رئاسيات تونس: انتصار اليوم وتحديات الغد
أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس النتائج الرسمية للدور الثاني من الرئاسيات، وقد أظهرت النتائج فوز المرشح قيس سعيّد (61 سنة) بنسبة ساحقة (72.71 في المئة)، مقابل 22.29 في المئة لمنافسه نبيل القروي (59 سنة). ومن المعروف أن الدور الأول شهد تنافس 26 مرشحاً، بينهم عدد من قادة أبرز الأحزاب السياسية مثل عبد الفتاح مورو، ورجال الدولة مثل رئيس الوزراء ووزير الدفاع، ولكن الناخب التونسي اختار طي الصفحة وترقية أستاذ للقانون الدستوري عصامي وبلا تجربة سياسية ولا ينتمي إلى أي حزب أو جماعة أو مجموعة ضغط، مقابل رجل أعمال وزعيم حزب ومالك قناة قضائية يلقب بـ«برلسكوني تونس» وكان قيد التوقيف خلال انتخابات الدور الأول على خلفية اتهامات بالفساد والتهرب الضريبي.
وبذلك فإن تونس خاضت بنجاح تجربة انتخابات ثالثة خلال أقل من ثلاثة أشهر أعقبت وفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، فنظمت الدور الأول لانتخابات رئاسية سابقة لأوانها، ثم أتمت الانتخابات التشريعية، وأكملت الدور الثاني من الرئاسيات التي أسفرت عن فوز سعيّد. وإذا كانت هذه الإنجازات بمثابة انتصار للشعب التونسي وثورته التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي في سنة 2011، فإنها على قدم المساواة تشكل نقطة تحول مضيئة تُسجل في صالح الشعوب العربية جميعها، وتؤكد أن الانتفاضات الشعبية العربية التي اندلعت تحت شعارات الحرية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية لم تنهزم تماماً رغم انتكاساتها، وأن التقدم التدريجي نحو الديمقراطية ليس مآلاً مستحيلاً أمام المجتمعات العربية.
ولعل أول ما يلفت الانتباه في انتخاب سعيّد هو نسبة التفاف الشاب حول شخصيته ونزاهته وعصاميته، فقد صوّت له أبناء 18ـ25 سنة بمعدّل يقترب من الـ90 في المئة، مقابل 40 في المئة من الأعمار ما فوق الـ60 سنة، كما جذب 31 في المئة من الشباب الذين يصوتون للمرة الأولى، وكانت نسبة عالية من ناخبيه تحمل شهادات عالية، وتفوّق بوضوح من حيث إقناع المرأة. اللافت من جانب آخر أن آراء سعيّد الاجتماعية تبدو وكأنها تخالف ميول هذه الشرائح التي انتخبته، إذ شاع أنه مع عقوبة الإعدام، وهو رافض لتعديل قوانين الإرث بما يكفل المساواة بين الرجل والمرأة، كما أن توصيفاته للمثليين كانت سلبية بصفة عامة.
وقد يكون مفتاح هذه الحال التي تبدو متناقضة للوهلة الأولى هو أن الناخب التونسي شاء أولاً إنزال العقاب بالطبقة السياسية الحاكمة على خلفية الفساد والغلاء وتدهور الأحوال المعيشية وركود الاقتصاد وارتهان الحكومات المتعاقبة لاشتراطات المؤسسات المالية الدولية، وسواها من الهواجس والهموم التي أثقلت كاهل المواطنين طوال ثماني سنوات. وبذلك يكون الناخب قد أكمل العقاب عن طريق اختيار شخصية من خارج بطانة الحكم والأحزاب، فقدّر في سعيّد نزاهته واستقلاليته ونظافة يده ونقاء سجله. كما أدرك في الدور الثاني أن الفارق بينه وبين رجل المال والأعمال والإعلام المتورط في سلسلة اتهامات بالفساد، إنما يستحق فارق الـ40٪.
والاستبشار بما حققته الثورة التونسية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة لا يجوز له أن يحجب الأبصار والعقول عن حجم المصاعب والمشكلات التي تنتظر البلد في المستقبل القريب، خاصة معالجة الفساد واستئصال الفقر وتحسين الاقتصاد والارتقاء بالخدمات العامة وبسط سلطة القانون.
القدس العربي
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews