لا لديمقراطية آل كابوني في تونس
لا يحبذ التونسيون أن يتحول بلدهم إلى ملاذ ضريبي وبنما جديدة، فإن دعواتهم إلى تطبيق القانون على القروي ورجال الأعمال الفاسدين في محاكمات عادلة لا تعني القبول بممارسات “آل كابوني” في بناء الديمقراطية الناشئة.
الانتخابات الرئاسية في تونس لن تكون مجرد سباق محموم بين المرشّحين في الحملات ومكاتب الاقتراع. الصراع اتخذ منذ فترة، ومنذ بداية نشر نتائج استطلاعات الرأي لنوايا التصويت على الأقل، منحى آخر لن يتم الاكتفاء فيه على الأرجح بما قد يفرزه الصندوق، لاسيما وأن غالبية الطامحين لكرسي الرئاسة حسموا أمرهم بطيّ تجربة التوافق المسبق.
على ذلك الأساس ينظر أنصار قطب الإعلام المرشح للرئاسة نبيل القروي إلى قرار إيقافه واعتراض الأمن له في الطريق السيارة على الطريقة الهوليوودية عشية الحملات الانتخابية، كأمر دُبّر بليل، وهي خطوة دفعت حتى خصومه إلى إثارة الشكوك بشأن التزامن المريب بين الزمن الانتخابي والزمن القضائي.
نبيل القروي، الرجل الذي ركب موجة الشعوبية المنتشرة عالميا، صعد بسرعة الصاروخ في استطلاعات الرأي ليتصدّر على مدار أربعة استطلاعات دورية متتالية نوايا التصويت في الرئاسية والتشريعية، رسخت نتائجها قناعة لدى الأحزاب الكبرى أن منافسته لن تكون مزحة.
المفارقة أن الرجل الملاحق، مع شقيقه غازي القروي، في قضايا فساد وتهرّب ضريبي تعود إلى سنوات خلت بجانب مخالفته للوائح المنظمة للقطاع الإعلامي، نجح بعد الوفاة الدرامية لابنه وعبر أنشطته الخيرية في أن يكسب أراضي جديدة، على طريقة “روبن هود” وسط الفقراء والمحتاجين في القرى والبلدات البعيدة المهمّشة بعيدا عن السلطة المركزية النائمة في العاصمة.
كيف يمكن إذن احتواء صداع القروي الذي تحوّل إلى كرة ثلج وبات يهدّد فعليا بقلب الطاولة على الإسلاميين والتقدميين في نفس الوقت. بداية لم تكن مناورة الأحزاب التقليدية النافذة في البرلمان بصياغة تعديلات على المقاس للقانون الانتخابي قبل أسابيع فقط من الاستحقاق الانتخابي، كافية لقلب نتائج تلك الاستطلاعات وتحييد القروي وقوى النظام القديم الصاعدة أيضا في المناطق الداخلية البعيدة.
كانت إرادة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ضد هذا التيّار بحجة أنه قد ينطوي على إقصاء ممنهج في ظل التزامن المريب مرة أخرى بين الزمن التشريعي والزمن الانتخابي، كما أن طرح تلك التعديلات في الرمق الأخير من العهدة البرلمانية وقبل موعد الانتخابات يتعارض نظريا مع مقوّمات المنافسة النزيهة.
لم يبق سوى تحريك الدعاوى القضائية وتسريع الإجراءات في زمن قياسي. بدأ الاشتغال على هذا الأمر عشية الحملة الانتخابية، وبدل أن يعزّز هذا من سلطة دولة القانون، فإنه وضع السلطة القضائية أمام شبهة الانتقائية، فموجة الاعتقالات السابقة لرجال أعمال التي أطلقتها الحكومة عام 2017 بحجّة الحرب على الفساد، لم تفصح حتى اليوم عن مسار قضائي واضح بسبب طول الإجراءات، عدى الملفات الخطيرة التي لم يفصل فيها القضاء بشأن الاغتيالات والأجهزة السرّية وفساد قطاع الصحة.
لا يختلف الناخبون التونسيون، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، في أولوية الحرب على الفساد وإنفاذ القوانين وإقرار العدالة الضريبية لكن النخبة المحايدة تعترض على مقارعة المافيا بأسلوب المافيا وتوظيف أجهزة الدولة في تصفية الخصوم على طريقة “آل كابوني” مروّع المجتمع الأميركي في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، لكن من دون رصاص.
ومثلما لا يحبذ التونسيون أن يتحول بلدهم إلى ملاذ ضريبي وبنما جديدة، فإن دعواتهم إلى تطبيق القانون على القروي ورجال الأعمال الفاسدين في محاكمات عادلة لا تعني القبول بممارسات “آل كابوني” في بناء الديمقراطية الناشئة، فهذا أبعد ما يكون عن انتظارات الأغلبية في تونس، وهو أمر لا يبعث على الأمان.
العرب اللندنية
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews