فيلم “الممر”: من العدو الصهيوني إلى العدو الإسرائيلي
في أحد المشاهد الأولى لفيلم “الممر”، الفيلم الأكثر حديثاً في العالم العربي اليوم، تواسي الزوجة الحبيبة زوجها الضابط الكبير في الجيش المصري بكلمات: “بعد الهزيمة النكراء في حرب 1967، ستعيدون لأنفسكم الكرامة وتنتصرون على العدو الإسرائيلي”. هكذا، إسرائيل لم تعد “العدو الصهيوني” في صناعة السينما المصرية، بل “العدو الإسرائيلي”. الضابط المصري، بالمناسبة، يودع زوجته كي يشارك في معارك حرب الاستنزاف في سيناء، وبعد ذلك في حرب يوم الغفران الذي يسجل فيه الجيش المصري -وفقاً لرواية الفيلم- انتصاراً عظيماً.
قبيل التصوير، أقام فريق الإنتاج في قاعدة الكوماندو المصرية كي يتعلم كيف تدار الحرب. وحدة المعنويات في الجيش رافقت “الممر” من خطواته الأولى، فتحت لكاتبي السيناريو ملفات الاستخبارات وكانت شريكاً حتى في إقامة الخلفيات. الممر هو الفيلم ذو الميزانية الأكبر في تاريخ السينما المصرية: أكثر من 6 مليون دولار، أعيد معظمها بعد أسبوعين من بث الفيلم. والجمهور يواصل التدفق: بدأ هذا بسلسلة بث في القاهرة لمئات الوجهاء، انتقل إلى الأردن، فلبنان، ودبي، والإمارات، والسعودية، والآن يخطط لبثه في أوروبا، والولايات المتحدة، وكندا. وتجندت شركة الطيران المصرية لأن تنقل -بالمجان طبعاً- فريق الممثلين، والمخرج، والمنتج.
ليس واضحاً ما الذي دفع المخرج، كاتب السيناريو، شريف عرفة، للعودة إلى أكثر من 50 سنة إلى الوراء كي يستعيد الأجواء العكرة بين مصر وإسرائيل – تحديداً في الفترة التي يذكر فيها الرئيس السيسي، بمبادرته، بأنه يتحدث في أحيان قريبة مع رئيس الوزراء نتنياهو، وأنه “نشأت بينهما علاقات خاصة”. مشوق أن نرى ما سيقوله نتنياهو للسيسي في حديثه القريب إذا ما قرر لذعه حول الفيلم.
الجيش الإسرائيلي، حسب رواية السيسي، تلقى الإذن من الجيش المصري لاستخدام طائرات سلاح الجو خلف الحدود لقصف تجمعات المخربين في سيناء – ولكن “الممر” بعيون إسرائيلية، يثير إحساساً قاسياً من النفور. يكفي متابعة شخصية الضابط الإسرائيلي الكبير “دافيد” لنفهم إلى أين تهب الريح المصرية: دافيد يبيع أكاذيب بالعربية – الفلسطينية، يقتل الأسرى ويتبجح، إلى أن يتلقى الضربة. والممثل الأردني، الذي يلعب دور شخصيته إياد نصار، روى في مقابلات معه أنه “لم تعد لي مشكلة في أن ألعب دور ضابط إسرائيلي لأني أعرف بأنه سيتكبد هزيمة نكراء”.
وهنا أيضاً يطرح السؤال: لمن يتوجه الفيلم؟ أبناء الجيل القديم في مصر والعالم العربي يتذكرون بالضبط كيف انتهت حرب يوم الغفران. أما الجيل الشاب، ذاك الذي دعاه السيسي لأن ينفتح على إسرائيل، فتعرض عليه في “الممر” شخصيات بشعة لجنود وضباط إسرائيليين يذبحون أسرى الحرب، يقصفون قواعد الجيش، وفي النهاية بتكبدون الهزيمة. أما المصريون فيبدون، مثلما في فيلم دعائي، متراصي الصفوف، مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل الوطن والقتال ضد القتلة الساديين.
في “الممر”، بخلاف الواقع، لا توجد نقاط وسط. فالفيلم يرسم علاقات مصر – إسرائيل بالأسود والأبيض فقط. أو كما يقول أحد الممثلين المصريين في الفيلم: “الآن.. إما نحن أو هم”. لو كانوا عالجوا الجانب المصري من الحرب، مثلما في كتاب نجيب محفوظ “ثرثرة على النيل”، لمرّ هذا عندنا أيضاً. ولكن مشكوك أن يتجاهلوا في القدس صورة الإسرائيلي المتعطش للدماء، لا سيما فترة كانت فيها العلاقات، حتى وإن كانت بالسر، في ذروة قوتها، بينما مصر تغرق عميقاً في أزمة اقتصادية.
يديعوت
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews