الحوار السياسي في الجزائر: هل يمكن الثقة في وعود النظام؟
زاد منسوب الحديث شعبيا ورسميا عن الحوار السياسي في الجزائر بعد الكشف عن أسماء مرشحة من قبل فصيل من جمعيات المجتمع المدني الأسبوع الماضي، للتعاطي المشروط مع هذا الحوار، الذي دعت إليه السلطة في آخر خطاب لرئيس الدولة وقبله قائد الأركان.
رئيس الدولة الذي حاول من خلال هذا الاقتراح تشكيل هيئة وطنية مستقلة للحوار، لا تكون السلطة طرفا فيها، حل إشكال عدم الشرعية الذي ما زال يصر عليه الرأي العام الوطني، وهو يتحدث عن رجال السلطة بمن فيهم رئيس الدولة نفسه، ورئيس الحكومة. حتى لا تقع هذه الشخصيات المقترحة لتشكيل هذه الهيئة في مطب التواصل مع وجوه سياسية ما زال يصر الحراك الشعبي على رفضها وعدم التعامل معها، باعتبارها من بقايا نظام بوتفليقة، الذي يريد الجزائريون القطيعة الفعلية معه.
بالطبع الأمر لا يتعلق فقط بهذا المستوى الشخصي، رغم الأهمية الرمزية الكبيرة التي يملكها داخل نظام سياسي يتمتع فيه الفرد بقدرة على التأثير، قد تزيد على تلك التي تتمتع بها المؤسسات. بقدر ما يتعلق بالثقة الضعيفة، بل المنعدمة في رجال ونظام سياسي استهلك كل رصيده من الثقة مع مرور الوقت. لنكون بذلك أمام أول عائق يقف في وجه هذا الحوار السياسي. عدم الثقة فيمن يدعون له، والتشكيك في نواياهم ومقاصدهم. بعد تجارب مريرة معهم خلال فترة حكم بوتفليقة وقبلها، أوصلت المواطن الجزائري الى التشكيك وعدم الثقة في كل أنواع التمثيل بما فيه المعارض والمستقل صاحب المصداقية. موقف تستغله بعض التيارات الشعبوية الحاضرة جزائريا في التشكيك في كل النخب وتخوينها، كجزء من تيار سياسي دولي، ارتفع صوته بشكل جلي في السنوات الأخيرة.
انعدام الثقة في الوجوه الرسمية الداعية للحوار ومقاصده ونواياه، هي التي تفرض على الشخصيات التي قبلت بالحوار من حيث المبدأ، التركيز على وضع شروط واضحة قبل مباشرة أي حوار. شروط من بينها زيادة، على عدم التعامل مع الوجوه السياسية المرفوضة شعبيا، القيام بإجراءات تطمين، كإطلاق سراح مسجوني الرأي من الشباب، الذين تم الزج بهم في السجن في المدة الأخيرة، نتيجة مشاركتهم في الحراك، وفتح المجال السمعي والبصري العمومي والخاص الذي تتحكم فيها السلطات الرسمية، كنتيجة منطقية لريعية الاقتصاد السياسي. والتوقف عن التحرش بالحراك الشعبي في العاصمة على وجه الخصوص، الذي يراد له أن ينكسر في الأول قبل الانقضاض على المدن الداخلية، في حالة تأكد هذا السيناريو السلبي لمسار الحراك.
إجراءات تطمين بسيطة ومقدور عليها بسرعة، قد تكون بداية لاسترجاع نوع من الثقة بين المواطن والسلطة تسمح بمباشرة هذا الحوار، لكنها تبقى كإجراءات غير كافية، ببساطة لأن المواطن الجزائري متعود على فتح التلفزيون العمومي على سبيل المثال لأسبوع أو اثنين، عندما يكون النظام تحت الضغط، كما حصل أكثر من مرة ـ وصل «الانفتاح في الأيام الأولى من أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988 إلى تقديم نشرة الأخبار بالدارجة للتواصل مع المواطنين، بدل لغة الخشب السائدة – ليعيد غلقه مباشرة بعد رفع الضغط. كما يمكن أن يلقى القبض على المئات من المواطنين بعد إطلاق سراح العشرات من المساجين في الوقت الحالي، الشيء نفسه بالنسبة للتحرش بالحراك، الذي يمكن أن يرفع أو يخفف في أسبوع ويعاد في أسابيع أخرى. إجراءات تطمين تبقى ناقصة لمباشرة الحوار، من دون الاتفاق على صلاحيات هذه الهيئة وتشكيلتها البشرية ومخرجاتها. فقد جرب المواطنون الجزائريون هنا كذلك مصداقية مثل هذه التصريحات السياسية المنادية بالحوار بعد جولات الحوار لسنتي 2012 و2016 التي أفضت إلى مزيد من التضييق على الحريات، عكس ما كان ينادي به الخطاب السياسي الرسمي، وهو تحت ضغط التحولات السياسية الإقليمية ـ ما بعد الربيع العربي في 2012- كمثال.
فهيئة الحوار التي ينادي النظام بها غير مكتملة التشكيل حتى الآن، ولا بد من الاتفاق القبلي على تشكيلتها ونظامها، حتى لا تتحول إلى فخ للوجوه الوطنية ذات المصداقية، التي يمكن أن تنضم لها لاحقا، فتحولهم ألاعيب النظام الى شهود زور، يتم تعويم حضورهم كأقلية بين أزلامه المعلنين أو المستترين، ما يستدعي التركيز على تمثيل شباب الحراك من مختلف مناطق البلاد، ومن الجنسين، بعد بروز الدور الكبير الذي تقوم به الحركة الطلابية والطالبات تحديدا. كما يجب أن يتم الاتفاق القبلي على صلاحياتها ومخرجاتها بشكل دقيق وغير قابل للتأويل، حتى لا تتحول إلى هيئة استشارية بين أحضان نظام، السياسة عنده كانت دائما تساوي الحيلة، تلاعب بأكثر من تجربة حوار ومخرجات هيئات وندوات وطنية عديدة، حتى عندما تكون على رأسها وجوه نزيهة ومقبولة شعبيا وتتمتع بالكفاءة المطلوبة.
احتياطات لا بد أن تجد القبول والدعم من الحراك الشعبي الذي يبقى الرهان الأساسي لإنجاح أي حوار جدي، يبقى كوسيلة، المخرج المثالي للجزائر من هذه الورطة التي فرضت عليها من قبل نظام بوتفليقة وأزلامه الفاسدين، من المدافعين عن العهدة الخامسة، نحو بناء مؤسسات تتمتع بالشرعية الشعبية والقبول، في ظل جمهورية ثانية سيبقى الحراك الشعبي ساهرا على تحقيقها الى ما بعد الانتخابات الرئاسية وطول المرحلة الانتقالية التي ستكون العهدة الأولى على الأقل للرئيس المقبل المنتخب شعبيا ميدانا لتطبيق تعهداتها. حوار سياسي رغم الصعوبات التي قد تعترض طريقه يملك الكثير من شروط النجاح، يمكن أن يؤهل الجزائر التي كانت أول بلد دشن سلسلة الحروب الأهلية في المنطقة العربية في بداية التسعينيات. أول بلد في المنطقة يخرج إلى بر الأمان بعد نجاح انتقاله السياسي وتغيير نظامه السياسي بما يرضي طموحات هذا الشعب الذي خرج في 22 فبراير/شباط لإنجاز ثورته السلمية.
القدس العربي
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews