Date : 25,04,2024, Time : 07:19:46 PM
3531 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الاثنين 20 ربيع الأول 1441هـ - 18 نوفمبر 2019م 12:46 ص

لبنان: ثلاثينية «الطائف» وراهنية الجمهورية الاجتماعية النقيض

لبنان: ثلاثينية «الطائف» وراهنية الجمهورية الاجتماعية النقيض
وسام سعادة

يصعب منذ الآن تلمّس المعالم الدستورية والإجتماعية للبنان الجديد الذي تحمله انتفاضة تشرين في أحشائها. الأصعب من ذلك هو أن تقوم لـ«الجمهورية الثانية» بعد قائمة، تلك الجمهورية المنبثقة من إتفاق الطائف، ومن سلسلة «الانقلابات» على الطائف على حدّ سواء، تلك التي أجازها بياضُ مواد الإتفاق ومُشكله بمعنى من المعاني.
لقد مرّت مؤخراً الذكرى الثلاثينية لإتفاق الطائف، الموقع عليه في 22 تشرين الأول/أكتوبر 1989 والمصادق عليه برلمانياً في 5 تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، دون أن يتوقف عندها أحد. فرئاسة الجمهورية (التي يتولاها من وقف ضد فرض إتفاق الطائف بمقاتلات «الميغ» السورية، قبل أن يبدّل من تحالفاته بعد عودته من منفاه، ثم يعود ويصل بقوة حلفائه الجدد وأوهام أخصامه إلى القصر) كان يبدو عليها الإنهماك بفاعليات التحضير لمئوية تأسيس دولة لبنان الكبير، المتممة في أيلول/سبتمبر المقبل، واستهل ذلك بالإحتقان المثار حول الماضي العثماني، ثم تسارعت الأحداث، وتداخلت المسارات.
فمن جهة، استعصاء الأزمة المالية ودخولها نقطة اللاعودة، إما أن تدفع الأوليغارشية المصرفية والمقاولة ثمن الهندسات المالية التي ضخّمت ثرواتها وأضعفت الإقتصاد الوطني، وإما أن يدفع الناس، وبشكل أساسي الطبقات الشعبية، الأثمان الكارثية المضاعفة. ومن جهة ثانية، انفجار الغضب الشعبي، وبروز عناصر «وضع ثوري» تترابط فيه المواجهة الاجتماعية مع المواجهة السياسية، في وقت تتحلّل فيه المؤسسات الدستورية لـ«الجمهورية الثانية».
ومثال على تحلّل مؤسسات الطائف أكثر فأكثر كيف تؤجّل الاستشارات النيابية الملزمة، وفقاً لأحكام الدستور، التي على أساسها يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف من بعد التشاور مع رئيس مجلس النواب، ويستعاض عنها حالياً بالإتصال السياسي في الكواليس بين زعماء الأحزاب الحاكمة، بما أدّى في الأيام الماضية إلى طرح اسم الوزير السابق محمد الصفدي ثم العدول عنه ما أن تبيّن الرفض الشعبي له من جهة، وعدم اتفاقه مع رئيس التيار العوني جبران باسيل على الصيغة الحكومية العتيدة من جهة ثانية. وهذه أيضاً علامة على حجم البعد عن صريح الدستور، الذي يقول بالتكليف قبل التأليف لا العكس.
تنهار مؤسسات «الطائف» وتجنى ثمار السياسات الإقتصادية والمالية الكارثية المتعاقبة لحكومات «جمهورية الطائف». بالتوازي تسقط ثلاثينية الطائف سهواً، وهو سهو يعطي فكرة عن القيمة الراهنة لهذا الإتفاق.
صحيح أن الانتفاضة الشعبية إذ تنادي بإسقاط النظام، معرّفاً بالأحزاب المتشاركة في الحكم في زمن «الجمهورية الثانية»، أي منذ انتهاء الحرب والى اليوم، لا تأتي مع ذلك على ذكر اتفاق الطائف، ومطرحه من الإعراب من الآن فصاعداً، كما أنّ التركيز على الشعارات الانتقالية، كشكل الحكومة العتيدة المطلوب والمطالبة بإنتخابات مبكرة، لا يترافق مع نهم للخطاب التأسيسي لجمهورية جديدة، منبثقة من جمعية تأسيسية منتخبة.
وهذا يدل إلى حد كبير على مشكلات الخطاب المهيمن ميديائياً وشعاراتياً على هذه الإنتفاضة في الوقت الحالي. لكن هذه الانتفاضة بحدّ ذاتها لا يمكن أن تكون إلا بشحنات مضادة، غير قابلة للتعايش، مع «جمهورية الطائف»، ليس فقط من ناحية النخب المتعاقبة على الحكم والنفوذ في هذه الجمهورية، بل أيضاً بالنسبة إلى أسس هذه الجمهورية، الأسس الأنتي دستورية والأنتي إجتماعية بامتياز.
لقد جاء الطائف مثلاً بإستحداثين اصلاحيين اثنين، المجلس الدستوري والمجلس الاقتصادي الاجتماعي. والأول، كان مناطاً به تفسير الدستور علاوة على النظر بدستورية القوانين وبالطعون الانتخابية، ثم جرى العدول عن صلاحية تفسير الدستور عندما جرى تضمين إصلاحات الطائف في متن الدستور. ثم جاءت المحاصصة التي على أساسها يجري اختيار أعضاء المجلس، وسجل عمل هذا المجلس، ليظهر أنّه خير حصل بعدم إعطائهم صلاحية تفسير الدستور!

أما الثاني، وكان مستفادا منه ترجمة التزام مقدمة الدستور المضافة إليه بعد الطائف، بـ«العدالة الإجتماعية»، فإنّه بقي مؤسسة هامشية، لا محل لها في قنوات التفاوض الاجتماعي في البلد، ومع مصادرة الاتحاد العمالي العام في نهاية التسعينيات بشكل تام، تعطّلت أكثر فأكثر قنوات هذا التفاوض الإجتماعي. أما قول الطائف بـ«اللامركزية الإدارية الموسعة» فبقي أشبه ما يكون بـ«المانترا» التي تردّد طول الوقت ويعلم مردّدوها بأنها ليست للتطبيق، وأن سمة الدولة كدولة طائفية ومركزية ومركز دواويني منتفخ عصيّة على الإصلاح «من داخلها».
قبل ثلاثين عاماً، يوم أبرم اتفاق الطائف، عارضه من خلفيات مختلفة كل من العماد عون، رئيس الحكومة العسكرية المؤقتة آنذاك، و«حزب الله» الذي لم يكن قد انتقل بعد من أولية شعار «الثورة الإسلامية في لبنان» إلى «المقاومة الإسلامية» فحسب. لم يخف الفريقان في السنوات الأخيرة استمرار إرث التبرّم من اتفاق الطائف عندهما، لكنهما بالمحصلة العملية اليوم، في موقع الدفاع عن تركة الطائف، جنباً الى جنب مع «تيار المستقبل» المدمن على «رفض المساس» بالطائف. و«القوات اللبنانية» التي أسرعت بالاستقالة من الحكومة فور انطلاقة الإنتفاضة، لا تزال هي الأخرى تعتصم بحبل الطائف، وتتوتر بازاء كل محاولة اتهام لها بأنها تبيّت خلافه.
لكن اتفاق الطائف هو اسم جامع لتاريخ كامل من الجمهورية الأنتي اجتماعية والأنتي دستورية، الراسبة في هذين المعيارين حتى اذا ما قورنت بالجمهورية الأولى، وبخاصة في فترة ما قبل الحرب.
فإذا كانت جمهورية إجتماعية ودستورية تنمو اليوم ككمون، كوجود بالقوة، في أحشاء حركة الانتفاضة اللبنانية، وإذا كانت مؤسسات الطائف المترنّحة والمتحلّلة هي التي تواجه بها هذه الانتفاضة، وجب أن تكون ثلاثينية الطائف هي ثلاثينية تجاوزه.
فالمسألة «النظرية» التي قد يكون من المبرّر عملياً تأجيلها بعض الشيء الآن، لكنها تكتسب راهنية وأهلية أكثر فأكثر كل يوم، هي مسألة السلطة التأسيسية، وليس فقط السلطة الإنتقالية.
صحيح أنه، في السياق المحلي، ستختلط المصطلحات بما يدفع للتردد والحيرة، لا سيما وأنه سبق لـ«حزب الله» قبل سنوات أن دعا الى مؤتمر تأسيسي، ما فهم منه يومها تجاوز للطائف، على طريقته هو، وبأجندته وروزنامته هو. لكن هذه الاعتبارات لا يمكنها أن تلغي المعادلة المنطقية: اذا كنا في حالة انتفاضة، بل ثورة، فإن معيار ذلك هو التطلّع لإنتاج سلطة تأسيسية ينبثق عنها دستور جديد، دستور اجتماعي منحاز للطبقات الشعبية، ولمصالح العدد الأكبر من الناس. التطلّع، أقله اجازة التطلّع الى ذلك.
هذا التطلّع ضروري بحد ذاته، وان لم تكن ترجمته الفورية متاحة حتى الآن. لكن المفارقة أن تجاوز الطائف ايجاباً نحو جمهورية جديدة، يستدعي تجاوز أسس قام عليها الكيان اللبناني منذ المرحلة الكولونيالية التكوينية الفرنسية. لقد قام هذا الكيان على استبعاد أي تمثيل للطبقات الشعبية من حيث هي كذلك في مؤسساته الدستورية. حافظت هذه المؤسسات على تاريخ من التراكم والاستمرارية لم يكن متاحاً في البلدان العربية المجاورة بسبب القطيعة العسكريتارية فيها، لكن هذه الاستمرارية قامت على مصادرة التمثيل السياسي المستقل للطبقات الشعبية، ومن ثم مصادرة أنماط العمل النقابي لهذه الطبقات، وتحلّل النظام من كل قنوات التفاوض الاجتماعي.
ولم يقدّم الطائف، بإقراره «العدالة الاجتماعية» في مقدمة الدستور أي شيء يذكر في هذا المجال. سوى أنّ تجربة الدولة في الثلاثين عاما الماضية، وصلت في نهاية الأمر الى حيث تتحول تلك الفقرة الموازية من مقدمة الدستور التي تعلن فيها أن النظام الاقتصادي حر يضمن المبادرة الشخصية والملكية الخاصة الى نقيضها. فالنظام الاقتصادي «الحرّ» على الطريقة المتبعة، لم يعد يضمن لا المبادرة الفردية ولا الملكية الخاصة، وان كانت عينه على خصخصة كل ملكية عامة، ورسملة كل مجالات الحياة الخاصة للأفراد.
ما يصل إلى لحظته الكارثية مع تحلّل مؤسسات اتفاق الطائف هو نمط كامل من الرأسمالية «على الطريقة اللبنانية» أيضاً. الإشتراكية المتخيلة بـ«الخصائص اللبنانية» يمكن استشرافها جنينياً، على النقيض من ذلك، بمعاكسة كل أساس يقوم عليه النظام اللبناني، الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، رأساً على عقب.

القدس العربي 




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد