إسرائيل تمنع مرضى غزة من تلقي العلاج في الضفة والقدس
تصوروا أن تمنع وزارة الداخلية عن قريبكم من السفر لتلقي العلاج الطبي الحيوي في تل أبيب، لأنكم ـ بخلاف سياسة تشجيع بلدات المحيط والفصل بين الطوائف ـ انتقلتم للسكن إليها من نتيفوت أو من نهاريا، حيث لم تجدوا عملاً مناسباً. من الصعب أن نتصور نزعة شر كهذه، أليس كذلك؟ ولكن هذا ما تفعله إسرائيل عادة للمرضى من القطاع. إذا كان لهم قريب انتقل للسكن والعمل في رام الله مثلاً، فإن إسرائيل تمنعهم من السفر لتلقي علاج حيوي ليس في غزة. وتشترط تصريح السفر للعلاج بعودة القريب إلى القطاع.
لا بد ستقولون إن هذا ليس الأمر ذاته. اليهودي وحده يشعر حقاً بألم شقيقته المريضة، حين تتلقى العلاج غير المناسب أو لا تتلقى العلاج على الإطلاق. أما العربي الذي يعيش الوضع ذاته فلا يشعر بالألم. فالأم العربية لا تعاني مثل الأم اليهودية، إذا كان عائقاً بيروقراطياً ما سيمنع ابنتها في العاشرة من عمرها من تلقي الفحوصات اللازمة.
مثلاً، أسماء، ابنة الـ 15، تعاني من ضيق شرايين. والبروفيسور رفائيل فالمان، المختص في الأوعية الدموية، يبين أن هذا مرض صعب يعرض الحياة للخطر ولا يوجد له جواب مناسب في الجهاز الصحي الفلسطيني. ولكن المشكلة هي أن لأسماء أخوين اثنين موجودين في الضفة الغربية. وطلبه للخروج لإجراء فحوصات في ايخلوف رد لأنه، مثلما أوضحت رسالة الضابطة/الموظفة في مكتب الارتباط في غزة، والذي هو جزء من الإدارة المدنية، التابعة لمكتب منسق الأعمال في المناطق، وهو وحدة في وزارة الدفاع: «إلى أن يعود الأخوان إلى القطاع، وإلا لا يمكننا أن نقر لها بالسفر».
هكذا حصل أيضاً لأولفت، ابنة الـ 33 والأم لأربعة أطفال، والتي تقرر لها دور في المستشفى الفرنساوي في القدس الشرقية، بعد أن فشلت كل العلاجات التي تلقتها لالتهاب الأذنين. يتبين أن زوج إحدى شقيقاتها يتواجد في الضفة الغربية. وهذا خطير جداً.
إن المنع الذي اخترعته البيروقراطية الإسرائيلية لا يتجاوز أيضاً من ارتكب ابن أخيه الجريمة اللاسامية وانتقل إلى السكن في مكان له فيه رزق: مثل عبد الحكيم، ابن ا لـ 61، الأب لـ 11 طفلاً. مشاكل في العينين أدت إلى تدهور خطير في نظره. واستدعي للعملية في مستشفى العيون في القدس الشرقية، ولكنه طلبه لتلقي تصريح العبور رد بالرفض، لأن أحد أبناء أخوته موجود في الضفة. فما الذي يفعله الرجل الكبير؟ فهل سيسترق طريقه إلى رام الله بعد العملية ليعمل مع ابن أخيه في البناء أو في مطعم؟
وهكذا دواليك، تتراكم الحالات. مثلما سبق أن كتبت قبل بضعة أشهر، في السنتين الأخيرتين بدأت ذريعة «القريب المتواجد في الضفة الغربية» تستخدم لدى السلطات كذريعة لمنع الخروج لتلقي المرضى من القطاع العلاج (السلطات تتحدث عن «خوف من البقاء غير القانوني في الضفة». والموقعة أدناه لا تعترف بشرعية هذا التعريف لأنها هي نفسها ماكثة غير قانونية: من حق الفلسطيني من غزة الذي يسافر إلى الضفة الغربية أن يبقى فيها، مثلما من حق المقيمة في نتيفون ان تنتقل إلى رمات غان والمقيمة في نهاريا ـ إلى بني براك). في 2018، حتى 23 تشرين الأول، كان عدد الأشخاص الذين رفضت طلباتهم بهذه الذريعة 433. في 2017 كان عددهم 379. هكذا ردوا من مكتب المنسق على طلب جمعية «أطباء لحقوق الإنسان» للكشف عن المعلومات.
إذن، ما الذي نفهمه من هذا؟ أولاً، إن إسرائيل تتطور دوماً من حيث وسائل تحكمها. كل مرة تجتز خطاً أحمر جديداً في وحشيتها. ثانياً، إن إسرائيل أضافت وسيلة عقاب جماعية للمخالفة التي اخترعتها (وجود فلسطيني من غزة في أوساط أبناء شعبه في الضفة): غير مسموح بعلاج طبي لأقرباء المخالف قبل عودة القريب إلى القطاع. ثالثاً، وهذا مرتبط بالأمر: إن قطع القطاع عن الضفة مهم لإسرائيل كمدماك مركزي في سياسته. من يتذكر أنها وقعت على إعلان تعترف فيه بأن القطاع والضفة هما وحدة إقليمية واحدة؟ رابعاً، لا حاجة إلى الابتعاد حتى إسطنبول، وبروكسل، ودوبلين كي نجد سكاناً من القطاع، المتعرض للبطالة والمحوط بالأسيجة ممن خرجوا منه بطريقة التوائية، وهم يبحثون أي عمل ورزق يمكن أن يجدوه خارج حدودهم، ويمكن أن نراهم في رام الله وفي بيت لحم.
الحكم الأعلى الإسرائيلي يصنفهم كـ «ماكثين غير قانونيين». ومن شأن الجندي الإسرائيلي أن يمسك بهم طوعاً للأوامر ويطردهم، وعليه فإنهم يجتهدون أن لا يغادروا حدود الجيب الفلسطيني. هم يعيشون على مسافة 70 كيلومتراً عن أبناء عائلاتهم، بمن فيهم الأطفال والزوجة، لا يرونهم لسنوات طويلة، وبعضهم يعاني من العزلة، إذ كيف يقال برقة: المجتمع الفلسطيني في الضفة لا يبش الوجه للغزيين دوماً. وإضافة إلى ذلك: من شأنهم أن يسمعوا من الأم مريضة الكلية بأنها لن تتمكن من الخروج لتلقي العلاج المناسب طالما أنهم لم يعودوا.
رفعت جمعيتا «الميزان» لحقوق الإنسان في غزة، وأطباء لحقوق الإنسان في تل أبيب التماساً إلى محكمة العدل العليا بطلب لإلغاء اشتراط العلاج الطبي بعودة القريب إلى غزة. أما من كتب الالتماس، فهم المحامون عدي لوستغمان، وتمير بلانك وهجار شختر، وينتظرون رد الدولة.
هآرتس
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews