أصداء مناظرة يلدريم وإمام أوغلو

تابع ملايين الأتراك مساء السبت الماضي؛ المناظرة المتلفزة التي أقيمت بين مرشح حزب العدالة والتنمية، بن علي يلدريم، ومنافسه مرشح حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، قبل أسبوع من إعادة الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في 23 حزيران/ يونيو المقبل، لانتخاب رئيس بلدية إسطنبول الكبرى.

المناظرة التي تولى إدارتها الصحفي إسماعيل كوتشوك كايا، لم تأت بجديد. ولذلك، وجدها بعض المتابعين "مملة"؛ لأن الناخبين كانوا قد سمعوا قبل المناظرة كل ما ذكره المرشحان تقريبا، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو الإعلام الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.

الصحفي كوتشوك كايا الذي أدار المناظرة المتلفزة، كان أداؤه متوسطا، وانتقده زملاؤه. وهو من الصحفيين المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري ومرشحه لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى. واتضح أنه اجتمع مع إمام أوغلو سرا قبل المناظرة في فندق بإسطنبول، واستغرق الاجتماع 46 دقيقة، كما عقد مع مستشاريه اجتماعا آخر لمدة حوالي ساعة للنقاش حول الأسئلة التي سيتم طرحها في المناظرة. وهذا يجيب على سؤال: "كيف علم إمام أوغلو الأسئلة مسبقا ليأتي ببعض اللوحات البيانية التي عرضها في المناظرة خلال إجابته على الأسئلة؟".

لم يكن متوقعا من كوتشوك كايا أن يبقى محايدا بمعنى الكلمة، إلا أن ذاك اللقاء السري الذي جمعه مع إمام أوغلو قبل المناظرة، ووصفه يلدريم بــ"غير الأخلاقي"، يعد فضيحة مدوية، وانحيازا سافرا لمرشح حزب الشعب الجمهوري، الأمر الذي دفع إحدى الجمعيات التركية المعنية بالإعلام إلى مطالبته بالاعتذار والاستقالة.

كان هناك سؤال يشغل الرأي العام التركي قبل المناظرة، وهو: "هل سيعتذر إمام أوغلو إلى محافظ محافظة أوردو أم لا؟". وكان مرشح حزب الشعب الجمهوري قد وصف محافظ أوردو بــ"الكلب"، حين منعه رجال الأمن من استخدام صالة كبار الشخصيات في مطار أوردو، ثم أنكر ذلك، على الرغم من وجود شهود ومقطع فيديو سجل الإساءة بالصوت والصورة، وادعى بأنه قال "basit" أي "بسيط"، ولكن الشق الأول من الكلمة لم يسمع، وبالتالي تحولت الكلمة إلى "it" التي تأتي بمعنى "كلب" في اللغة التركية. ولما سئل في المناظرة عن هذه الإساءة، كرَّر ذات التبرير السخيف، بدلا من الاعتراف بالحقيقة والاعتذار.

بلدية إسطنبول الكبرى كانت تقدم إلى آلاف الطلاب منحا مالية لتخفيف عبء التكاليف الدراسية التي تثقل كاهل الأسر الفقيرة، أو حتى ذات الدخل المتوسط، إلا أن حزب الشعب الجمهوري رفع في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008 إلى المحكمة الدستورية دعوى قضائية لحظر المنح المالية التي تقدمها البلديات إلى الطلاب، ووافقت المحكمة الدستورية على ذاك الطلب. ولما وعد إمام أوغلو في المناظرة بأنه سيقدم إلى 75 ألف طالب وطالبة منحا مالية في حال فاز برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، ذكر يلدريم أنه هو أيضا يريد أن يقدم إلى الطلاب منحا مالية، إلا أن المحكمة الدستورية حظرت ذلك بناء على طلب حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه إمام أوغلو.

إمام أوغلو يعد الناخبين بأنه سيبني في كل حي من أحياء إسطنبول روضة للأطفال. وفي المناظرة المتلفزة، علق يلدريم على هذا المشروع، قائلا إن إمام أوغلو وعد الناخبين قبل انتخابه رئيسا لبلدية بيليك دوزو بأنه سيبني 11 روضة في القضاء، إلا أنه خلال رئاسته للبلدية لمدة خمس سنوات، لم يبنِ سوى روضة واحدة فقط. ثم سأل: "الذي لم يستطع أن يبني 11 روضة، كيف سيبني 150 روضة؟".

مرشح حزب الشعب الجمهوري جدد في المناظرة قوله إن بلدية إسطنبول الكبرى قامت في السنوات الأخيرة بتقديم مساعدات مالية كبيرة؛ إلى منظمات للمجتمع المدني ومؤسسات خيرية مقربة من حزب العدالة والتنمية، مدَّعيا بأنه يقول ذلك بناء على تقرير صادر عن ديوان المحاسبة التركي، كما عرض خلال البث المباشر أوراقا بدعوى أنها نسخة من التقرير المذكور. إلا أن ديوان المحاسبة التركي كان قد أصدر بيانا ينفي فيه ما ذكره إمام أوغلو جملة وتفصيلا، مؤكدا أن تقرير عام 2017 لم يحتوِ على أي تقييم من هذا القبيل، كما أن تقرير عام 2018 لم يكتمل ولم ينشر بعد، ما يعني أن التقرير الذي عرضه مرشح حزب الشعب الجمهوري في المناظرة كان مزوَّرا.

المناظرة المتلفزة انتهت، ولكن أصداءها لم تنتهِ. ويمكن القول إنها سحبت من مرشح حزب الشعب الجمهوري "ورقة المظلومية"، وأظهرت أنه يكرِّر ذات الأكاذيب التي يلقِّنها فريق حملته. ومع ذلك، لا يتوقع أن تغيِّر هذه المناظرة آراء الناخبين بشكل كبير، في ظل ادعاء أنصار كل مرشح بأنه هو الفائز فيها.

عربي 21