تقارير: مذبحة بحق عائلة “السواركة” بناء على شائعات وخيال الناطق بلسان الجيش
الطيار الذي قام بالقصف لا يعرف، وقادته الذين أمروه بفعل ذلك أيضاً لا يعرفون، والوزير ورئيس الأركان لم يعرفا، وقائد سلاح الجو لم يعرف أيضاً، ضباط الاستخبارات الذين وجهوا نحو الهدف لم يعرفوا، والمتحدث الذي كذب بوقاحة لم يعرف، جميع الأبطال أيضاً لم يعرفوا… هؤلاء دائماً يعرفون كل شيء، أما الآن وفجأة.. لم يعرفوا.
هؤلاء الذين يعثرون على ابن لمطلوب في ضواحي دمشق لم يعرفوا أن في الكوخ القديم بدير البلح عائلة بائسة يترقب الموت ليلتها الأخيرة. إن هؤلاء (الجيش الأخلاقي جداً والاستخبارات المتقدمة جداً) لم يعرفوا أن كوخ الصفيح البائس لا يشكل “بنية تحتية للجهاد الإسلامي”، بل ومن الشك بأنه كان ذات يوم هكذا. إذا لم يعرفوا ولم يكلفوا أنفسهم عناء الفحص فما الذي كان يمكن توقع حدوثه؟
كشف ينيف كوفوفيتش، أول أمس، في موقع “هآرتس” الحقيقة الصادمة: الهدف الذي جرى قصفه لم يتم فحصه منذ سنة على الأقل. لم يكن هناك أي شخص مطلوب. استندت المعلومات إلى شائعات. هيا، اقصفوا. النتيجة هي ثمانية جثث ملفوفة بأغطية ملونة. بعض منها صغير بدرجة مخيفة. موضوعة بانتظام بجانب بعضها، أبناء عائلة واحدة بينهم خمسة منهم طفلان. عائلة السواركة، سجيت جثثهم. لو كانوا إسرائيليين لزلزلت الأرض وذهبت إسرائيل لتنتقم لدماء طفلها الصغير، ولاهتز العالم من وحشية الإرهاب الفلسطيني، ولكن محمد السواركة طفل فلسطيني ابن سبع سنوات، ولد ومات في كوخ صفيح، دون حاضر أو مستقبل، كانت حياته رخيصة وقصيرة مثل حياة الفراشة. وكان قاتله طياراً معتبراً!
تلك مذبحة لن يعاقب عليها أحد. “بنك الأهداف” لم يتم تحديثه، شرح الجيش، هذا البنك الذي لم يتساوق مع الزمن (بعد نشر تقرير كوفوفيتش، نشر الناطق بلسان الجيش بياناً آخر، قال فيه إن “تجريم المبنى تم فحص صلاحيته مرة أخرى قبل بضعة أيام على الهجوم”). ولكن هذه المذبحة أكثر خطورة من تصفية صلاح شحادة. وقد مرت بلا مبالاة مقرفة أكثر في إسرائيل. في 22 تموز 2002 ألقى طيار قنبلة بوزن طن على حي سكني، قتلت 16 شخصاً، كان بينهم مطلوب واحد حقيقي. أمس ألقى الطيار قنبلة ذكية أكثر من نوع “جي بي اي ام” على كوخ صفيح لم يختبئ فيه أي مطلوب. وحتى المطلوب الذي استخدم اسمه المتحدث بلسان الجيش تبين أنه شخص من نتاج خياله. الأشرار بالنسبة للطيار والكاذبون بالنسبة للمتحدث بلسان الجيش، ليسوا قائد خلية صواريخ، بل هم أطفال ونساء وشباب أبرياء، ناموا في ظل ذعر الليل في غزة.
في الحادثتين اتبع الجيش الكذب نفسه: ظننا المبنى فارغاً. “لم يفهم الجيش بعد ما الذي كانت تفعله تلك العائلة في المبنى”، هذا هو الرد الوقح الذي أشار إلى اتهام العائلة بموتها. وماذا كان يفعل هناك وسيم ابن الـ 13 ومهند ابن الـ 12 والطفلان اللذان لم يعرف بعد اسماهما.
من الغباء تصفية شحادة والـ15 شخصاً من جيرانه، بعد أن واصل الجيش الإسرائيلي الادعاء بأنها حارات غير مأهولة، وقد وصلت إلى المنشأة التي قصفت في حي الدرج. تلك لم تكن حارات، هي بيوت سكنية تتكون من عدة طوابق، وجميعها مأهولة باكتظاظ مثل جميع بيوت غزة. محمد مطر (30 عاماً) الذي يعمل في إسرائيل كان مضمداً بين الأنقاض قرب البئر الكبيرة التي تم حفرها. ابنته، زوجته وأحفاده الأربعة قتلوا في القصف الذي لم يكن سوى ضربة بسيطة في جناح الطيارين. وثلاثة من أبنائه أصيبوا. “لماذا فعلوا بنا ذلك؟” سألني وهو مصدوم. الـ 27 طياراً الأكثر شجاعة في سلاح الجو الإسرائيلي وقّعوا على “رسالة الطيارين” في حينه، ولم يرفض ذلك طيار.
“بشر.. هم بشر. لقد كانت هنا معركة، ممرضات وأطباء ضد الموت”، كتب يوم الخميس ذلك الطبيب النرويجي الشجاع، دكتور مادس غلبرت، الذي كان يهب لمساعدة غزة كلما قصفت، وعالج بإخلاص العدد الكبير من مصابيها. أرفق غلبرت صورة لغرفة العمليات في مستشفى الشفاء الذي يوجد فيه. دماء على السرير ودماء على الأرض في الغرفة وشراشف ملطخة بالدماء في كل مكان. أول أمس أضيفت إليها أيضاً دماء عائلة السواركة التي تصرخ الآن، ولكنها تصرخ في آذان صماء.
هآرتس
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews