الطريق إلى صندوق الاقتراع تمر في غزة
يتابع الفلسطينيون حملة الانتخابات في إسرائيل عن كثب، كل تغريدة عن صمت بني غانتس أو استطلاع مع آخر الأنباء عن عدد مقاعد اورلي لي في أبقسيس يترجم في غضون دقائق قليلة إلى العربية. يدور الحديث عن تقاليد طويلة السنين من الاهتمام باللعبة الديمقراطية الإسرائيلية، ولكنهم بالمعلومات التكتيكية يفهمون أن ما كان نتنياهو قادراً على أن يدافع عنه في الأيام العادية سيجد صعوبة في أن يدافع عنه في ذروة معركة الانتخابات، فلعبة التراشق المتوترة بين إسرائيل وحماس على حدود غزة مثلاً، لم تعد مجرد موضوع أمنى ولا حتى سياسي، فهي موضوع في لب الحملة.
إن الفلسطينيين يعيشون في ذروة صراع قوة سياسي داخلي بينهم وبين أنفسهم، وصلت ذروته في الأيام الأخيرة. فقد مل أبو مازن نهائياً من مواصلة تمويل حكم حماس في غزة فقرر فك ارتباط من طرف واحد. ولنسمّ هذا إرث شارون. المساعدة الخارجية للسلطة الفلسطينية، التي اعتمدت عليها ميزانيتها، تقلصت في السنوات الأخيرة، والمال الذي يذهب إلى غزة يغرق في ثقب أسود من الميزانية والديمغرافيا الذي لا يساعده في شيء. بعد 11 سنة من سيطرة حماس على القطاع بالقوة، مقابل حكومة يمينية في إسرائيل، وإدارة أمريكية لا تفهم المسألة الفلسطينية بل وغير معنية بها على نحو خاص، وحكام عرب يتسكعون مع نتنياهو علناً.. قرر التنفيس عن إحباطه على غزة الفقيرة والمضروبة، وعملياً فك الارتباط عنها رسمياً، والأهم اقتصادياً.
موضوع الدولة الفلسطينية، الذي كان في لباب النقاش السياسي الإسرائيلي، اختفى عن الخطاب، وبقدر كبير بسبب غياب الشريك الفلسطيني. وخلف الأمر فراغاً في معسكر الوسط ـ اليسار يصعب عليه ملؤه. وبدلاً من مبدأ الدولتين، الذي فقد مكانته، لم يوجد بديل بعد. الوضع في الجانب الفلسطيني مشابه: قلة قليلة جداً من الأشخاص في الساحة السياسية الفلسطينية لديهم الشجاعة لأن يقولوا بصوت عال وبالعربية نحن نؤمن بالدولتين. خريطة فلسطين هي الخريطة ذاتها في مدارس حماس في غزة وفتح في الضفة. والتعويض المالي لمن ينفذ العمليات ضد الإسرائيليين هو ذات التعويض. النقاش ليس جوهرياً بل تكتيكي: كيف من الأصح التصرف تجاه إسرائيل في الطريق لتحرير فلسطين. وبشكل غريب وسخيف ـ وبالذات حين لا يكون هناك سبب مبدئي للانقسام ـ لا يوجد احتمال لإقامة دولة فلسطينية في حدود 1967، بحيث إن تقسيم البلاد ليس على جدول الأعمال، وفي حماس أيضاً يسعون للوصول إلى نوع من الهدنة مع إسرائيل ـ الهوة بين فتح وحماس هائلة. بمعنى أن جذر الشرخ في الشعب الفلسطيني يرتبط في مواضيع الهوية الدينية والسياسية (الإخوان المسلمين مقابل كل الباقين) وفي الصراعات على الأرض الإقليمية، المال والقوة.
لقد كانت فرضية عمل نتنياهو بأن ينجح في شراء الهدوء حتى الانتخابات، وربما بعدها أيضاً، من خلال المال القطري. غير أن الساحة الفلسطينية عديمة الراحة. بخلاف القادة عندنا، يعرف السنوار العدو بشكل مباشر، يتحدث لغته ولا يحتاج لترجمة كي يقرأ التعليقات على الإنترنت. وهو يعرف بأن فتيل الكابنت في زمن الانتخابات أقصر بقصير من جهة، ومن جهة أخرى يعرف بأنه إذا كان نتنياهو فعل هذا القدر الكبير كي يمتنع عن حملة عسكرية في غزة، فيبدو أن لديه أسباباً وجيهة لذلك.
في الماضي، كلما ضغط أبو مازن على حماس كانوا «يتفجرون» علينا. وقد بدت مؤشرات العصبنة بوضوح في الأيام الأخيرة. المال القطري لم يدخل بعد، نوع من العقاب، ولكن هذا الدرس الذي يلقن لحماس لن يغير الكثير إذا ما قلص أبو مازن بشكل دراماتيكي المساعدة التي ينقلها إلى غزة في كل شهر. فـ 15 مليون دولار من القطريين لن تغطي على مئة مليون دولار من السلطة. غزة بدون أبو مازن ستصل إلى إفلاس تام. والسؤال هو هل سنصل إلى 9 نيسان دون أن نتوقف عند حملة في غزة على الطريق. في هذه اللحظة كل أسبوع هو تحد متجدد.
يديعوت
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews