بين ضرب «المتحولة جنسياً» في باريس وضرب الإسرائيليين للكفيف في فلسطين!
دعتني صديقة فرنسية إلى الاحتفال بعيد ميلادها في بيتها برفقة عدة فرنسيات، وفي تلك السهرة (النسائية) كان موضوع الحوار يدور حول ضرب «المتحولة جنسياً» في محطة المترو الباريسية حين اعتدى عليها/عليه أحدهم من أصل عربي بالضرب.
قلت لهن إنني شاهدت الخبر مصوراً على التلفزيون وبالذات على القناة «فرانس 30». وشاهدت الشاب/المتحولة جنسياً طويلة القامة في ثوبها القصير جداً تصعد السلم ورجل يعتدي عليها بصفعها. وعرض التلفزيون المشهد الذي صوره أحد العابرين بهاتفه المحمول وشاهدت حواراً معها (معه!) حول تقدمها بشكوى مطالبة بمعاقبة المعتدي ودفع تعويض. وأضافت: لم تؤلمني لكماته بقدر ما تألمت لإهانتي في كبريائي.
أما المعتدي فله رأي آخر وهو أن «المتحولة جنسياً» تعتدي على الأخلاق العامة، ومظهر ذلك الرجل في ملابس النساء استفزاز أخلاقي.
الفيلسوف: لا يوجد مذكر ومؤنث!
تزداد ظاهرة «المتحولات الجنسيات» حتى في عالمنا العربي، حيث قرأنا عن متحولة تعرضت للتحرش خلال توقيفها في القاهرة ودافعت عنها «المفوضية المصرية للحقوق والحريات» مطالبة بإطلاق سراحها.
وهي ظاهرة سمعت (فيلسوفاً) فرنسياً كما دعته محاورته على شاشة القناة «5 الفرنسية» يتحدث حول ذلك قائلاً: إنه لا يوجد في كوكبنا جنسان: المؤنث والمذكر، بل تدرجات بينهما، والتحول الجنسي ظاهرة طبيعية وشجاعة. وما من أنثى أو ذكر حقاً، بل عدة أنواع متحولة عن ذلك التصنيف القديم!
سألتني المحتفلات بعيد ميلاد الصديقة عن رأيي في الحكاية، وتهربت من الإجابة لأن أحزاناً أخرى تقطنني، ولكنهن أحرجنني بالرغبة في معرفة رأيي في ـ ضرب المتحولة جنسياً ـ وكنت أحاول التملص من ذلك لأن رأيي سيحول السهرة إلى جنازة كآبة.. وحين ازددن إلحاحاً قررت أن أبوح بما يشغلني ويحزنني ويقلقني.
تقلقني أحزان أخرى: جراح فلسطين!
قلت لهن وأنا أعرف أنني سأفسد السهرة المرحة: يشغل بالي ذلك الفلسطيني الكفيف الذي تعرض للضرب المبرح وأصيب بكسر في الفك وفي أصابع اليدين.. هذه الحكاية تقلقني أكثر من المتحولة جنسياً المضروبة في مدخل محطة المترو التي أحاط بها فوراً رجال الشرطة وقاموا بحمايتها/حمايته!
وسألنني بفضول: ماذا حدث لذلك الكفيف، وفي أي حي باريسي تعرض للضرب؟ قلت لهن الحكاية: كان المسكين نائماً في بيته مع زوجته حين جاء زوار الفجر (جنود إسرائيليون) في الخامسة صباحاً واقتحموا بيته (واسمه منذر مزهر ـ 47 عاماً) وجروه من فراشه لينهالوا عليه بالضرب وهو الكفيف منذ 15 سنة، ويعاني أيضاً من الفشل الكلوي والسكري والقلب!
وقلت لهن إن ذلك لم يحدث في باريس، بل في بلدة قرب مدينة «بيت لحم» الفلسطينية. وسألتني إحداهن ببراءة: لم نره يشكو على شاشات التلفزيون الباريسية! قلت لها: الفلسطينيون في الأرض المحتلة يهانون على يد الإسرائيليين ولا يدري أحد بهم إلا نادراً. هل سمعتن مثلاً بذلك الفلسطيني الذي قتله مستوطن إسرائيلي بإطلاق الرصاص عليه زاعماً أنه كان على وشك القيام باعتداء طعن عليه، ولكن القتيل الفلسطيني لم يكن يحمل سكيناً!..
زواج المثليين: أطفال ولكن كيف؟!
سألتني فرنسية أخرى من الساهرات: هل علمت بالرجلين الفرنسيين المتزوجين شرعاً بحكم القانون الفرنسي ويريدان طفلاً؟
قلت لها: نعم سمعت بزوجين رجلين قررت والدة أحدهما وعمرها (60 سنة) أن تحمل لهما طفلهما بمعونة الطب والتلقيح في الأنابيب. وقررت شقيقة الآخر أن تمنحه بويضات أنثوية لتلقيحها.
قالت: ما رأيك؟
قلت: سيكون طفل الوالدة حفيدها في آن وشقيقاً لابنها وابناً له في الوقت ذاته.. حكاية لا تخلو من التعقيد قياساً بزواج رجل وامرأة معاً. أليس كذلك؟
سألتني سيدة: هل أنت ضد زواج المثليين؟
قاطعتها صديقتي الفرنسية صاحبة سهرة «عيد ميلادها»: ما رأيكن في أن نتحدث عن شيء آخر.. ما رأيكن مثلاً في صبغ شعري بالأشقر؟
لم تجبها أي صديقة، ولكن سألتني إحداهن: هل تعلمين أن نجماً أمريكياً شهيراً (جورج كلوني) قام بالدعوة إلى مقاطعة فنادق «سلطان بروناي» بسبب قوانين السلطة ضد مثليي الجنس.. ومعاقبتهم بالرجم والجلد.. ما رأيك؟
عيد ميلاد أم محاضرة فكرية؟
وشعرت أنني أمثل في السهرة «المسلمة العربية»، ولكنني لاحظت علامات الضيق على وجه صديقتي صاحبة الدعوة، فقلت ضاحكة: هل نحن في «عيد ميلاد» أم «ندوة حوارية متلفزة»؟ وقلت لصديقتي المسكينة صاحبة الدعوة لعيد ميلادها وكانت تنظر إلي باستعطاف لأسكت: اعطني ما أشعل به شموع ميلادك، شمعة واحدة لكل عقد من الزمن توفيراً للشموع حرصاً على البيئة!..
وانفجرن ضاحكات.. أما قلبي فكان يبكي على ما حدث لذلك الضرير الفلسطيني المضروب المذل المهان في بيته ووطنه المحتل وللآلاف من أمثاله والذين لا نراهم على شاشات التلفزيونات العالمية يبوحون بشكواهم وبما تعرضوا له من أذى من ناهبي الأوطان المدعومين بسلطان واشنطن رجل الأعمال ترامب.
كعربية تقلقني هواجس أخرى
كان الشهيد الفلسطيني غسان كنفاني يكرر باستمرار في ذكرى وعد بلفور: «أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق».. ولا أدري ما الذي كان سيقوله عن الرئيس ترامب وهو يهدي أرض الجولان لإسرائيل وقد يهديه «مزارع شبعا اللبنانية» بمناسبة فوزه في الانتخابات الإسرائيلية مؤخراً. كدت أحدثهن عن ذلك مع احترامي لبنات شعوب أخرى يقلقهن وضع «المتحولين جنسياً» كرفيقات هذه السهرة.. وباختصار، لا أعتقد أن صديقتي الفرنسية ستقوم بدعوتي للاحتفال بعيد ميلادها في السنة المقبلة!
القدس العربي
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews