Date : 25,04,2024, Time : 12:23:03 PM
3581 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الاثنين 07 صفر 1441هـ - 07 أكتوبر 2019م 01:01 ص

مثقف بوظيفة مترجم

مثقف بوظيفة مترجم
إحسان الفقيه

المتفرج الأوروبي عامةً يفكر في جو من الحساسية الجمالية، بينما يفكر المتفرج المسلم في جو من الحساسية الأخلاقية؛ ومن أجل هذا لا يمكن أن يتشابه سلوكهما أمام المشهد الواحد.
فعندما يقتل عطيل (ديدمونة) وينتحر، يبلغ انفعال المتفرج الأوروبي أوْجه، لأن الدائرة التي يعيشها في تلك اللحظة دائرة جمالية، أليس يرى نهاية مخلوقين جميلين، بينما يظل انفعال المتفرج المسلم هادئاً في هذا المشهد لأن دائرته أخلاقية، فهو يرى قاتلاً ومنتحراً. لقد أودع المفكر الجزائري مالك بن نبي في هذا السياق تلك الإشارة العميقة لأثر الاختلاف بين ثقافتنا والثقافة الغربية، على عملية التقييم وتحديد زوايا الرؤية تجاه كل منتج إنساني.
ستبقى لكل بيئة ثقافتها الخاصة مهما كانت المحاولات لتذويب الفوارق بين الثقافات، لأنها سمات مميزة لهوية كل مجتمع، حتى إن شابها التغيير الذي يضفي عليها شكلًا من أشكال الثقافات الأخرى، إلا أن ثقافته الخاصة يظل أساسها قائمًا، يتمرد عليه العضو حينًا ويعود إليه حينًا آخر، لأنها تمتد في ذاتية الفرد وتصنع لديه المقاييس التي تحدد سلوكه الاجتماعي، وتوصيف الأشياء بالقبح والحسن والصلاح والفساد. وكل ثقافة تقوم على صلة تؤلف بين الأشخاص، تلك الصلة إنما تكون نتاجا لمنهج تربوي يتمثل صورة فلسفية أخلاقية تؤلف بين الأفراد كما في القرآن الكريم «لوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».
لكن هناك أزمة حقيقية لدى بعض مثقفي العرب المهووسين بالثقافات الغربية، وهي نتاج التزاوج بين جهلهم بالمجتمع العربي والإسلامي وخصائصه ومقوماته، وتأثرهم الشديد بالأفكار والتصورات الغربية، الذي جعله يقومون بدور المترجم العربي لثقافة الغرب فحسب، ويرغبون في جعْل مجتمعاتهم نسخة كربونية من المجتمع الغربي، لا يراعون الفروق الجوهرية بين الثقافتين، التي تحول بين هذا الاستنساخ. ومن المسلمات في علم الاجتماع، أن حقيقةً ما قد تكون نافعة ومثمرة ومنطقية في مجتمع بعينه، لكنها في مجتمع آخر وفي ظروف اجتماعية مختلفة تكون كارثية وضارة.

تلك الفئة من المثقفين لم تدرس مجتمعاتها ومكونها الثقافي والحضاري بعناية، لكنها جعلت كل تركيزها واهتمامها منصبا على دراسة الحضارة الغربية، ومسارها التاريخي والاجتماعي، وظن بعضهم أن دراسته في السوربون أو هارفارد، ونهْله من كتب سارتر وروسو ونيتشه، كفيلان بأن ينوبا عن الأمة في تحديد خياراتها وهويتها الثقافية.

نبذ وإقصاء الدين على سبيل المثال فكرة مستوردة نشأت في الغرب، كثورة على الحكم الثيوقراطي المستبد، الذي كان يمنح السلطة صلاحيات مطلقة في مصادرة الأموال، ومحاربة النظريات العلمية باسم الدين، فكانت نتيجة هذا التمرد هي الازدهار والتقدم. لكنّ هذه الفئة من مثقفينا انتزعوا ذلك من سياقه التاريخي والاجتماعي، ليصبغوا به وجه الحياة في مجتمعاتهم العربية والإسلامية، فما النتيجة؟ يقول الشيخ محمد عبده: «أولئك نبذوا الدين فنالوا الحرية والسيادة والسيطرة على العالم، ونحن نبذناه فمُنينا بالذلة والانقسام والتفرقة والانحطاط، والاستعداد لقبول كل ما يُملى علينا ونُجبر عليه ويلقى أمامنا». لماذا لم يؤدِ العمل نفسه إلى النتيجة ذاتها؟ لأن هناك تباينًا بين البيئتين، فكان هؤلاء من قومنا كمن تعجبه البذور فينقلها من تربة مختلفة، ومن مناخ مختلف، ثم يريد الثمرة، فالسند الثقافي لدينا مختلف، والدين كان ولا يزال في المنطقة العربية فكرة مركزية لكل مجتمع فيها، لا يسوغ نبذه، والموروث الديني الثقافي لها يؤكد على ضرورة الأخذ بأسباب القوة والحضارة وتقديس العلم، فمن ثم ينبغي أن لا تتجه لنبذ الدين، بل لإحياء ما اندثر من معالمه، وإعادته إلى صورته الحقيقية لا التي شوهها بعض أتباعه.
هناك فرق جوهري بين نمط هؤلاء المثقفين الغربيين ونمط بعض المثقفين العرب، الذين نتكلم عنهم، هذا الفرق بيّنه علي شريعتي في كتابه «مسؤولية المثقف»، وهي أن طبقة أهل الفكر والثقافة في أوروبا سارت في هذا الاتجاه على أساس ملامح وأحوال وتاريخ مجتمعاتها، والظروف التي تمر بها، أي انطلقت من دراسة مجتمعاتها وحاجاته الآنية، أما هذه الطبقة من مثقفي العرب، فقد سلكت الاتجاه بوازع التقليد، فأخذوها عن مثقفي الغرب عن طريق الاحتكاك والترجمة، رغم كونها غريبة وشاذة عن ظروف وسمات وخصائص المجتمعات العربية الإسلامية. الثقافة والحضارة لا تُستوردان، إنما تُنشآن وتُبنيان على قواعد ثابتة من أصل التربة الثقافية والتاريخية للمجتمع، وقطعا لا نعني بالحضارة هنا التقنيات والاختراعات والتكنولوجيات التي تفوق فيها الغرب، بل نعني التوجهات الفكرية الدافعة للمجتمعات والمظاهر المعبرة عنها. إن قيام المثقف في أمتنا بدور المترجم عن الحضارة الغربية مظهر من مظاهر الهزيمة النفسية، تنطبق عليه نظرية شهيرة للمفكر والقانوني دومونيك سورديل يقول فيها، إنه عندما يقوم مالك من المُلاك أو محلل نفساني بتفريغ أحد من شخصيته وقمعه وإذلاله، يتولد فيه إحساس بمركب النقص، فيحسّ نفسه حقيرا وأن من قام بهذا العمل أعظم مما هو عليه بالفعل. هو الأمر ذاته الذي أكده ابن خلدون من قبل في تاريخه، حيث قرر أن المغلوب مولعٌ أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها. إن مسؤولية المثقف ليست استبدال مجتمعه بمجتمع آخر، ولا هويته بهوية أخرى، إنما مسؤوليته دراسة مجتمعه والوقوف على أسباب انحطاطه، وتوعية الجماهير، والبحث في سبل تصحيح المسار، انطلاقا من الهوية الثقافية لذلك المجتمع، ونقل مشكلاته إلى السواد الأعظم من الجماهير، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

القدس العربي 




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد