنت الأشياء.
ويعرف لـ "الاقتصادية"، ديفيد شنكر نائب رئيس اتحاد الصناعيين في المملكة المتحدة الفرق بين التصنيع المنفصل وعمليات التصنيع بالقول، "إن النوع الأول يتميز بإنتاج سلع مميزة مثل السيارات والطائرات والأثاث ولعب الأطفال وأجهزة الكمبيوتر، بينما النوع الثاني تكون المنتجات غير متميزة مثل النفط والغاز الطبيعي، وبينما يتميز التصنيع المنفصل بالإنتاج الفردي أو المنفصل للوحدة، الذي يمكن أن يكون حجمه منخفضا لكنه شديد التعقيد، فإنه يتطلب أنظمة تصنيع مرنة لضمان الجودة وسرعة التسويق مع الحفاظ على التكاليف عند الحد الأدنى"، ويضيف شنكر، أنه "سواء تعلق الأمر بالتصنيع المنفصل أو تصنيع العمليات فإن إنترنت الأشياء سيلعب دورا مهما في العملية الإنتاجية، لضمان المهل الزمنية والتخفيض المستمر في التكلفة الإنتاجية والحد من تكاليف المواد والنفايات".
وتشير التقديرات الدولية إلى أن إنفاق التصنيع المنفصل على إنترنت الأشياء يحتل المرتبة الأولى بنحو 119 مليار دولار، تليه عمليات التصنيع بـ 78 مليار دولار، والنقل بنحو 71 مليار دولار.
ويقول لـ "الاقتصادية"، هندرسون بيج الباحث في مجال أمن الإنترنت، "إن إحدى النتائج الإيجابية للاستثمار في إنترنت الأشياء، هو أن الشركات ستعظم منفعتها من كم البيانات المتاحة لديها، والأولوية لن تكون للتروس الصناعية، إنما لنظم تحليل البيانات والمعلومات، لكن بمقدار المنفعة المحققة من الترابط بين المفاصل المختلفة للاقتصاد الوطني والعالمي نتيجة إنترنت الأشياء، فإن هناك شيئا واحدا يمكن أن يمنع من أن يسهم إنترنت الأشياء في تحويل الطريقة التي نعيش ونعمل بها، وهي حدوث انهيار في نظم أمن المعلومات، بحيث يصبح لقراصنة الحواسيب اليد الطولى لاختراق نظم الإنترنت التي سنعتمد عليها في مجمل حياتنا المستقبلية".
