سائق التاكسي الذي انتخب حزب «السعادة الإسلامي» معارضة لأردوغان

يمازح سائق الأجرة عباس، زبائنه في سيارته الأجرة من نوع «فيات»، قائلا بابتهاج باللغة التركية «إسطنبول «أي كي بارتي» بيتيه» أي حزب العدالة انتهى في إسطنبول، معلقا على تقدم المعارضة التركية فيها لأول مرة منذ عام 1994، وهو ما حصل بفضل اصطفاف أكراد اسطنبول بالكامل مع المعارضة كعامل رئيسي، كما يؤكد عباس «نحن الأكراد الذين دعمنا أردوغان في الانتخابات السابقة، ونحن الذين أضعفناه في إسطنبول هذه المرة، هناك من الأكراد من صوّت لحزب الـ»جي هي بي» وهناك من صوت لحزب السعادة المنضوي في تحالف المعارضة في محافظات أخرى».
ينظر عباس إلى اللافتات الإعلانية التي علقها حزب العدالة في شوارع إسطنبول، بعد إعلان يلديريم فوزه، المكتوب عليها «تشكرلال اسطنبول» أي شكرا إسطنبول، قبل أن تبين نتائج الفرز النهائية فوز غريمه أكرم إمام أغلو، مرشح المعارضة، وهي نتائج ينتظر أن تقرها لجنة الانتخابات، خلال أيام قليلة.
يسخر عباس من هذه اللافتات متسائلا عن سبب بقائها مع خسارة الحزب المرتقبة للانتخابات. وعندما تسأل عباس، لماذا فعل أكراد إسطنبول ذلك، فإنه يجيبك بخليط من الأسباب، تبدأ بكراهيتهم للحزب القومي المنضوي في تحالف حزب العدالة، ولا تنتهي بسياسات حكومة حزب العدالة التي زادت عدائية للمشروع الكردي في سوريا والعراق، وآخرها عملية عفرين وما أعقبها من تهجير لعدد كبير من السكان الأكراد، بحسب عباس. عباس الكردي المحافظ تعود أصول عائلته لولاية أورفة جنوب تركيا، وفيها خليط من السكان ذوي الأصول العربية والكردية، يجيد عباس التحدث بالعربية بلكنة كردية ظاهرة، إذ تعلم العربية في مدارس دينية لتحفيظ القرآن انضم لها في طفولته في أورفة.
لكن اللافت في موقف عباس، كما قال لنا، أنه وبعض أقاربه في أورفة جنوب البلاد، انتخبوا حزب «السعادة الإسلامي»، وهو الحزب الذي كان جزءا من حزب العدالة قبل الخلاف بين أردوغان وزعيم التيار الإسلامي والأب الروحي له، نجم الدين أربكان، الذي أدى لانشقاق حزب السعادة عنه، ورغم أنه محدود القوة الانتخابية، ولا تتجاوز قاعدته الشعبية اكثر من 5% في تركيا وربما أقل، يجتذب الحزب الآن، جزءا من الإسلاميين الكرد، خصوصا أولئك الذين يريدون معارضة حزب العدالة وفي الوقت نفسه يرغبون بالتصويت لتيار إسلامي يمثل هويتهم المحافظة، وهكذا حقق حزب السعادة هذه المعادلة للمعارضة التركية، كونه إسلامي الجذور وجزءا من تحالف المعارضة المناوئ لحزب العدالة ذي الجذور الإسلامية أيضا، وهو ما أدى لـ»تكسير» الأصوات، وإضعاف حصة حزب العدالة، لكن هذه المعادلة لم تنجح في محافظات أخرى كردية، كشرناق التي حقق فيها حزب العدالة فوزا مفاجئا واستثنائيا، كما حقق الحزب نتائج جيدة في محافظات ذات أغلبية كردية جنوب شرق البلاد، وحل ثانيا بعد حزب الشعوب الكردي الذي ظفر بثماني محافظات، لكن في إسطنبول وأورفة ومحافظات أخرى يسكنها أكراد كأيدمان وتبليس، انحازت الكتلة الأكبر منهم إلى الصف المعارض لحزب العدالة، أما بالتصويت لحزب السعادة الإسلامي المنضوي في تحالف المعارضة، كما في تبليس وأيدمان وأورفة، أو بالتصويت للحزب الجمهوري الاتاتوركي مباشرة، كما في إسطنبول.

أورفة في جنوب البلاد، محافظة مختلطة بين الأتراك من أصول عربية وكردية، وقد حل حزب السعادة ثانيا، بعد حزب العدالة، حاصدا ما يربو على ثلث أصوات المحافظة، بينما لم يحصل في انتخابات عام 2018 إلا على حصة 1% من الأصوات، وكذلك في انتخابات 2014 و2015، وحقق حزب الشعوب الكردي نسبة 29% من أصوات أورفة في عام 2018 بينما تلاشت تقريبا هذه الأصوات من حصة حزب الشعوب في أورفة هذا العام، لتذهب أصوات هذه الكتلة الكردية لحزب السعادة، الذي حصل على 36% في الانتخابات الأخيرة. الأمر نفسه حصل في محافظتي أديمان وتبليس، وفيهما نسبة كبيرة من الأكراد، حيث حصل حزب السعادة هذا العام على نسبة 28% في محافظة أديمان، بينما كانت حصة الحزب من أصوات المحافظة عام 2018 (1.5%) فقط، وحصل حزب الشعوب عام 2018 على نحو 15% بينما تلاشت حصته هذا العام لصالح حزب السعادة.
أما في تبليس، فقد حصل حزب السعادة في الانتخابات على 18%، وحزب الشعوب على 33% بينما كانت حصة حزب السعادة عام 2018 نحو 1% فقط، وحصل حينها حزب الشعوب على 42%. وفي جميع هذه المحافظات الثلاثة، أورفة وتبليس وأيدمان، حل حزب العدالة أولا في هذه الانتخابات، لكن حصته تراجعت بشكل ملحوظ مقارنة بالاستحقاقات الانتخابية السابقة، نتيجة اقتطاع حزب السعادة لجزء من كتلته الانتخابية الكردية لصالح المعارضة، كما وضحنا ذلك بالأرقام. في إسطنبول، لم تكن خسارة أردوغان غالبا بسبب تراجع أصوات حزبه، بل بسبب تقدم تحالف المعارضة، فحزب العدالة في إسطنبول حافظ تقريبا على معدل أصواته التي يحصل عليها منفردا منذ 2014، وهي بحدود 40% تضاف اليها أصوات كتل داعمه ليصل تقريبا إلى نصف الكتلة الانتخابية في إسطنبول، كما حصل في هذه الانتخابات، حيث تحالف مع الحزب القومي وحصل على أصواته المقدرة بـ8% وهو ما رفع حصيلته إلى نحو48% بينما كان حزب المعارضة التركي الرئيسي «الجمهوري» يحصل منفردا على نتائج تتراوح ما بين 26% و30%، وقد تصل إلى 40% بأقصى حد، حال صوتت له أجزاء من كتل كردية يسارية مؤيده كما عام 2014، وما حصل هذه المرة أن كتلة انتخابية كاملة وهي كامل أصوات الأكراد في إسطنبول، صوتت للمعارضة (المكونة أصلا من تحالف الحزب الجمهوري المقدرة كتلته بـ26% وحزب الجيد القومي الذي تقدر أصواته بنحو 8% ) لتضيف كتلة حزب الشعوب الكردي نحو 13%؜ دفعة واحدة لحصيلة أصواتهم، ليصل تحالف المعارضة لأول مرة لنسبة 48%، بينما لم يحصل حزب الشعوب الكردي حتى على نصف في المئة في إسطنبول، بعد انضمام كامل كتلته للحزب الجمهوري، وهذا يحصل لأول مرة ايضا بهذا الشكل الشامل في الانتخابات التركية. وهذا لا يعني أن حزب العدالة، لم يخسر أيضا نسبة من جمهوره لأسباب تتعلق بالمرشحين في المحافظات، وبأسباب تتعلق بالخدمات وغيرها، لكن هذه النسبة ضئيلة وهي تتعلق بأصوات متأرجحة، تزيد وتنقص في كل انتخابات بفارق لا يتجاوز 3%، وهي نسبة لا تقارن بتأثير اصطفاف الكتلة الكردية كاملة بوجه حزب العدالة في إسطنبول.
القدس العربي