انعطاف ترامب… هل يعبر عن نهاية الأزمة مع إيران؟
الانعطاف الذي قام به الرئيس الأمريكي ترامب في قراره عدم مهاجمة إيران رداً على إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة، ليست بداية النهاية للأزمة في الخليج الفارسي، وليست نهاية البداية. الهجمات الإيرانية على أهداف لحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط (في حادثة الطائرة المسيرة على هدف أمريكي) لم تحقق حتى الآن أهدافها. في المقابل، لم تحصل طهران على تجسيد صارخ لثمن نشاطاتها. لذلك، من المحتمل أن الخطوات الإيرانية ستستمر، سواء على يد منظمات تابعة لها مثل المتمردين الحوثيين في اليمن أو المليشيات الشيعية في العراق أو عن طريق حرس الثورة نفسه، بدون تحمل المسؤولية الرسمية. أمس جاءت تقارير تقول إن الطائرات المسيرة التابعة للمتمردين الحوثيين في اليمن هاجمت مطارين في السعودية. هجوم مشابه قبل شهر تقريباً نسب في الغرب لإيران.
الثناء الذي حصل عليه ترامب بسبب امتناعه المبرر بحد ذاته، عن تصعيد المواجهة بواسطة هجوم عقابي كثير الضحايا، لا يحل المشكلة التي تقف في مركز الأزمة. طهران تريد إجبار واشنطن على تقليص ضغط العقوبات الاقتصادية عليها. وواشنطن تربط ذلك بالعودة إلى المحادثات حول صيغة جديدة للاتفاق النووي بشروط تكون أكثر قسوة على إيران. هذه فجوة تبدو في هذا الوقت من الصعب جسرها. وفي غياب حل من المعقول أن تواصل إيران الضغط، وربما في الوقت القريب.
من المعروف أن إيران لا تريد الحرب، التي لن تُدمر فيها بشكل كامل مثلما هدد ترامب في نهاية الأسبوع، لكن ميزان القوى الذي هو في غير صالحها، واضح تماماً. ويبدو أن شيئاً مما فعلته الإدارة الأمريكية حتى الآن لم يقنع الإيرانيين بأنه من الأفضل لهم وقف الاستفزازات.
في تصريحاته لوسائل الإعلام بعد إلغاء الهجوم، عرض ترامب قراره كحسم المعضلة بين خيارين فقط: إما المصادقة على الهجوم ضد أنظمة الدفاع الجوية الذي كان يمكن أن يؤدي إلى موت 150 إيرانياً مثلما توقع خبراء البنتاغون، وإما إلغاؤه. فعلياً الخيارات التي كانت تقف أمام الأمريكيين كانت أكبر.
الرئيس هدد السبت في تغريدة له على «تويتر» بأنه سيستخدم عقوبات أخرى ضد إيران، لم يفسر طبيعتها. ربما قصد ترامب الرد على نية إيران اختراق خلال بضعة أيام العتبة المسموحة لها بامتلاك يورانيوم مخصب بمستوى منخفض. ضبط النفس الأمريكي الذي تمثل في القرار بعدم مهاجمة إيران بالقنابل والصواريخ من شأنه أن يؤتي ثماره عندما تكون هناك حاجة إلى تجنيد جزء من المجتمع الدولي لصالح موقف الولايات المتحدة. اليوم سيعقد مجلس الأمن جلسة مغلقة بناء على طلب الولايات المتحدة يتم فيها بحث سلوك إيران. من الأسهل بلورة توافقات واسعة، بالأساس مع الدول الأوروبية، إذا لم تكن متهم بتصعيب الوضع بشكل متعمد.
واشنطن بوست: استعاض عن الأمر العسكري بهجوم سايبر
تهديدات ترامب لإيران تترافق أيضاً بالإغراءات، حتى أنه في حالته من الصعب معرفة إذا كان الأمر يتعلق بخطة منظمة أو خطة مرتجلة. في محادثات مع مراسلين في نهاية الأسبوع قال الرئيس إنه منفتح على احتمالات التوصل إلى صفقة سريعة مع طهران يمكنها إنقاذ اقتصادها من الأزمة. «نحن نأمل أن تصبح إيران كبيرة مرة أخرى»، أضاف الرئيس، إعادة صياغة لشعاره الناجح في حملته الانتخابية.
وأمس كتب في صحيفة «واشنطن بوست» بأنه كبديل عن إلغاء الهجوم أمر ترامب بهجوم سايبر ضد نظام الصواريخ الإيرانية. هجوم سايبر آخر تم توجيهه لوحدة استخبارات إيرانية وقفت من وراء الهجمات على ناقلات النفط في الخليج الفارسي. يمكن الافتراض بأن هذا التسريب جاء من أجل التغطية على ضرر ضئيل لصورة الرئيس الذي حدث نتيجة قراره إلغاء الهجوم ـ وكرد على الانتقادات التي وجهت له بسبب أن امتناعه عن القصف أضر ردع الولايات المتحدة في المنطقة.
حتى الآن لم يتم الإبلاغ عن حجم الضرر الذي أحدثته هجمات السايبر. في السابق مرت أشهر وأحياناً سنوات إلى أن اتضحت تفاصيل هجمات كهذه. روسيا تستخدم بشكل بارز سلاح السايبر الهجومي في العقد الأخير، وضمن أمور أخرى، ضد جورجيا، دول البلطيق وتركيا. والإيرانيون الذين يعملون بحجم أقل، لا يمتنعون أيضاً عن ذلك. الولايات المتحدة وإسرائيل، مثلما نشر في الأخبار بشكل مفصل، قامتا بتطوير فيروس «ستوكسنت» من أجل التشويش على تطوير المشروع النووي الإيراني في بداية العقد.
مستشار ترامب للأمن القومي، جون بولتون، الذي يزور البلاد بمناسبة القمة مع نظرائه من إسرائيل وروسيا. في المؤتمر الصحافي المشترك في القدس مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اقترح بولتون، الذي يعتبر الرمز الصقري في الإدارة الأمريكية، وخاصة بالنسبة لإيران بأنه «يجب عدم الدمج بين الحذر والضعف»، وأضاف بأن الجيش الأمريكي مستعد للعمل وضمان أن إيران لن يكون لديها سلاح نووي في أي وقت.
ولكن معارضة الحرب مع إيران ليست فقط من نصيب الديمقراطيين الذين لا يؤمنون بكلمة مما يخرج من فم الرئيس. ترامب نفسه أظهر تحفظه فيما بعد من تورط الولايات المتحدة العسكري في العراق وأفغانستان. وحسب تقارير في وسائل الإعلام فإن ترامب تأثر في اعتباراته في نهاية الأسبوع من أقوال المذيع اليميني، تاكر كارلسون، من شبكة «فوكس نيوز» الذي حذر من الضرر الذي ستسببه الحرب لخططه في انتخابه مرة أخرى بعد سنة ونصف. المشاعر الانفصالية قوية أيضاً في أوساط عدد من الناخبين الجمهوريين.
ربما أن الولايات المتحدة وجدت طريقة للتحادث مع الإيرانيين بشكل سري، خلال الأزمة. ولكن بدون مفاوضات بين الطرفين وبدون خفض ضغط العقوبات، يمكن الافتراض بأن إيران ستستمر في لدغ الأمريكيين، تحديداً في الفترة القريبة القادمة. التوتر في الخليج قد يثقل على القمة الاقتصادية في البحرين التي ستعقد هذا الأسبوع، والتي استثمر طاقم السلام للإدارة أشهراً كثيرة في التخطيط لها. المراسلون الإسرائيليون الذين سيسافرون الى هناك يمكن أن يجدوا أنفسهم يبلغون عن الخطوات الأخيرة في الخليج، أكثر مما يبلغون عن الوعود بضخ الأموال الضخمة للفلسطينيين في المناطق.
المصدر : هآرتس
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews