Date : 25,04,2024, Time : 12:07:40 PM
3468 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الخميس 23 ربيع الأول 1441هـ - 21 نوفمبر 2019م 12:06 ص

قراءة في خطاب جيل انتفاضة الأول من أكتوبر العراقية

قراءة في خطاب جيل انتفاضة الأول من أكتوبر العراقية
مروان ياسين الدليمي

ما بين متظاهري الأول من أكتوبر والسلطة بدلالاتها السياسية والدينية، هناك إشكالية تطرحُ نفسها اليوم وبقوة تتمثل في أن مرجعية الأكتوبريين تستمد شرعيتها من المجتمع، لأنها عبرت عن تطلعاته بالخلاص من النظام الطائفي، من هنا بات الحضور الشعبي للانتفاضة يشتد عوده وضغطه على أنفاس النظام يوما بعد آخر، وتتصاعد وتائره بين مختلف شرائح المجتمع وطبقاته.
ومنذ انطلاق هذه الانتفاضة وإلى هذه اللحظة، اي بعد أن مضى أكثر من خمسة اسابيع عليها لم يُعلن دعاتها عن ارتباطهم بمرجعية أيديولوجية دينية أو سياسية، أو أن لهم تنظيما أو ميلا إلى جهة حزبية، وأكدوا بمواقفهم، ومن خلال ما صرح به عدد من شباب الانتفاضة، الذين ظهروا عبر شاشة عدد من الفضائيات، عن قطيعتهم مع القوى التي ترمز إلى سلطة ماضوية مثل رجال الدين والقوى العشائرية، حيث لم يسمحوا لهم بالتواجد بين صفوفهم في ساحة التحرير، ورفضوا دخولهم إليها، وسدّوا الطريق أمامهم عندما حاولوا أن يتواصلوا معهم، سواء بنيّة تأييدهم أو التوسط بينهم وبين النظام لإيجاد مخرج للمواجهة القائمة بينهما.
هذا الموقف العراقي بحد ذاته بما يحمله من جرأة غير معهودة في مواجهة قوى تمثل أقوى عوامل التأثير بمحركات الواقع الاجتماعي، يشكل انعطافة تاريخية في الوعي، ويشير أيضا إلى تحول نوعي في التنظيم والتنسيق، والتعبير عن وعيهم بوسائل وأدوات تتماهى مع عصرهم الرقمي، فكانت بغاية الإبهار والمرونة والسرعة، سواء في الواقع الافتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو في الواقع الحقيقي، ولن تخطر مثل هذه الوسائل بدون شك على بال أجيال أكبر منهم عمرا، سبقتهم في مسار المعارضة السياسية، لأن الزمن بمعطياته التقنية توقف عندهم، على ما اعتادوا عليه من مُخرجات تقليدية في إيصال خطابهم.
جيل أكتوبر عبّر عن حيوية أوتاره التي يعزف بها لحن حريته المنشودة، بعيدا عن متحف العناوين الطائفية والأقليّة والمكوناتية، التي حاول النظام السياسي بعد عام 2003 ربط مثل هذه المفردات بما تحمله من ألغام تحت أغطيتها الإنسانية، بعجلة الحياة العراقية الغنية بتنوعها، وهذا الحصاد المدهش باخضراره ونداوته للمنتفضين يستدعي وقفة طويلة وعميقة من قبل الدارسين، لقراءة هذا الجيل والإلمام بالمعطيات التي ساهمت في نضجه على هذه الصورة، التي فاجأت العراقيين أنفسهم قبل أن يتفاجأ دهاقنة النظام السياسي القابعون خلف أسوار المنطقة الخضراء، رغم أنه قد أبصر نور الحياة تحت سقف حكم متخلف عن الزمن بما يحمله مشرِّعوه من أفكار وعقائد وأيديولوجيات أصابها التأكسد، ولم تعد تصلح لعمليات تحديث في مبادئها وبرامجها ومناهجها، بعد أن تسببت في أن تضع العراق تحت خط الفقر، وأهدرت ثرواته الطبيعية وأرضه الخصبة، وحطمت مخزونه البشري الهائل، وأعادت العراق بكل ما كان قد احرزه من تقدم على المستوى العلمي والصحي والقوانين الاجتماعية التي أنجزها شعبه خلال مئة عام من تاريخ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وأعادت بلد الرافدين إلى الخلف مسافة زمنية بعيدة، أخذته إلى قرون مظلمة تهيمن عليها خرافات وأساطير وكتب صفراء وفتاوى ملغمة بالكراهية والعنف، وبات العراق بكل تاريخه وثقله الحضاري وموقعه الإقليمي يتأرجح في لعبة التداول على المناصب والصراع على المغانم بين شركاء النظام.

سياق الوعي لدى الجيل الشاب الذي يقف اليوم بصدور عارية مواجها قنّاصة السلطة في ساحة التحرير، وسط العاصمة العراقية بغداد، وجميع مدن وسط وجنوب العراق بدا للمتابعين للأحداث بما تحمله من صور دراماتيكية وكأنه أعلن عن شبه قطيعة بينه وبين الماضي السياسي لتاريخ العراق الحديث، على الرغم من أن السجل الوطني لأبرز الاحزاب تتدفق منه مواقف شجاعة، هنا وهناك، في مسيرة مواجهتها للانظمة الحاكمة وأجهزتها القمعية منذ العهد الملكي، وانتهاء بنظام البعث، وظلال هذه القطيعة غير المطلقة لجيل أكتوبر، بتقديرنا، لم تتوقف عند هذا المفصل الزمني من تاريخ العراق، بل تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير لتصل إلى بداية الأنظمة السياسية، بعد أن دخلت جيوش المسلمين إلى بلاد ما بين النهرين، وفي هذا السياق التاريخي الحافل بأشكال من صور التمرد على السلطة ومحاولة مواجهتها وتغييرها. ليس هناك ما يشير إلى أن أي قوة متمردة كانت قد أعلنت قطيعتها الكلية عن المنظومة المجتمعية بقواها التقليدية الدينية والقبيلية، وقد تكون حركات راديكالية مثل الزنج (255 – 270هـ / 869 – 883م) والقرامطة ( 317هـ – 908م) تحمل في جوهرها خيطا واهيا من مثل هذا الميل، لكنهما اصطبغتا بنزعة دموية صارخة في كثير من صفحاتهما، وهذا يعود إلى أن دوافع الصراع الطبقي الحادة مع السلطة كانت باعثة لمبررات وجودهما، لكنَّ كلا الحركتين انتهت بغطاء ديني، وهذا يعني انها لم تكن في حالة قطيعة مع الواقع بفواعله ومحدداته الاجتماعية والدينية، إنما كانت تعيش حالة اختلاف معها لم تصل حد الافتراق والقطيعة، لأنها بالتالي عادت إلى حاضنتها الدينية والمجتمعية.
في ما يتعلق بانتفاضة أكتوبر فإنها حتى هذه اللحظة مازالت متمسكة بهويتها الاجتماعية، وخطابها الوطني، بعيدا عن أي صبغة دينية أو سياسية أو أيديولوجية، رغم محاولات بعض الأفراد المحسوبين على قوى سياسية مثل، الحزب الشيوعي والتيار الصدري، الصعود ولو باستحياء إلى قارب المنتفضين، لكنهم لم يجدوا الطريق سالكا أمامهم، لأن ميادين الثورة مزدحمة بجيل أكتوبر وبزخم كبير جدا، وهذا يعني أنهم ليسوا بحاجة إلى أن يستندوا إلى تاريخ أي قوة سياسية، حتى يتمكنوا من البقاء في موقعهم والاحتفاظ به، وما يشير إلى ذلك رفضهم انضمام مقتدى الصدر إلى ساحة اعتصامهم، بقصد حمايتهم من قسوة السلطة وأجهزتها الأمنية، كما صرح هو بذلك، ولا يخفى على أحد في العراق القاعدة الشعبية الكبيرة التي يحوزها التيار الصدري في الوسط الشيعي، خاصة بين الفقراء، ومع ذلك أطلق منتفضو أكتوبر شعارات صريحة تقول بصريح العبارة، بأن غير مسموح للصدر أن يركب موجة ثورتهم، ما اضطره إلى مغادرة النجف والعودة إلى مقره في إيران، ليقطع زيارته القصيرة إلى العراق.
ما كان يخطر في بال الصدر أن يكون الرد من قبل هؤلاء الشباب بهذه الصورة الحاسمة والجريئة، مع إدراكهم بأنه يشكل رقما من الصعب تجاوزه في اللعبة السياسية، ودائما كانت كتلته في البرلمان هي التي تلعب ورقة الجوكر، في اختيار رئيس الوزراء، وجاء موقف الأكتوبريين منه ليعزز قوتهم وثقلهم الشعبي، بعد أن تمكنوا رغم حداثة أعمارهم وقلة خبرتهم السياسية، من كسر هيبة زعامته الدينية والشعبية التي يتمتع بها، وأن يسلبوا من تياره السياسي الإحساس الذي طالما شعروا به، بأنهم الأقوى والأقدر من بين جميع القوى السياسية في إطلاق تظاهرات مليونية، وكانت نتيجة ذلك أن امتد شرار موقفهم هذا ليشمل مساحات أوسع في مدن الجنوب والوسط، بما في ذلك المدن ذات الأغلبية العربية السنية، التي بقيت ملتزمة الصمت ولم تشارك في الانتفاضة، لأنها مازالت تعاني من آثار تحريرها من سلطة تنظيم الخلافة، وخضوعها لهيمنة ميليشيات تابعة للحشد الشعبي، تمارس شتى أنواع القمع والتجاوز، بدون أن يكون هناك من رادع يوقف تجاوزاتها، ومع ذلك بدأت تتحرك في هذه المدن مجاميع صغيرة من الشباب، فجمعت تبرعات مالية وأرسلتها دعما لشباب التحرير في بغداد، كما رفعوا أيضا لافتات وبشكل صامت في الأنبار والموصل وصلاح الدين، داخل الحرم الجامعي أعلنوا فيها تأييدهم للمنتفضين، فجوبهت هذه التحركات رغم محدوديتها، برد فعل سريع من قبل الأجهزة الأمنية، وتم اعتقال عدد من الشباب، ومُنعت مكاتب الصيرفة من تحويل الأموال إلى بغداد.

السلطة في بغداد لم تستوعب الملامح الجديدة لجنين ثورة اكتوبر، ولم تدرك أنه لا لم يرث صفات أجيال سبقته، ولم تنتبه في حمى تكالبها على الثروة وسعيرها الطائفي، أن هناك عالما جديدا يولد من رثاثة عالمها وانغلاقه في فترات زمنية بعيدة من التاريخ، لم يخطر في حساباتها انها ستقف في فترة قياسية من عمرها السلطوي في مواجهة جيل يحمل وعيا حادا وسمات خاصة به، وليس هنالك من شبيه له بين الذين سبقوه من الإسلاميين والشيوعيين والبعثيين والقوميين، والقرارات التي اتخذتها حكومة رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي، تحت الضغط الشديد الذي أفرزه اعتصامهم في ساحة التحرير والمطعم التركي، أو ما بات يعرف بجبل أحد، دليل على أنها لم تفهم ولن تفهم ولا تريد أن تفهم، أنها أمام متغير تاريخي لم يسبق للقوى التقليدية السياسية العراقية أن واجهته، وسيفضي بالتالي، وإن طالت المعركة واشتد أوارها، إلى تحول في بوصلة الحراك السياسي والمجتمعي، ومحصلته النهائية حتى لو فشل المنتفضون في هذه الصفحة من ثورتهم ستسحب البساط من تحت أقدام مرحلة سياسية بكل ما أفرزته من مستنقعات تفيض منها صور فساد وخيانات وعفونة الطائفية، وغير مستبعد أن تلجأ السلطة إلى المزيد من العنف، خاصة اذا ما زجَّت بفصائل الحشد الشعبي، وبشكل علني وصريح لمواجهة خطر انهيارها، إذا ما وجدت أن رصيد شباب اكتوبر قد ارتفع، وانخرطت معه قوى مجتمعية مثل العشائر وبعض افراد القوات المسلحة، يدفعهم إلى ذلك الضغط الشعبي بسبب ارتفاع اعداد الضحايا من الشباب، الذين يسقطون برصاص الأجهزة الأمنية، وبعض فصائل الحشد الشعبي المشاركة في مسلسل القنص مثل، ميليشيا الخراساني وعصائب أهل الحق وحركة النجباء وكتائب سيد الشهداء ومنظمة بدر.
ينبغي التذكير بأن السلطة نفسها التي تقتل اليوم الشباب المتظاهر في بغداد ومدن الجنوب والوسط، سبق أن احتمت بهؤلاء الشباب وباخوتهم وآبائهم لينقذوها من خطر الزوال، عندما شعرت بأن وجودها قد اصبح مهددا من قبل تنظيم «داعش» عام 2014، فاسترخص الشباب دمهم واندفعوا إلى ساحة القتال، ليس دفاعا عنها انما دفاعا عن بلدهم، مثلما يفعلون اليوم، لأنهم مخلصون في حبهم ومؤمنون بأن هويتهم العراقية فوق اي عنوان آخر. من الجانب الآخر دائما ما استغلت هذه السلطة وببشاعة بساطة العراقيين وعاطفتهم القوية ناحية دينهم وأرضهم ووطنهم، وانطلاقا من نتانة عقليتها كانت تنظر اليهم باعتبارهم مجرد اداة لخدمة مصالحها واجنداتها، لأنها لا تؤمن بمفهوم المواطنة، ولا يجمعها معهم دين ولا مذهب، حتى لو كانت على دينهم ومذهبهم نفسه، فالمهم بالنسبة لها أن تنفذ اجندات القوى الاقليمية التي تقف خلفها، وفي مقدمتها ايران حتى لو كان الثمن تدمير العراق وإبادة شعبه.

القدس العربي 




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد