في ضوء انهيار فكرة الدولة الفلسطينية: ما الحل الإسرائيلي؟
إن الاعتراف التاريخي الذي منحته إدارة الرئيس ترامب للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي في يهودا والسامرة هو مسمار آخر وربما أخير في نعش فكرة الدولة الفلسطينية.
هناك في إسرائيل من شكك في الدوافع واستخف بمعنى إعلان وزير الخارجية مايك بومبيو بأن يهودا والسامرة ليستا أرضاً محتلة، وعليه فإن البلدات الإسرائيلية التي أقيمت فيها لا تنتهك القانون الدولي. ولكن حقيقة أن الولايات المتحدة، القوة العالمية التي تحوز مفتاح كل خطوة في الساحة الدولية والإقليمية، بقيت على حالها وسحبت البساط دفعة واحدة من تحت محاولة الفلسطينيين بعيدة السنين، وبمساعدة كثير من دول العالم، إجبار إسرائيل على الاستجابة للمطلب الفلسطيني بالانسحاب إلى حدود 1967 والسماح بإقامة دولة فلسطينية.
مثلما في قرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل، لم تسع إلى أن تفرض أو تخلق واقعاً من العدم، بل اعترفت بالإجمال بالواقع القائم على الأرض. وبتعبير آخر، اعترفت بأن المشروع الاستيطاني الإسرائيلي اجتاز منذ زمن بعيد نقطة اللاعودة. أما حقيقة أن تصريح بومبيو استقبل بالصمت وفي أقصى الأحوال بشجب هزيل من جانب “المشبوهين المعتادين”، وعلى رأسهم الفلسطينيون والدول العربية وبضع دول أوروبية، فتدل على أن كثيرين في العالم أيضاً باتوا يسلمون بحقيقة أن حل الدولتين موضع شك وغير واقعي.
قبل ربع قرن فقط، مع التوقيع على اتفاق أوسلو، كان الفلسطينيون قريبين مسافة لمسة من إقامة دولة في معظم إن لم يكن في كل الأرض التي سيطرت عليها إسرائيل في حرب الأيام الستة. غير أنهم في لحظة الحقيقة اختاروا العنف كي يصلوا إلى الخط النهائي، وهذا الطريق أعادهم إلى الوراء مسافة سنوات جيل. أما اليوم فالحركة الوطنية الفلسطينية في إحدى الأزمات الأشد التي شهدتها، ولا تملك جواباً على التحدي الذي تقف أمامه، سواء أمام قرار الولايات المتحدة أو إجراءات إسرائيل.
ولكن التحدي الذي تقف أمامه الحركة الفلسطينية غير موجود بالضرورة في أروقة الأمم المتحدة أو في واشنطن، بل في أوساط الجمهور الفلسطيني نفسه. فالشباب الفلسطيني وإن كانوا يواصلون الإعراب عن التزامهم التام بفكرة الدولة الفلسطينية، إلا أنهم يصوتون بالأرجل في صالح الاندماج في دولة إسرائيل. هكذا في شرقي القدس.. حيث يسعى الجميع إلى الاندماج في نسيج الحياة الإسرائيلية بل سيطلبون المواطنة الإسرائيلية في المستقبل، وكذا أيضاً في أجزاء أخرى من يهودا والسامرة.
ظاهراً، يدور الحديث عن إنجاز إسرائيلي من الدرجة الأولى، وعلى الأقل من زاوية نظر الحكومة الحالية. ولكن ينبغي الاعتراف بأن هذا الواقع يضع تحدياً حقيقياً أمام إسرائيل. فحتى اليوم عارض كثيرون في إسرائيل والحكومة والجمهور فكرة إقامة دولة فلسطينية، ولكنهم امتنعوا في الوقت نفسه عن عرض فكرة بديلة لفكرة الدولتين وفضلوا تأجيل كل بحث في المسألة إلى المستقبل البعيد، هذا إذا كان البحث وارداً على الإطلاق.
غير أن المستقبل بات هنا. في ضوء انهيار فكرة الدولة الفلسطينية، على إسرائيل أن تصحو وتبلور سياسة تسمح لها بمواصلة الحفاظ على هويتها كدولة يهودية وديمقراطية. بعد كل شيء، لن يبعد اليوم الذي تطرح فيها الجماعة الأهلية الفلسطينية، وقبل ذلك الفلسطينيون أنفسهم، مطلب حل الدولة الواحدة. ومن دون مثل هذا المطلب ستصبح هذه الفكرة رويداً رويداً، في واقع الأمر، حقيقة على الأرض. على إسرائيل واجب البحث عن حل إبداعي لهذا الواقع الجديد، وإذا ما انطلقنا إلى انتخابات جديدة، فمن الأفضل أن تكون هذه المسألة أيضاً على جدول أعمال المرشحين.
اسرائيل اليوم
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews