عن مخرجات مؤتمر المناخ ال 24 مجدداً

جرى الاتفاق على تشكيل لجنة خبراء خاصة بالامتثال ذات طبيعة تيسيرية، غير قسرية، وغير عقابية، بحيث لا تفرض غرامات أو عقوبات. لكنها تستطيع مساءلة البلدان التي لا تقدم تعهدات المناخ.
نواصل تسليط الأضواء على أبرز مخرجات مؤتمر الأطراف ال 24 الذي عُقد في مدينة كاتوفيتسه البولندية في ديسمبر/ كانون الأول 2018، والتي كان أبرزها إقرار «كتاب القواعد»، الذي سيقوم مقام بروتوكول كيوتو اعتباراً من عام 2020 (موعد انتهاء سريان مفعول البروتوكول بعد تمديده من سنة انتهاء سريانه في 2012 لغاية 2020)، باعتباره الدليل التشغيلي لتنفيذ اتفاق باريس للمناخ لعام 2015.

في المقال السابق عرضنا لمعالجات «كتاب القواعد» لكل من قضية تقرير ال 1.5 درجة مئوية الذي أعدته الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ، ولم يتحقق الهدف من وراء التقرير الذي ابتغته الأوساط التي تفصل بين الآثار المناخية والآثار الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن تدابير الاستجابة، وهو دفع الدول الأطراف (في اتفاق باريس) لمضاعفة تعهداتها بالتخفيف ثلاث مرات تقريباً، وذلك نتيجة اعتراض كل من الولايات المتحدة وروسيا والسعودية والكويت على خلاصات التقرير، وإحالة موضوعه إلى مناقشات لاحقة؛ وموضوع آليات السوق الطوعية، والتمويل.

الآن، وفيما يتعلق بالشفافية المنصوص عليها في المادة (13) من اتفاق باريس، فقد خُصص شطر مهم من كتاب القواعد في توصيفها، وعدد المرات، والتفاصيل التي ينبغي على البلدان تقديم تقارير عنها بشأن الجهود التي تبذلها في مجال المناخ.

وهو يغطي سبعة أنواع من المعلومات، بما في ذلك الإبلاغ عن الانبعاثات، والتقدم نحو الوفاء بتعهدات المناخ، والتكيف، وتأثيرات المناخ، وتمويل المناخ المقدم أو المستلم. وستُطبَّق القواعد كحزمة واحدة على جميع الدول دون تمييز (بين الدول النامية والدول المتقدمة). إنما يجب أن تُطبق بمرونة فيما خص الدول النامية التي تحتاج إلى هذه المرونة في ضوء قدراتها (وهذا تطبيق حرفي لما ورد في اتفاق باريس)؛ ونصت القواعد على السماح للدول بأن تقرر بنفسها ما إذا كانت بحاجة إلى هذه المرونة، ولكن عليها أيضاً أن توضح لماذا تحتاج إليها، وإلى أي مدى تعتقد باستمرار حاجتها إليها، وعليها أن تشرح كيف ستطور أداءها مع الوقت بالاستفادة من هذه المرونة. وفيما يتعلق بالإبلاغ عن التخفيف، يجب أن لا يتأخر الإبلاغ عن سنتين - على سبيل المثال، سيغطي الإبلاغ في 2018 السنوات حتى عام 2016 على الأقل.

ويتعين على البلدان الإبلاغ عن استخدام «جداول التقارير المشتركة» و«نموذج جدولي مشترك» يتم تطويره بواسطة الهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية. وسيبدأ تطبيق قواعد الإبلاغ هذه اعتباراً من عام 2024، أي في السنة التالية لبدء احتساب التقدم المحرز في مجال استخلاص الحصيلة العالمية.

عملية استخلاص الحصيلة العالمية - المادة 14: بحسب المادة (14) من اتفاق باريس، يتعين القيام دورياً (كل خمس سنوات اعتباراً من عام 2023) بعملية لاستخلاص الحصيلة العالمية لتنفيذ هذا الاتفاق بهدف تقييم التقدم الجماعي المحرز في مجالات التخفيف والتكيف ووسائل التنفيذ والدعم، على أساس الإنصاف. وقد وضع «كتاب القواعد» البنية الخاصة بعملية استخلاص الحصيلة النهائية التي ستُقسّم إلى ثلاث مراحل هي: جمع المعلومات، التقييم الفني، والنظر في المخرجات.

الخسائر والأضرار: هذا موضوع في غاية الأهمية والخطورة بالنسبة للدول النامية، خصوصاً منها الدول الجزرية الصغيرة. ومع ذلك فهو أحد المواضيع التي «تكره» دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وضعها في أجندات التفاوض عبر كافة الجولات التفاوضية. وحتى بعد كل الإصرار والضغوط التي مارستها الدول النامية، فإن نصيب هذا الموضوع في «كتاب القواعد» اقتصر على بعض الإشارات المتفرقة التي لا تحقق غرضه ولا ترقى لأهميته.

فقد ذُكر عرضاً في قسم «استخلاص الحصيلة النهائية»، بإضافته إلى جملة المجالات التي تغطيها المراجعة الدورية (كل خمس سنوات) لاستخلاص الحصيلة العالمية، بعد أن كانت الدول المتقدمة قد وضعته في البداية ضمن الهوامش، مع تنويه يقول «بالأخذ في الحسبان، حسب الاقتضاء، الجهود المبذولة لتفادي التقليل من الخسائر والأضرار المرتبطة بالتأثيرات الضارة لتغير المناخ وتقليلها ومعالجتها؛ كما ورد ذكره أيضاً في قسم الشفافية بصورة لا تُغني ولا تسمن من جوع كما يقال، تماماً كما في الإشارة السابقة، وذلك برسم النص الهزيل التالي: «يمكن للدول أن تبلغ بصورة مناسبة عن الخسائر والأضرار التي تتعرض لها».

في مواضيع أخرى، جرى الاتفاق على تشكيل لجنة خبراء خاصة بالامتثال ذات طبيعة تيسيرية، غير قسرية، وغير عقابية، بحيث لا تفرض غرامات أو عقوبات. لكنها تستطيع مساءلة البلدان التي لا تقدم تعهدات المناخ. فيما يتعلق بتقارير الشفافية التي تغطي تمويل المناخ أو الانبعاثات والتقدم في خفضها، يجوز للجنة، بموافقة الدولة المعنية، أن تنظر في تدابير من شأنها توفير التسهيلات في حالات عدم الاتساق الكبير والمستمر في المعلومات التي ترفعها.

الآن، وبالأخذ بعين الاعتبار كل الظروف والملابسات التي أحاطت بانعقاد مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين في بولندا، هل يمكن اعتباره مؤتمراً ناجحاً؟ وما هي ترتباته على البلدان النامية عموماً وبلداننا العربية على نحو خاص؟ الآراء بالتأكيد متباينة. فالبعض، مثل هيلين مونتفورد، نائبة الرئيس لشؤون المناخ والاقتصاد بمعهد الموارد العالمية، ترى، مثلاً، (من موقعها الوظيفي كمسؤولة سابقة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، أن إعادة تأكيد الوفود على قرارها الجماعي الذي اتخذته في باريس، بتقديم التزاماتها المناخية الوطنية بحلول عام 2020، وتعهدات التمويل التي ألقت بها الدول المتقدمة في الأيام الأخيرة للمؤتمر، تعتبر كافية لاعتبار المؤتمر ناجحاً.

في حين يرى الخبير الهندي والعالمي في مجال تغيرات المناخ ومكافحة كوارثه الطبيعية، هرجيت سنغ، بأنه «لا يمكن ببساطة حل أزمة المناخ بدون تمويل. إنه لمن المحبط للغاية رؤية كتاب قواعد باريس وهو يعود إلى الوراء في تقديم التمويل الحقيقي والعمل الحقيقي».

هذا بالتأكيد ليس تقييماً منصفاً لمخرجات المؤتمر، وإنما هو عبارة عن ملاحظات عابرة، ربما تختزل بعض جوانب نجاحاته وإخفاقاته، لكنها لا تجيب على الأسئلة الكبرى للقضايا التي عرضنا لها هنا وفي مقالنا السابق، وهو ما سنحاول تسليط الأضواء عليه لاحقاً.

  فايننشال تايمز